ارشيف من :ترجمات ودراسات
الأزمة الاقتصادية العالمية والظلال القاتمة للحرب الباردة
صوفيا ـ إعداد: جورج حداد*
أعلن رئيس "البنك الدولي" روبرت زيليك ان الأسعار المرتفعة وغير المستقرة للمواد الغذائية تمثل حاليا "التهديد الرئيسي للاقتصاد العالمي". وفي مؤتمر صحافي عقده في اعقاب اجتماع "لجنة التنمية"، وهي الهيئة الرئيسية التابعة للبنك الدولي، اكد زيليك "اننا نوجد على بعد خطوة واحدة من ازمة جديدة".
وفي الوثيقة الختامية الصادرة عن الاجتماع يعبر البنك الدولي عن قلقه من "ارتفاع اسعار موارد الطاقة والمواد الغذائية". ويشير البيان الختامي الى وجود "مؤشرات على تدعيم الاقتصاد العالمي، اسهمت بها الى درجة كبيرة البلدان النامية".
ولكن الوثيقة تضيف ان "انهاك بعض القطاعات، ولا سيما قطاعي الاغذية والطاقة، وما ينتج عنه من عدم استقرار وضغط الاسعار سوف يؤدي الى وضع الدول النامية امام الخطر". وتعترف "اللجنة" ان "الاحداث في الشرق الادنى وشمال افريقيا سوف يكون لها تأثير طويل الامد على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية، وستكون العواقب مختلفة في مختلف البلدان". وتدعو الوثيقة البنك الدولي الى "تشديد الدعم لدول هذه المنطقة".
ويقول دومينيك ستروس ـ كان، مدير "بنك النقد الدولي"، ان تنامي البطالة هو احد التحديات الدولية امام الاقتصاد العالمي خلال عملية انعاشه. "ان عملية انعاش الاقتصاد هي مستمرة، ولكن البطالة تمثل تحديا جديا"، هذا ما ادلى به ستروس ـ كان، في مؤتمر صحافي عقد في اعقاب اجتماع "اللجنة النقدية ـ المالية العالمية" وهي الهيئة العليا التابعة للبنك. وحسب كلمات مدير بنك النقد الدولي "لعله من المبالغ فيه القول انه يجري الانعاش "بدون ايجاد فرص عمل"، ولكن بالتأكيد يجري الانعاش مع ايجاد فرص عمل غير كافية".
ويؤكد ستروس ـ كان ايضا انه "بالنسبة للبلدان النامية يوجد خطر انهاك الاقتصاد". وحسب كلماته فإن "خطر التضخم يصبح جديا ومخيفا". وهذا العامل "يثير القلق حيال آفاق النمو الاقتصادي".
ويلاحظ المدير المنتخب حديثا لـ"اللجنة" ترامان شانموغاراتنام وهو وزير مالية سينغافورة "انه قد ظهرت مخاطر جديدة". واشار من بينها الى "الكارثة في اليابان، الاحداث في الشرق الادنى وشمال افريقيا، وكذلك الاسعار المرتفعة للخامات".
التبدلات في اسعار بعض المواد الغذائية (المعطيات هي من البنك الدولي، وهي تقوم على المقارنة بين الربع الاول من سنة 2010 والربع الاول من سنة 2011): الذرة (+) 74%، الحنطة (+) 69%، السمنة النباتية (+) 55%، الصويا (+) 36%، لحوم البقر (+) 30%، الأرز (-) 2%.
