ارشيف من :آراء وتحليلات
بين مطالب التغيير ومخططات الفتنة في المنطقة: آمال في محلها.. والقلق أيضاً
مصطفى الحاج علي
يختلط الشعور بالأمل مع الشعور بالقلق إزاء ما يعصف بالمنطقة من تطورات وأحداث، ومرد هذا الاختلاط الى:
أولاً: تداخل السياقات الوطنية لهذه التطورات مع السياقات الخارجية، بمعنى أن ما يحدث ليس له فقط اعتباراته وتداعياته ونتائجه الداخلية، وإنما له أيضاً اعتبارات وتداعيات ونتائج خارجية، تمس مصالح الدول المعنية بهذه التغييرات أو التطورات.
وإذا كانت الاعتبارات الداخلية والدوافع والأهداف التي أملت وتملي عمليات التغيير في أكثر من واقع عربي هي محل تقدير ومدعاة للأمل، إلا أن صياغة البديل تستدعي الكثير من الحذر والقلق، لأن حجم المتضررين، وأصحاب المصالح الكبيرة الذين طالما عاشوا على الأوضاع القائمة لن يقفوا متفرجين، وسيحاولون بكل ما أوتو من قوة، تحويل الثورات والانتفاضات الى مجرد أدوات تجميلية لما كان، بدلاً من أن تؤدي الى عمليات تغيير فعلية.
من هنا، فإن المراحل الانتقالية الحالية هي مراحل تحتاج الى يقظة وتنبه شديدين.
ثانياً: دخول بعض الانتفاضات في حال من المراوحة القاتلة، لأن بقاء الأمور على ما هي عليه، من شأنه أن يعلّق مصير البلدان التي تشهد حالات كهذه، الى ما شاء الله، ما يضيف بدوره قضايا جديدة الى لائحة القضايا والتحديات التي تستنزف المنطقة وشعوبها، واضعة إياها في حروب أهلية فعلية، أو على حافة حروب من هذا النوع، تماماً كما هو الحال اليوم مع التجربتين اليمنية والليبية.
ثالثاً: هروب بعض الأنظمة (الخليجية منها عموماً والسعودي تحديداً) من متطلبات التغيير والحاجة اليه الى اصطناع حروب خارجية خطورتها تكمن بالدرجة الأولى بتوسلها الانقسام المذهبي والقومي، والدخول على خط التطورات في بلدان مجاورة للتأثير على مجريات الأمور فيها كما هو حال التدخل السعودي في اليمن وفي البحرين.
وأكثر من ذلك، ثمة سعي مضمر لدى هذه الأنظمة لصياغة تكتل اقليمي يمعن في تفتيت، كما يحيل دون تشكل أي نظام اقليمي عربي لاحقاً بديلاً للنظام الاقليمي البائد.
رابعاً: استخدام بعض الأنظمة لوسائل قديمة سبقت تجربتها في محاولة منها للتفلت من متطلبات التغيير، وهي بذلك انما تشتري عمراً افتراضياً لنفسها، أكثر مما تشتري عمراً حقيقياً لها، ما سيبقيها عرضة لعدم الاستقرار في المستقبل.
خامساً: المزج بين ما هو مطالب اصلاحية محقة، وما هو عملية تآمر فعلية، بحيث يجري تمويه الثانية بالأولى، وتقاد الحركات المطلبية من حيث لا تشعر لخدمة أهداف التآمر، الأمر الذي يتطلب احداث فرزٍ واضح بين ما هو مطالب اصلاحية، وما هو مطالب يراد منها أن تؤدي الى انجاز اهداف تآمرية تمس المواقع والأدوار.
هنا تحديداً تكمن التباسية ما يحدث في سوريا، ولقد كان الرئيس السوري بشار الأسد موفّقاً، حينما أقام هذا التمييز بين ما هو مطالب اصلاحية، ومطالب ليس الهدف منها إلا ضرب موقع ودور سوريا الحالي، هذا الدور المستهدف منذ مدة طويلة، ويكفي هنا التذكير، بأن الاستراتيجية الاميركية والسعودية إزاء سوريا كانت ترتكز على مقاربات تقوم على اغراء سوريا بكل ما يلزم لدفعها بعيداً عن ايران وحزب الله وحماس، وفي هذا السياق بذلت ضغوطاً كبيرة على سوريا،إلا أنها لم تفلح، وهذا الهدف لم يتغير بل بات ملحاً أكثر بعد عاصفة التغيير التي ضربت المنطقة، خصوصاً بعد التحول الذي حدث في مصر، والمرشح ان يحدث نقلة في موقع ودور مصر في المنطقة، خصوصاً اذا اخذت المواقف والاشارات الأخيرة الصادرة عن أكثر من مسؤول وموقع قيادي طريقها الى التجسد الفعلي في سياسات عملية. وما يؤكد، أن سوريا مستهدفة الآن في موقعها ودورها هو تقاطع العديد من المعطيات التي مصدرها خليجي (سعودي وقطري تحديداً) والتي مصدرها اميركي وفرنسي أيضاً، على أن رسائل عديدة أبغت للقيادة السورية، بأن تهدئة الأمور فيها مرهونة بفك تحالفها مع ايران وحزب الله وحماس.
