ارشيف من :آراء وتحليلات

استهداف 14 اذار لسلاح المقاومة.. والرهان على حرب "اسرائيلية" وإمكاناتها

استهداف 14 اذار لسلاح المقاومة.. والرهان على حرب "اسرائيلية" وإمكاناتها

حسان ابراهيم
احدى مفردات الحرب المستعرة حاليا على المقاومة وسلاحها، من قبل 14 اذار وقياداتها، بث الامل في صفوف هذه القوى، بان النصر على المقاومة مقبل. وللتمكن من ذلك، تعمل هذه القوى على استغلال كل ما يحدث في الساحات العربية، واعتباره تعزيزا لتوجهاتها وارتهانها بالاخرين. ومن مفردات هذه الحرب أيضاً، الإشاعة بان قوى الممانعة، دولا ومنظمات، مقبلة على تفكك، وأن الرابط الذي يجمعهم سينحل، بل وايضا قد يشهد المستقبل القريب انسحابا لبعض هذه القوى والتحاقه بالركب "المعتدل" والعمالة للاميركيين. ومن مفردات هذه الحرب ايضاً وأيضاً، الامل بالحرب الاسرائيلية على لبنان، من جديد، والاتكال على العدو الاسرائيلي كي يحقق ما لم يحققه عام 2006. ادبيات هذه القوى وخطابها ينطق بكل ذلك، وإن بشكل غير مباشر لجهة الحرب، بلا خجل وبلا حياء.

كثيرة هي المواقف والاراء المنشورة اخيرا، التي عملت على تفنيد هذه الاماني والادعاءات، لكن يمكن لهذه الردود ان تتسع لمعالجة غير مستندة الى مفردات السجال الداخلي في لبنان، لتنظر في اصل القدرة الاسرائيلية على شن حرب جديدة على لبنان، بحسب الاماني، طالما انها مفردة جديدة في السجال الداخلي، باعتبارها غرضا يزيد الطلب عليه لضرب المقاومة عسكريا، في اعقاب تحقق الامنيات الاخرى، بسقوط دول محور الممانعة.