XXX
قبل اكثر من عشرين سنة اعلن الزعيم السوفياتي السابق غورباتشوف، من طرف واحد، الافلاس الجيوبوليتيكي للاتحاد السوفياتي ولدول ما كان يسمى الكتلة الشرقية. وقد املى عليه اتخاذ هذا القرار عجزه (وكذلك عجز اسلافه) عن الاجابة عن السؤال التالي: لماذا ينحدر الموديل الاقتصادي السوفياتي على الدوام الى الاسفل؟ ولهذه الغاية كان يكفيه ان ينظر الى ما هو ابعد قليلا من شرقي سيبيريا ـ اي الى عاصمة الصين المليارية، حيث كان الزعيم الصيني الراحل دين زياو بينغ قد قال جملته التعجيزية: "ان الصين هي بلد عظيم بما فيه الكفاية، بالاشتراكية في الادارة والرأسمالية في الاقتصاد...". وبسبب قصر نظره السياسي فإن غورباتشوف قوض الامبراطورية السوفياتية الضخمة. وهو الحدث الذي (لأسباب مفهومة) جرى استقباله بارتياح كبير في الغرب. وانهار بشكل محزن جدار برلين في كل من الدول الصغيرة في الكتلة الشرقية، التي اندلعت فيها، كفرقعات الالعاب النارية، "الثورات الملونة". ولم يبق على الحلبة الجيوبوليتيكية سوى "قوة عظمى" واحدة هي الولايات المتحدة الاميركية. وشكل ذلك حافزا لمئات التحليلات وللاعلان الاحتفالي عن نهاية ما كان يسمى "الحرب الباردة"، التي بدأت سنة 1947، بالخطاب التاريخي الذي القاه رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل في مدينة فولتين الاميركية. فعلى اثر هذا الخطاب ظهر الى العلن العداء المكشوف بين حلفاء الامس ضد المحور الهتلري: روسيا، اميركا واوروبا الغربية. والمحور الرئيسي للمواجهة كان بطبيعة الحال: واشنطن وموسكو.
لكن لماذا علينا ان نعيد الى الاذهان هذه الوقائع المعروفة؟ لأن قسما كبيرا من الجيل الجديد (ما بعد انهيار الكتلة السوفياتية السابقة) ليس لديه اي تصور عما كان يعنيه تعبير "الحرب الباردة".
في الستينيات من القرن الماضي كانت عشرات الالاف من العائلات الاميركية تتجهز بمخابئ "منزلية" ضد القنابل الذرية، اما في "المعسكر الاشتراكي" فقد تم بناء شبكة ضخمة من الملاجئ العامة. وفي السبعينيات والثمانينيات، وفي الكثير من الابنية السكنية الجديدة في المدن كان يتم تركيب "انتينات" خارجية، جاهزة لضمها الى شبكة عيارات قياس الاشعاعات. اما في اقبية البنايات فقد انشئت مرافق غير كبيرة، مجهزة بصنبور مياه، ومرحاض وباب معدني سميك. وفي هذه المرافق كان ينبغي عند الضرورة ان تتم عملية تنظيف الهواء من التلوث الاشعاعي.
وهذا بعض ما كانت تفرضه ظروف الحرب الباردة. وهكذا في بداية العقد العاشر من القرن الماضي ظهرت الولايات المتحدة الاميركية بوصفها القوة العظمى الوحيدة المعترف بها من الجميع، وهو لقب لم ير مثله حتذاك. وتنفست اوروبا واميركا الصعداء من عناء النزاع النووي، ومنذ وقت قريب بدأت القواعد النووية الروسية والاميركية السرية للغاية تتبادل استقبال الاختصاصيين النوويين. ولكن لم تكد تنقضي سوى مرحلة مجهرية، اي قصيرة جدا من وجهة النظر التاريخية، قبل نهاية القرن الماضي، حتى تقدمت الصين ـ الدولة ذات المليار و300 مليون نسمة ـ بشكل جدي للمشاركة في السباق الاقتصادي الدولي، ولم تلبث ان تجاوزت بسهولة دولا متطورة مثل المانيا، فرنسا وانجلترا. وهكذا، بعد مفاجأة التفكيك الغورباتشوفي للاشتراكية في اوروبا، كانت مفاجأة القفزة الاقتصادية المباغتة لجمهورية الصين الشعبية التي فاجأت المحللين وعلماء السياسة. ولم يكن احد يتوقع ان بكين هي في وضع يسمح لها بأن "تقفز" متجاوزة عشرات السنين من التخلف الاقتصادي، وان تقف مباشرة بعد اليابان والولايات المتحدة الاميركية في لائحة الترتيب الاقتصادي العالمي.
