ارشيف من :ترجمات ودراسات
الغرب الاستعماري... عندما يصبح نصيراً لثورات التحرر !!!
عقيل الشيخ حسين
في اليوم الذي أعلن فيه عن إرسال "مستشارين عسكريين" بريطانيين وإيطاليين وفرنسيين إلى "السيريناييك"، وفق التسمية الأوروبية القديمة لشرق ليبيا، والتي بدأت تعود اليوم إلى الاستخدام على ألسنة الساسة وقادة الرأي في الغرب، أعلن أيضاً عن مقتل أول مراسلين صحافيين غربيين في الحرب الليبية. أحدهما أميركي والآخر بريطاني أعيدا ملفوفين كلّ بعلم بلاده، على ما يفعل عادة بالقتلى الذين يسقطون في حروب الغرب بعيداً عن حدود الغرب.
الأمر مجرد مصادفة ولكن قراءته بعين التفاؤل والتشاؤم لا يمكن أن تمر، فيما يعني المواطن الغربي بالدرجة الأولى، من دون أن تصاحبها أعراض كتصبب العرق البارد. وعلى كل حال، ارتفعت في بريطانيا أصوات ذكرت بأن التدخل الأميركي في فييتنام قد بدأ، قبل نصف قرن، بإرسال مستشارين عسكريين.
أما في فرنسا، حيث تتفق آراء الساسة، في الحكم والمعارضة، على مشروعية التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا، بشكله الراهن المنصوص عليه في القرار 1973، وربما أيضاً في ما قد يستجد من تأويلات أو تعديلات للقرار، فإن العسكريين هم من يثيرون تساؤلات حول معنى التدخل في ليبيا، في وقت تتفجر فيه عقدة الخوف، بعيداً عن ليبيا التي كان لفرنسا اليد الطولى في صب الزيت على نيرانها، في أفغانستان.
الفكرة السائدة في فرنسا هي أن جنوداً فرنسيين يقاتلون هناك ويقتلون في حرب ضد عدو غير مرئي... وبالتالي في حرب عبثية
|
أما سبب الاختلاف في الموقفين فهو، رغم تعارض الدعوات إلى الانسحاب من أفغانستان مع مزاعم نصرة الشعب الأفغاني على طالبان، يتجاوز مقولة الأسرة الدولية حول حماية الشعب الليبي إلى مقولة التخوف من انتكاس طموحات الشعوب العربية في التحرر... فيما لو أخفقت الثورة الليبية في تحقيق أهدافها.
لندعْ جانباً حرص فرنسا وشقيقاتها الغربيات على طموحات الشعوب العربية. فهذا الحرص مشهود له، في حدود التاريخ المعاصر، في الحرب الجزائرية حيث قتل الاستعمار الفرنسي مليون جزائري كانوا يشكلون يومها ثلث سكان الجزائر. من دون ذكر ما فعله في تونس والمغرب وغيرهما من البلدان العربية وغير العربية.
وفي حرب إيطاليا على ليبيا التي انتهت، من مجزرة إلى مجزرة، بإعدام قائد الثورة الليبية، عمر المختار، باسم القانون الإيطالي.
وفي الحرب التي أفضت إلى اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة بدعم من قوى الغرب مجتمعة بالمشاركة والتواطؤ المكشوفين من قبل معظم الزعماء العرب.
ولننظر في أشكال المراوغة التي يعتمدها الغربيون في نصرتهم المزعومة للشعب الليبي: انسحاب أميركي من الحرب واتصالات سرية وعلنية بين القذافي وكبار المسؤولين الأميركيين. تواصل حصول كتائب القذافي على الأسلحة رغم الحصار الجوي والبحري، وانطلاقاً بالذات من بلدان مشاركة في الحرب على القذافي. قنابل عنقودية من إسبانيا، واسلحة وأعتدة عبر اليونان. ضربات جوية غير فعالة في كبح جماح كتائب القذافي وفعالة أحياناً في قتل المدنيين والثوار الليبيين. إصرار غربي على عدم تسليح الثوار...
والواضح أن هذا السلوك الغربي لا يريد للثورة الليبية أن تحقق هدفها في تنحية القذافي ونظامه. فالغربيون يقولون بألف شكل وشكل بأن التقسيم هو أفضل الممكن في ظل إشاعة الاعتقاد بامتلاك القذافي لجيش لا يقهر، وبعجز الأطلسي عن حسم الحرب لمصلحة الشعب الليبي بعد أن انسحب الأميركيون من هذه الحرب. وهم يعترفون، في الوقت نفسه، بأن الحل السياسي الذي يراهنون عليه هو بالذات تقسيم ليبيا.
الطريق الصحيح نحو التحرر والمعيار الصحيح للثورية هو ذاك الذي يحاسب نفسه ويحاسب الأنظمة، بالدرجة الأولى، على ضوء مدى تبعيتها أو مناهضتها للمشاريع الغربية والصهيونية
|
وإذا كان الغربيون قد عادوا، بعد أن جأر المجلس الوطني الانتقالي بالشكوى إزاء مراوغات الغرب إلى تشديد الضربات الجوية وأرسلوا "مستشارين" عسكريين لتقديم مساعدة مبهمة للثوار، وسط التهليل لإرسال أميركا لطائرات بدون طيار للمشاركة في الضغط على قوات القذافي...
وإذا كان جون ماكين قد زار بنغازي لدعم الثوار، شأن ساركوزي الذي سيزورها قريباً للغاية نفسها، فإن كل هذه المناورات تظل تحت سقف الهدف المتمثل بتقليص سقف الثورة إلى تقسيم مفتوح على حرب أهلية ليبية لا تبقي ولا تذر.
وكل ذلك بزعم نصرة الثورة الليبية والحيلولة دون انتكاس طموحات الشعوب العربية إلى التحرر.
على أولئك الذين يرفعون الأعلام الأميركية في شوارع بنغازي وغيرها ترحيباً بجون ماكين ويهتفون "شكراً أميركا"، بعد أن رفعوا الأعلام الفرنسية وهتفوا "شكراً فرنسا"، وأطلقوا اسم ساركوزي على شارع في المنطقة المحررة، أن يستفيقوا من الغفلة، وأن يخرجوا من الظلمة التي يتخبطون فيها، وأن يعلموا، هم وغيرهم من الشعوب العربية، أن الطريق الصحيح نحو التحرر والمعيار الصحيح للثورية هو ذاك الذي يحاسب نفسه ويحاسب الأنظمة، بالدرجة الأولى، على ضوء مدى تبعيتها أو مناهضتها للمشاريع الغربية والصهيونية.