في الاساس، "اسرائيل" قادرة من ناحية مادية على شن حرب، وهي حقيقة واقعة لا لبس فيها. في نفس الوقت "اسرائيل" من ناحية مادية ايضا، غير قادرة على شن حرب، وايضا هي حقيقة واقعة قد يكون لا لبس فيها للمتابعين. كلا المطلبين صحيح، الا ان ما يفصل بينهما ثلاث مطالب اساسيا مخفية: القدرة على الانتصار في الحرب، والقدرة على تحمل كلفتها، والقدرة على تثميرها سياسيا بمعنى المخرج السياسي للحرب.
الحرب مطلب اسرائيلي بامتياز، ولطالما لجأت تل ابيب الى اعتماده لتأمين مصالحها وفرض ارادتها السياسية على اعدائها، لكنها تمتنع عن المباشرة العدائية، اذا وجدت ما يحول دونها. بمعنى آخر، هي لا تلجأ الى خيارات بديلة عن الحرب العسكرية، ما لم يكن الخيار العسكري منتفيا، او مكلفا الى حدود منعه، او الى حدود عدم القدرة على تحمله او تحقيق نتائجه، واذا كانت الحرب هي الخيار الابتدائي الاسرائيلي، كما يثبت من تاريخ الكيان العبري منذ عام 1948، لكن الحقيقة الواقعة لا تحتاج الى كثير من الادلة والجهد التحليلي، فتل ابيب ممتنعة عن الحرب ضد لبنان منذ عدوان عام 2006، مع كل ما لديها من دوافع وبعض من حوافز، وتلجأ الى خيارات بديلة عنها، ولا سبب يدعوها الى الان، كي تبتعد عن هذا الخيار، سوى تعذر الحرب من قبلها.
استهداف 14 اذار لسلاح المقاومة.. والرهان على حرب "اسرائيلية" وإمكاناتهاوفي التحليل، يمكن القول ان الحرب العسكرية بالنسبة للصهاينة مطلوبة لذاتها، من وجوه ودوافع عديدة، خاصة اذا قدّر صانع القرار في تل ابيب امكان الانتصار فيها، اذ ان احدى نتائجها المطلوبة، انها تحفر في وعي اعداء "اسرائيل" بان الاخيرة قادرة ومقتدرة وبإمكانها ضرب اعدائها وشل حركتهم ومنع آمالهم من التحقق، ساعة تشاء، كما انها تحقق لها ردعا في وعي اعدائها، من شأنه ان يمنعهم من الاضرار بها، سواء كان ذلك نتيجة لعدم القدرة على تحقيق النتائج، او لان "اسرائيل" في وعيهم قادرة على الرد والايذاء، فاحدى اهم نتائج حروب "اسرائيل" انها تُفهم اعدائها بان خياراتهم العسكرية ستجلب عليهم ويلات وخسائر لا تقارن بالفائدة التي يتطلعون الى جبيها، لكن كل ذلك مرتبط بإمكانات النصر والغلبة الاسرائيليين في الحرب نفسها.
انطلاقا من هذا المفهوم، لا تعد الحرب اسرائيليا، خيارا ضمن خيارات، بل مطلبا ابتدائيا يتقدم ككل الخيارات الاخرى. لكن من ناحية ثانية، ومتلازمة ايضا، ليس في مقدور "اسرائيل" ان تخسر حربا، بل وحتى ان تفشل فيها دون هزيمة، لان تداعيات الخسارة والفشل في حالة "اسرائيل"، مركبة ومتشعبة ومممتدة، ولا تقتصر على الخسارة والفشل العسكري الميداني، بل تنسحب على مواضع ترتبط باصل وجود الكيان الاسرائيلي، مثل الهجرة والاقتصاد والمكانة الدولية والردع امام الاعداء وثقة الجمهور الاسرائيلي بالمؤسسة العسكرية، وغيرها.. ولكل موضع من هذه المواضيع، تأثيرا فاعلا على وجود هذا الكيان واستمراره.
وقرار الحرب، بناء على ما تقدم، يتجاذبه حدان، الاول هو مطلوبية الحرب نفسها لفوائدها المتعددة، والحد الثاني مطلوبية اليقين بان الانتصار مؤكد فيها. من هنا نجد ان كل حروب "اسرائيل" الابتدائية، عدا حرب عام 1973 بطبيعة الحال، كانت مدروسة جيدا، وجرى الاستعداد والتجهز واقتناص الظرف الدولي والاقليمي، قبل البدء والمبادرة اليها، وضمن هذا المفهوم وهذه المحددات، كان الانتصار من نصيب تل ابيب في تلك الحروب (1948 – 1956 – 1967..) في ظل غياب العرب عن السمع والاستماع في هذه الحروب.
وتأمينا لاستمرار منعة وإمكانات "اسرائيل" في الانتصار في حروبها، وضمن مفهوم الحدين، تشدد "اسرائيل" على ضمان تفوقها العسكري والنوعي، وعلى استمرار وجود رعاية لدولة عظمى لها، وهي حاليا الولايات المتحدة الاميركية، بعد ان كانت بريطانيا في السابق، اضافة الى الدعاية المرافقة والمسبقة واللاحقة للحرب نفسها، كما انها تشدد على تأمين نوعية لديها لجهة عديد قواتها وتدريبهم، مقابل تراجع قدراتها العددية امام اعدائها. وهذه البنود وغيرها تشكل اساسا لا يتجزأ من عقيدة اسرائيل الامنية، التي حافظت عليها وبقوة وتأكيد، منذ انشائها عام 1948، بل وقبل انشائها ايضا.