والى جانب الازدهار الاقتصادي، بدأت الصين الشعبية وبشكل طبيعي تماما تنمي "عضلاتها العسكرية". وفي جزيرة غير كبيرة في بحر الصين تم بناء قاعدة حديثة للغواصات النووية (التي هي احد اخطر انواع الاسلحة في العالم المعاصر). وشرع في تنفيذ برنامج واسع لتحديث وتجهيز الصواريخ ذات المدى المتوسط والبعيد. وأنشئ اساس راسخ للانتاج المحلي للطائرات المقاتلة (التي كانت حتى وقت قريب تستورد من الاتحاد السوفياتي).
ومن جهة ثانية، وفي نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، فإن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، الاصغر حجما وسكانا بكثير من الصين الشعبية، قامت بشكل مفاجئ بشحذ سياستها الخارجية، عن طريق تحضير وتنفيذ تجارب نووية حربية. وعلى الصعيد الجيوبوليتيكي من المعلوم ان كوريا الشمالية هي آخر معقل للحرب الباردة: ولا شك انه يوجد اساس لذلك في ان الحرب بين الكوريتين الشمالية والجنوبية (1950 ـ 1953) لم يتم اعلان نهايتها حتى الان، ويتم بين وقت وآخر تصعيد التوتر بين الكوريتين الى درجة الخطر. وحينما نتكلم اليوم عن شبه الجزيرة الكورية غير الكبيرة والمقسومة بموجب خط ترسيم حدود مؤقت منذ ايام الحرب، لا ينبغي ان ننسى ان احدى هاتين الدولتين (كوريا الشمالية) تحوز الدعم غير المشروط من قبل بكين، في حين ان كوريا الجنوبية تحوز دعم واشنطن وطوكيو. وهذا ما يجعل النزاع بين جزءَي هذه الامة المقسومة اكثر تعقيدا وقابلية للانفجار.
ومن الادلة على ذلك المحادثات المتقطعة المستمرة الى الان والهادفة الى الحد من البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والى التفاهم بين الشمال والجنوب. وتثير كوريا الشمالية القلق بسبب سياستها الصلبة. وبالرغم من عدد سكانها الذي لا يزيد عن 24 مليون نسمة، فإن كوريا الشمالية تمتلك جيشا نظاميا هو الرابع في العالم من حيث عدده الذي يبلغ 1210000 جندي، وهو مزود بمختلف انواع الاسلحة، السوفياتية والصينية، التي وإن لم تكن في المستوى الحديث المطلوب، لكنها تتيح له بسهولة الدخول في نزاع حربي طويل الامد. ودون ان ننسى ان الصين الشعبية تقف خلف كوريا الشمالية.
وخلال الحرب الكورية في الخمسينيات فإن القوات الصينية على وجه التحديد (التي شاركت في القتال حينذاك بصفة متطوعين) هي التي وجهت الى القوات الاميركية (التي كانت تقاتل تحت علم الامم المتحدة) ضربة واحدة شديدة، اذ قبل 48 ساعة عشية عيد الفصح سنة 1950 نصب 130000 جندي صيني كمينا دائريا للجيش الاميركي، وقضوا على فرقتين اميركيتين (وحسب معطيات غير رسمية تم حينذاك القضاء على 15000 جندي اميركي). ومع ذلك لا يمكن التوقف عند القول ان كوريا الشمالية هي المعقل الاخير للحرب الباردة. فاذا ألقينا نظرة عامة الى الاوضاع الجيوبوليتيكية الحالية في جنوبي شرق اسيا، سنجد عددا من البؤر المكشوفة والمستورة للمواجهات التي تذكرنا بعصر الحرب الباردة. فقبل كل شيء اصبح لدينا الان من جديد قوتان عظميان هما اميركا والصين. وتحاول اميركا جاهدة ان تطلق في الصين "ثورة ملونة" اخرى اطلقوا عليها مسبقا اسم "ثورة الياسمين". وفي انسجام مع هذه المعزوفة لا يني السياسيون الاميركيون يهاجمون بكين لاجل ما يسمى "حقوق الانسان"، ولأنها تنتهج سياسة فعالة لاعادة التسلح. واحيانا تكون لهجتهم عدائية جدا، واحيانا اخرى لطيفة ومرائية جدا. وبمثل هذا الرياء نضحت كلمات وزير الدفاع الاميركي الذي قام بزيارة "صداقة" الى الصين في نهاية السنة الماضية، ولكن في الوقت نفسه قامت القوات المسلحة الصينية بعرض طائرة مطاردة ـ قاذفة من الجيل الخامس، تسمى “G-20”، وهي توأم للطائرة الاميركية المتفوقة "الشبح" من طراز "ف ـ 117".