إن ضرب موقع ودور سوريا المقاوم والممانع المطلوب خليجياً واميركياً وأوروبياً، مستفيداً الآن من عاصفة التغيير، انما يستهدف استراتيجياً ضرب القضية الفلسطينية وتصفيتها لمصلحة الكيان الاسرائيلي، في سياق انجاز تسوية الأمر الواقع وبالشروط الاسرائيلية الصافية، وهذا ما كشفته بوضوح وثائق "ويكيليكس" في ما يتعلق بموقف الحريري من سوريا ومطالبته بتغيير النظام فيها، وأن البديل جاهز ومستعد لتسهيل التسوية مع الكيان الاسرائيلي.
سادساً: ان الولايات المتحدة في ظل عجزها الحالي عن اقحام نفسها في حروب مباشرة، فهي تحاول ملء فراغ القوة هذا بحروب بينية تأخذ أشكالاً مختلفة: منها ما هو بين دول ودول من خلال ايجاد المناخات الملائمة، ومنها ما هو حروب داخل كل دولة، اي حروب أهلية. كل ذلك في سياق قطع الطريق على محور المقاومة والممانعة في المنطقة من تجيير ما يحدث لمصلحته، ولإشغاله في صراعات داخلية تخدم في النهاية أمن الكيان الاسرائيلي في المنطقة.
سابعاً: في هذا الإطار العام تبرز خطورة التسعير المذهبي الذي يقوده النظام السعودي، والفضائيات التي تدور في فلكه، حيث يشكل هذا التسعير رأس الحربة في سياق اصطناع الحروب الداخلية، وفي أكثر من قطر عربي، وفي سياق وضع الحاجز المذهبي أمام محور المقاومة والممانعة في المنطقة، وصرف الانتباه عن الخطر الذي يمثله الكيان الاسرائيلي والمشروع الاميركي في المنطقة، وتقديم البديل السهل لملء فراغ القوة الاميركي في المنطقة.
مجمل هذه الاعتبارات تضع المنطقة في مهب مسارات متعارضة ومتداخلة، لن يكون من السهل الوصول بها الى خريطة مستقرة في المستقبل، في ظل حالة عدم اليقين التي تمر بها، الأمر الذي سيبقي الأوضاع مشرعة على تطورات منها ما هو بالحسبان، ومنها ما هو ليس بالحسبان، بما فيها لبنان.
يختلط الشعور بالأمل مع الشعور بالقلق إزاء ما يعصف بالمنطقة من تطورات وأحداث، ومرد هذا الاختلاط الى:
أولاً: تداخل السياقات الوطنية لهذه التطورات مع السياقات الخارجية، بمعنى أن ما يحدث ليس له فقط اعتباراته وتداعياته ونتائجه الداخلية، وإنما له أيضاً اعتبارات وتداعيات ونتائج خارجية، تمس مصالح الدول المعنية بهذه التغييرات أو التطورات.
وإذا كانت الاعتبارات الداخلية والدوافع والأهداف التي أملت وتملي عمليات التغيير في أكثر من واقع عربي هي محل تقدير ومدعاة للأمل، إلا أن صياغة البديل تستدعي الكثير من الحذر والقلق، لأن حجم المتضررين، وأصحاب المصالح الكبيرة الذين طالما عاشوا على الأوضاع القائمة لن يقفوا متفرجين، وسيحاولون بكل ما أوتو من قوة، تحويل الثورات والانتفاضات الى مجرد أدوات تجميلية لما كان، بدلاً من أن تؤدي الى عمليات تغيير فعلية.
من هنا، فإن المراحل الانتقالية الحالية هي مراحل تحتاج الى يقظة وتنبه شديدين.
ثانياً: دخول بعض الانتفاضات في حال من المراوحة القاتلة، لأن بقاء الأمور على ما هي عليه، من شأنه أن يعلّق مصير البلدان التي تشهد حالات كهذه، الى ما شاء الله، ما يضيف بدوره قضايا جديدة الى لائحة القضايا والتحديات التي تستنزف المنطقة وشعوبها، واضعة إياها في حروب أهلية فعلية، أو على حافة حروب من هذا النوع، تماماً كما هو الحال اليوم مع التجربتين اليمنية والليبية.
ثالثاً: هروب بعض الأنظمة (الخليجية منها عموماً والسعودي تحديداً) من متطلبات التغيير والحاجة اليه الى اصطناع حروب خارجية خطورتها تكمن بالدرجة الأولى بتوسلها الانقسام المذهبي والقومي، والدخول على خط التطورات في بلدان مجاورة للتأثير على مجريات الأمور فيها كما هو حال التدخل السعودي في اليمن وفي البحرين.
