ارشيف من :ترجمات ودراسات

من أجدر بمصر ليرتفع علمها؟

من أجدر بمصر ليرتفع علمها؟

لؤي توفيق حسن(*)

{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...} ـ (التوبة/71).

ليبيا تحترق. انها قاب قوسين او أدنى كيما تحاكي شقيقتها الصومالية. والعرب حيالها بين متواطئ، او متردد في أحسن حالاته.

أتاها (الاطلسي) بذريعة إنقاذ شعبها من الموت. فتحول هذا البلد الى (كعكةٍ) يتقاسمها الاوروبيون. هذا بعد ان تركها لهم الأميركي مؤقتاً. ولكنه لم يتخلَّ عنها!.
المجلس الانتقالي في بنغازي منقسمٌ على نفسه. بعضه ـ وتحت تأثير النزف الدموي ـ ذهب ليلعب مع الكبار، طلباً للسلاح، بغض النظر عن الثمن. البعض الآخر يقدِّم الحذر. ويتحسب من فداحة الثمن.

الولايات المتحدة تراقب الأحداث عن قرب. بل وتلامسها أحياناً من دون الانخراط بها.دعمت في البداية القذافي مداورةً عبر اسرائيل ليستعيد زمام المبادرة التي فقدها أوائل ايام الثورة. ثم ابتزت به الثوار. وهكذا باتت خيوط اللعبة في يديها. والفضل أولاً وآخراً للعرب المتواطئين، او المتفرجين!!!.

المتواطئون من العرب أسرى تفكيرهم النمطي. وهو ان السلامة أقرب منالاً في مجاراة أميركا، والانضواء تحت لوائها. لم يتعلموا شيئاً من تجاربهم، وما استجرّه هذا التبسيط الساذج عليهم من أثمان. كما حربهم ضد ( السوفيات) في افغانستان، والحوثيين في اليمن، والنهاية المذلة (لأصدقاءَ) مثل شاه إيران، وحسني مبارك وغيرهما.

الجامعة العربية باتت مثل مجلس الأمن، من (عدة الشغل!) الأميركية. فالسيد عمرو موسى نفذ المطلوب. وسوَّق في اجتماع وزراء الخارجية العرب القرار الذي شرَّع التدخل الغربي في ليبيا عبر الامم المتحدة!. ولا عجب فهو جاء بالأساس الى سدة الامانة العامة ممهوراً بموافقة أمريكا. أمرٌ كشفه منذ البداية العارفون بأسرار الجامعة. ودار همساً بين موظفيها في الكواليس. اما في لبنان (صندوق اسرار العرب) فإننا لم نفاجأ لأن الكثيرين يعرفون بأن المذكور يتقاضى من إحدى الدول العربية النفطية الكبرى (أعطيات كريمة!)، بصفة (مساعدة لمكتب الأمين العام).

أما المترددون، فقد سبق وعلى هذه الصفحة بالذات ان حذرناهم، وعلى رأسهم مصر، لافتين الى ان ما يجري في ليبيا يستهدف "الأمن القومي المصري". كما ويستهدف الدور المصري المحتمل في قيادة الأمة، وهو أكثر ما تخشاه امريكا، وتستعد له من الآن.

كان حرياً بالقيادة المصرية ان تتقدم الصفوف، فتتعاطى مع الحدث الليبي بدرجة عالية من الإقدام تتناسب وحجم ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، ومنسوب التحديات التي تنتظرها. إذ كل الثورات الحقيقية المؤثرة وذات الارتدادات على محيطها كانت عرضة لاستهدافات الخارج، ما اضطرها لخوض المواجهات معه كما خاضتها ضد اعداء الداخل. لا انفصال بينهما. هكذا كان الحال مع الثورة الفرنسية، البلشفية، والإيرانية. وكذلك في امريكا عند تحرير العبيد حيث خاض شمالها حرباً ضروساً ضد جنوبها للحفاظ على وحدة البلاد، وفي الوقت نفسه واجه بريطانيا التي وجدت في الحرب الأهلية فرصةً لاستعادة مستعمرتها في العالم الجديد!.

عذراً... إذا انطوى ما يخص مصر على شيء من القسوة. لكن المتوقع يأتي دائماً على قدر الرجاء. والرجاء يأتي على قدر القامات. وهي مصر العظيمة العملاقة.

على أي حال ليس بالكثير أبداً لو بادرت مصر بإرسال السلاح الى ثوار ليبيا، وبعثت لهم بخبرائها العسكريين. بل حتى لو ارسلت بعض المتطوعين من قوات الاحتياط المدربين جيداً خلال خدمتهم العسكرية الإلزامية.

وأخيراً وليس آخراً. مَن أجدرُ بمصر كي يُرفعَ علمها في ساحات بنغازي وطبرق وغيرهما، بدلاً من أن ترتفع أعلام أمريكا، بريطانيا، فرنسا، وإيطاليا. تحملها أيدي الليبيين الذين فقدوا الرجاء من اشقائهم. ولا عتب عليهم إذ تحضُرنا في هذا المقام أبيات للشاعر نزار قباني:

يا من يعاتب مذبوحاً على دمــــه ونزف شريانه... ما أسهـــــل العتب
من جرّب الكيّ لا ينسى مواجعه ومن رأى السُّمَّ لا يشقى كمن شرب
حبل الفجيعة ملتفٌ على عنقـــي من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطــرب

(*) كاتب من لبنان


2011-04-23