وقد اشتكى السياسيون الاميركيون من انه حسب البرامج الصينية المعلنة سابقا فإن طائرة “G-20” كان من المفترض ان يتم انتاجها في العشرينيات القادمة، وليس اليوم، وهذا يدل حسب رأيهم على السياسة العسكرية المتسترة والمخادعة التي تنتهجها بكين الرسمية. والاكثر سخافة واثارة للسخرية الشكوى الاميركية من التطور السريع "المتهور" للصين. وقبل بضعة اسابيع وجهت مصادر "مجهولة" دعوة في شبكة الانترنت للقيام "بمسيرة ياسمينية" امام مدخل مطعم "ماكدونالدز" في وسط شانغهاي: ولكنه لم يظهر على المسرح سوى المراسلين الاميركيين والاوروبيين، ولم يحضر احد ليهتف "يسقط!" حاملا الياسمين على صدره. ولكن جرت محاولة مشابهة في هونغ كونغ (المدينة التي يوجد فيها ناطحات سحاب اكثر من نيويورك) ـ وهناك ظهر امام "ماكدونالدز" شخص واحد فقط اخذ يدعو بشجاعة الى حرية التعبير والصحافة.
وتثير الشفقة "القفشات" الاعلامية ـ البروباغاندية من طراز الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي: وللمثال الريبورتاج المنشور في مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" لعجوز كان يرفض ترك منزله القديم في وسط مدينة جرى تجديد بنائها كليا في شمال الصين (حيث، بالمناسبة، اخذت تعمل 2700 شركة اميركية واوروبية ويابانية). وهكذا فإن السياسة الحاقدة للحرب الباردة اخذت تظهر من جديد، وذلك ليس لاجل كوريا الشمالية ذات الـ 24 مليون نسمة، ولكن لاجل جمهورية الصين الشعبية ـ الكابوس الذي يقض مضاجع السياسيين والعسكريين الاميركيين، الذين اخذوا منذ عدة سنوات يعتبرون ان العدو رقم واحد لاميركا ليس احدا آخر سوى الصين...
والصين من جهتها "لا تقصر": ففي الوقت الحاضر اصبحت تملك 12 غواصة نووية في جاهزية قتالية مقابل 10 لأميركا. وفي السنة القادمة يتم انجاز اول حاملة طائرات صينية، هذا عدا عن طائرة “G-20” التي سبق ذكرها. وتبذل جهود حثيثة لإطلاق اجهزة علمية ـ بحثية نحو القمر، علماً ان الصواريخ الحاملة لهذه الاجهزة هي ذاتها من عائلة الصواريخ "الباليستية" القادرة على حمل الرؤوس النووية الى اي نقطة في العالم... وبالطبع، ان اللغة السياسية لبكين الرسمية لا تزال متحفظة وموجهة بشكل واضح نحو المسائل الداخلية، المرتبطة بالتطور الاقتصادي للصين، ولكنه لا يكاد يوجد شخص عاقل يمكن ان يصدق ان القوة الاقتصادية رقم 2 في العالم يمكن ان تبقى في وضع متخلف عسكريا...