مع ذلك، تعاني تل ابيب في السنوات القليلة الماضية، تغيرا في بيئتها الاستراتيجية حيال اعدائها، رغم كل النجاحات التي توصلت اليها في صراعها الطويل معهم، ومن بينها سحب مركبات اساسية في المحور الاخر، وجلعه حليفا لها، كما هو حال النظام المصري السابق، الذي تسبب سقوطه بضرر سيبقى ممتدا ومتواصلا، ما لم تجر معالجته وجبره. مع ذلك، فان مبنى التغير لا يستند الى الاحداث المتنقلة اخيرا في الساحات العربية، بل يستند اساسا الى ان جبروت الجيش الاسرائيلي، قد تبينت ضِعَته بالنسبة لاعداء اسرائيل، ولاصدقائها، وامام نفسها ايضا، وأنه شيء اكبر بكثير من مكوناته الحقيقية.
ما بين الحدين المشار اليهما، يمكن الحديث عن إمكانات الحرب الاسرائيلية على لبنان من عدمها، إن باتجاه التحقق، او باتجاه النفي والتأجيل. والضوابط الفاصلة قد تكون تحليليا على الشكل الآتي:
أولا: كلما ارتفعت وتعاظمت قدرات المقاومة، كلما كان الدافع لشن الحرب الاسرائيلية أعلى، لانها ستكون معنية بازالة التهديد والخطر العسكري عليها.. لكن في نفس الوقت سيكون حافز "اسرائيل"، بمعنى العوامل الخارجية المانعة للحرب، اكبر بكثير ربطا بامكانات المقاومة العسكرية المتعاظمة، فالثمن سيكون مرتفعا جدا في حال مباشرة الحرب.
ثانيا: كلما ارتفعت إمكانات "اسرائيل" الدفاعية، السلبية والايجابية، بمعنى تحييد نفسها وجمهورها والحد من تأثير وخسائر قدرات المقاومة العسكرية عليها في حال الحرب، كلما كان الحافز لديها اكبر من ذي قبل لشن الحرب، لكن في نفس الوقت وبشكل متلازم، كلما كان عدم اليقين من حجم ونوع القدرة العسكرية لدى المقاومة كبيرا، كلما انتفت الثقة لدى "اسرائيل" بدفاعاتها السلبية والايجابية، على حد سواء.
من هذا، فان الدافع الاسرائيلي للحرب موجود على الدوام، ويتمثل في المصلحة الاسرائيلية الدائمة في انهاء التهديد عليها عسكريا، كي تأمن من جهة، وكي تتمكن من جهة اخرى على فرض ارادتها على لبنان، الا ان الحافز متغير، لانه خارجي ومرتبط بقدرات المقاومة نفسها، فكلما كانت المقاومة اكثر اقتدارا، كلما ارتفع مستوى تأثير الموانع والكوابح، فارتفاع حوافز "اسرائيل"، يحد من تأثير دوافعها.
وكما يتبين من اقرار "اسرائيل" نفسها، فان مدى الثقة بقدراتها على مواجهة قدرات المقاومة محدود، سواء بما يرتبط بقدراتها الهجومية او الدفاعية، وهي غير كافية بذاتها كي تؤكد لصانع القرار في تل ابيب، ان المواجهة العسكرية المقبلة ستفضي الى نصر، بات في اعقاب فشل عام 2006، مطلوب ان يكون واضح وجلي ولا لبس فيه، والا فان قرار الحرب لن يخرج الى حيز التنفيذ.
هذا كله من ناحية عسكرية بحتة. لكن تبقى مسائل اخرى، من شأنها ان تمنع او تحفز الحرب المقبلة، لكنها تأتي كتأثير مباشر، في اعقاب تحقق القدرة العسكرية نفسها على ضرب المقاومة، اي انها حوافز، لكن من درجة ثانية لناحية التأثير على قرار الحرب .. ومنها:
ـ وجود ظرف دولي واقليمي مؤآت ومناسب للحرب، سواء عن طريق ايجاده او استغلاله إن وجد. لكن كما بات معلوما، فان الظرف الدولي والاقليمي غير مؤآت اطلاقا، نظرا لواقع الوجود الاميركي في المنطقة، ولتداعيات الساحات العربية واحداثها.
ـ إيجاد مخرج سياسي يتيح لـ"اسرائيل" ان تستغل نصرها الحربي، على فرض حصوله، في لبنان وفي المنطقة. لكن كما هو معلوم، فان المخرج السياسي منتفي في ظل تراجع قدرة ومكانة حلفاء "اسرائيل" في المقاصد في لبنان، وعدم قدرتهم على تحقيق آمانيهم وآماني "اسرائيل" ضد المقاومة.
ـ ضمان ان لا تجر الحرب على جبهة واحدة، حربا متشعبة على جبهات عديدة. لكن المؤسسة العسكرية الاسرائيلية واستخباراتها تؤكد النقيض، فالاشتعال على جبهة من جبهات المقاومة والممانعة، سيجر، بحسب تأكيدها، حربا على الجبهات الاخرى، الامر الذي يجعل الحرب الاسرائيلية الابتدائية منتفية.
من هنا فان الحرب العسكرية الاسرائيلية ليست خيارا موضوعا على طاولة القرار ضمن خيارات اخرى. ومن هنا فان عدم سلوك اسرائيل مسلكها الاعتيادي في شن الحروب ليس تفضلا على لبنان، بل للتعذر، وفي ذلك فرق كبير جدا.
هل سيسقط هذا الحديث رهان البعض في لبنان على الحرب.. بالطبع لا، فمن لا يرى ويستطيع ان يرى تقلص حجم القدرة لديه، رغم وضوحها، لا يمكنه ان يرى تقلص حجم قدرة حلفائه في المقاصد ضد المقاومة، اي "اسرائيل".

2011-04-21