وأكثر من ذلك، ثمة سعي مضمر لدى هذه الأنظمة لصياغة تكتل اقليمي يمعن في تفتيت، كما يحيل دون تشكل أي نظام اقليمي عربي لاحقاً بديلاً للنظام الاقليمي البائد.
رابعاً: استخدام بعض الأنظمة لوسائل قديمة سبقت تجربتها في محاولة منها للتفلت من متطلبات التغيير، وهي بذلك انما تشتري عمراً افتراضياً لنفسها، أكثر مما تشتري عمراً حقيقياً لها، ما سيبقيها عرضة لعدم الاستقرار في المستقبل.
خامساً: المزج بين ما هو مطالب اصلاحية محقة، وما هو عملية تآمر فعلية، بحيث يجري تمويه الثانية بالأولى، وتقاد الحركات المطلبية من حيث لا تشعر لخدمة أهداف التآمر، الأمر الذي يتطلب احداث فرزٍ واضح بين ما هو مطالب اصلاحية، وما هو مطالب يراد منها أن تؤدي الى انجاز اهداف تآمرية تمس المواقع والأدوار.
هنا تحديداً تكمن التباسية ما يحدث في سوريا، ولقد كان الرئيس السوري بشار الأسد موفّقاً، حينما أقام هذا التمييز بين ما هو مطالب اصلاحية، ومطالب ليس الهدف منها إلا ضرب موقع ودور سوريا الحالي، هذا الدور المستهدف منذ مدة طويلة، ويكفي هنا التذكير، بأن الاستراتيجية الاميركية والسعودية إزاء سوريا كانت ترتكز على مقاربات تقوم على اغراء سوريا بكل ما يلزم لدفعها بعيداً عن ايران وحزب الله وحماس، وفي هذا السياق بذلت ضغوطاً كبيرة على سوريا،إلا أنها لم تفلح، وهذا الهدف لم يتغير بل بات ملحاً أكثر بعد عاصفة التغيير التي ضربت المنطقة، خصوصاً بعد التحول الذي حدث في مصر، والمرشح ان يحدث نقلة في موقع ودور مصر في المنطقة، خصوصاً اذا اخذت المواقف والاشارات الأخيرة الصادرة عن أكثر من مسؤول وموقع قيادي طريقها الى التجسد الفعلي في سياسات عملية. وما يؤكد، أن سوريا مستهدفة الآن في موقعها ودورها هو تقاطع العديد من المعطيات التي مصدرها خليجي (سعودي وقطري تحديداً) والتي مصدرها اميركي وفرنسي أيضاً، على أن رسائل عديدة أبغت للقيادة السورية، بأن تهدئة الأمور فيها مرهونة بفك تحالفها مع ايران وحزب الله وحماس.
إن ضرب موقع ودور سوريا المقاوم والممانع المطلوب خليجياً واميركياً وأوروبياً، مستفيداً الآن من عاصفة التغيير، انما يستهدف استراتيجياً ضرب القضية الفلسطينية وتصفيتها لمصلحة الكيان الاسرائيلي، في سياق انجاز تسوية الأمر الواقع وبالشروط الاسرائيلية الصافية، وهذا ما كشفته بوضوح وثائق "ويكيليكس" في ما يتعلق بموقف الحريري من سوريا ومطالبته بتغيير النظام فيها، وأن البديل جاهز ومستعد لتسهيل التسوية مع الكيان الاسرائيلي.
سادساً: ان الولايات المتحدة في ظل عجزها الحالي عن اقحام نفسها في حروب مباشرة، فهي تحاول ملء فراغ القوة هذا بحروب بينية تأخذ أشكالاً مختلفة: منها ما هو بين دول ودول من خلال ايجاد المناخات الملائمة، ومنها ما هو حروب داخل كل دولة، اي حروب أهلية. كل ذلك في سياق قطع الطريق على محور المقاومة والممانعة في المنطقة من تجيير ما يحدث لمصلحته، ولإشغاله في صراعات داخلية تخدم في النهاية أمن الكيان الاسرائيلي في المنطقة.
سابعاً: في هذا الإطار العام تبرز خطورة التسعير المذهبي الذي يقوده النظام السعودي، والفضائيات التي تدور في فلكه، حيث يشكل هذا التسعير رأس الحربة في سياق اصطناع الحروب الداخلية، وفي أكثر من قطر عربي، وفي سياق وضع الحاجز المذهبي أمام محور المقاومة والممانعة في المنطقة، وصرف الانتباه عن الخطر الذي يمثله الكيان الاسرائيلي والمشروع الاميركي في المنطقة، وتقديم البديل السهل لملء فراغ القوة الاميركي في المنطقة.
مجمل هذه الاعتبارات تضع المنطقة في مهب مسارات متعارضة ومتداخلة، لن يكون من السهل الوصول بها الى خريطة مستقرة في المستقبل، في ظل حالة عدم اليقين التي تمر بها، الأمر الذي سيبقي الأوضاع مشرعة على تطورات منها ما هو بالحسبان، ومنها ما هو ليس بالحسبان، بما فيها لبنان.