وحينما نتحدث عن العناوين الجديدة للحرب الباردة، لا ينبغي ان ننسى الجمرات المتقدة تحت الرماد في المواجهة شرق ـ غرب. ونشير هنا بالدرجة الاولى الى اليابان ذات المئتي مليون نسمة، التي تعتبر رسميا "الصديق الكبير" لأميركا في جنوبي شرق اسيا. فهذه البلاد توجد عمليا في ظروف الاحتلال الاجنبي. فبعد الاستسلام المهين لليابان في آب 1945 (الذي سبقه القصف الأميركي النووي الهمجي لهيروشيما وناكازاكي) اخذت الحكومات اليابانية تتسابق للاعلان عن مشاعر الصداقة حيال واشنطن. ولكن هذا لم يمنع رجال الاعمال اليابانيين من الشروع في حرب تجارية غير معلنة ضد اميركا، وان يغرقوا اوروبا واميركا بالسيارات اليابانية، وان يحتلوا موقعا قياديا في الاقتصاد العالمي. ولكن الى جانب ذلك يوجد في اليابان اكثر من 100 قاعدة عسكرية اميركية، تضم اكثر من 50 الف عسكري: مشاة البحرية (المارينز)، مشاة، بحارة وطيارين. وهناك حضور اميركي كبير في اوكيناوا، حيث ترسو سفينة قيادة الاسطول الاميركي السابع، وهي حاملة الطائرات النووية "دوايت ايزنهاور". ويضم هذا الاسطول عشرات السفن الحربية.
وعسكريا فإن اليابان هي بشكل دائم موضوعة "كهدف" للعسكريين الاميركيين. والعلاقة بين السكان اليابانيين و"اصدقاء ما وراء البحار" ليست ايضا على ما يرام: فدائما يوجد مشاكل حول القواعد العسكرية في اوكيناوا، وتكثر الاحتجاجات من قبل السكان المحليين، الذين يعبرون عن الغضب حيال الضجة الدائمة التي تصدرها الطائرات الحربية الاميركية، وحيال وجود الغواصات النووية على الشواطئ اليابانية، وحيال التهتك والسلوك المشين من قبل مشاة البحرية، الذين لا يخضعون للعقوبات من قبل المحاكم اليابانية، وهم مسؤولون فقط امام القضاء الاميركي. هذا بالاضافة الى الاحتفالات التذكارية السنوية في شهر آب، لمناسبة ذكرى القصف النووي، حيث يتجمع ملايين الناس في هيروشيما وناكازاكي، ليبرهنوا ان الجرح النووي الذي اصيبت به اليابان في آب 1945 لا يزال حيا ومؤلما.
ونشير ايضا الى جمرة اخرى ملتهبة تحت الرماد، وهي فييتنام ذات المئة مليون نسمة. ففي السبعينيات من القرن الماضي كانت فييتنام الشمالية (حينذاك) تقاتل ضد الولايات المتحدة الاميركية. واليوم، بعد عشرات السنوات، فإن فييتنام الشيوعية الموحدة تتاجر بنشاط ـ على النمط الصيني ـ مع اوروبا كما مع العدو القديم: اميركا. والتبادل التجاري مع الدول الكبرى يدفع هذه الدولة المحاربة لعشرات السنين الى الامام على اللائحة الاقتصادية للعالم. ولكن الى جانب ذلك فإنه يولد سنويا في فييتنام 2000 طفل يحملون تشوهات ولادية بسبب المواد الكيماوية السامة للشركة الاميركية "مونسانتو" وشركة "اورينج ايجنت"، التي استخدمت في حينه لتعرية اوراق اشجار الغابات الكثيفة لفييتنام خلال الحرب الاميركية ـ الفييتنامية.
هؤلاء الألوف من الاطفال الذين دمر مستقبلهم، والألوف من العائلات التي لا تزال تكابد المعاناة، بالكاد يمكن ان يحسوا بالمشاعر الدافئة حيال اميركا ـ الدولة التي كانت تجرب جميع انواع اسلحة الدمار الشامل ضد الفييتناميين خلال سنوات الحرب... وهكذا فإن الحرب الباردة تلقي بظلالها من جديد فوق كوكبنا، ولكن هذه المرة في اقليم اخر، هو جنوبي شرق اسيا. ولكن هذا لا يجعلها اقل إخافة، لأنه احيانا لا يحتاج الامر الا الى شرارة اضافية واحدة، خطوة واحدة، حتى يندلع الحريق المخيف للحرب الساخنة.
* كاتب لبناني مستقل