ارشيف من :آراء وتحليلات
أحداث سوريا... مؤامرة فاشلة في مسلسل المؤامرات!
عقيل الشيخ حسين
من باراك أوباما وبان كي مون إلى أصغر مسؤول في الإدارات والمنظمات غير الحكومية الغربية، لم يبق أحد إلا وغمس كفيه في دم ذلك الصديق، بين شاجب لما يسمونه العنف الذي يقولون بأن السلطات السورية تمارسه بحق المتظاهرين، وبين مُطالب بتشكيل لجان تحقيق على مستوى مجلس الأمن، ومحاكم دولية، وصولاً إلى اقتراحات بممارسة حق التدخل لحماية الشعب السوري.
ومن وراء هؤلاء جوقات الصحافيين من محللين ومعلقين وكتاب افتتاحيات في وسائل الإعلام الغربية، ولكن أيضاً العربية، ومنها تلك العريقة في معاداة مصالح العرب في التحرر والوحدة والكرامة، أوالمنقلبة على نفسها تبعية لإرادة الحكام المرتبطين.
وكلهم يتشاركون في التفنن بإنتاج خطابات تحريضية عبر تضخيم حدث من هنا واصطناع حدث من هناك، وبين هذا وذاك، تجاهل لحقيقة ما يجري، وعزف جماعي على أوتار الفتنة العمياء.
يريدون للمتظاهرين في سوريا أن يسقطوا النظام السوري. أي أن يحققوا الحلم الذي عجز عن تحقيقه المعسكر الغربي الصهيوني، منذ الرهان الفاشل على إسقاط هذا النظام في غمار حرب 1967، وبعدها منذ بدء مسيرة الاستسلام العربي التي افتتحها أنور السادات والتحقت بها، سراً وعلنا، غالبية الأنظمة العربية.
وخصوصاً منذ أن لمسوا أن وجود النظام السوري وسياسته في الممانعة ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين، قضية العرب المركزية، هو في طليعة العوامل التي عطلت العملية الاستسلامية وأسهمت في إبقاء القضية الفلسطينية حية، إضافة إلى دوره في إدخال "إسرائيل" في طور الانهيار بعد تحطم أسطورة جيشها الذي لا يقهر في لبنان وغزة.
ويريدون، عبر التركيز على التظاهرات، إشاعة الانطباع بأن الشعب السوري قد ارتصف وراء شعار إسقاط النظام، علماً بأن هذا الشعار، وإن كان قد سمع في بعض المظاهرات، فإن شعارات الإصلاح هي المهيمنة عليها، وعلماً، بأن تظاهرات أخرى، أضخم بمئات المرات، قد خرجت للتعبير عن تأييدها للنظام وتمسكها به واستعدادها للتلاحم معه والدفاع عنه.
ثم إن المشكلة لم تعد مشكلة التظاهرات. فقد أظهر النظام السوري، وخلافاً لما عليه الأنظمة الحاكمة هنا وهناك، قدراً عالياً من المسؤولية والحكمة في التعامل الرشيد مع المطالب. استجاب لقسم منها وشمر للعمل على تحقيق المطالب الأخرى، في وقت رأينا فيه كيف أن كبريات الأنظمة الأوروبية "الديموقراطية" التي تحترم شعوبها وتعبر عن إرادتها، وفق ما يروجه التسميم الإعلامي، تجاهلت مطالب التظاهرات المليونية التي خرجت في باريس ولندن ودبلن وأثينا وروما وغيرها، وفرضت سياساتها التقشفية رغم إرادة الشعوب.
ورأينا فيه كيف أن الناس في البلدان العربية التي تكيد أنظمتها للنظام السوري، لا لسبب غير التزامه بقضايا العرب القومية، ولا لسبب غير التزام سياساته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمصلحة الشعب السوري ومصالح الشعوب العربية الأخرى... لا يملكون حتى حق التظاهر بموجب الفتاوى الصادرة عن فقهاء السلاطين.
المشكلة باتت، في ظل تظاهرات بات أكثرها يخرج لتشييع ضحايا العنف الذي يمارسه المندسون، هي في استغلال هذه التظاهرات من قبل جماعات مسلحة تطلق النار على المتظاهرين لتلتصق التهمة بالنظام وأجهزته الأمنية، وليصبح بإمكان ألسنة السوء المتصاعدة من وسائل التلاعب الإعلامي أن تنادي بالويل والثبور وعظائم الأمور.
لقد ثبت بالأدلة القاطعة أن هنالك أيد خارجية قريبة وبعيدة تعمل على زعزعة الاستقرار في سوريا. شحنات أسلحة ضبطت على حدود سوريا مع أكثر من بلد مجاور، وأموال تبين أنها دفعت لخدمة هذه الغاية إلى جهات معنية ليس فقط بإسقاط النظام السوري، بل أيضاً بتخريب سوريا.
كما بات من المعلوم أن أميركا قد اعترفت بأنها تمول من تسميهم بالمعارضين السوريين، وأنها، مع الحلف الأطلسي والموساد الإسرائيلي وأجهزة استخبارات عربية، تدرب في بلدان عربية، وفي بعض بلدان أوروبا الشرقية وغيرها، جماعات وظيفتها العمل على تخريب سوريا.
وآخر الأخبار أن الحلف الدولي الإقليمي الذي تتزعمه أميركا و"إسرائيل" وتنخرط فيه بقايا عرب الاعتدال قد وضع سوريا في مقدمة اهتماماته: فالإدارة الأميركية "بدأت" تبحث عن خيارات "محددة" للضغط على سوريا، ووزراء الخارجية العرب سيجتمعون قريباً للتشاور بخصوص قضايا في مقدمتها تطورات الوضع في سوريا. وإلى هذه الجوقة، انضم بعض الناطقين باسم الثورة الليبية ممن يهتفون: "شكراً ساركوزي !" و"اللهم احفظ أميركا !".
وسواء تعلق الأمر باستمرار إثارة الشغب في الداخل السوري، أم بالتآمر والتحريض والضغط الخارجي، فإن الشعب السوري سيكون أول المرشحين للاكتواء بالنيران التي يسعى التحالف الأميركي الصهيوني وامتداداته العربية إلى إشعالها في سوريا.
والشعب السوري يعي هذه الحقيقة. ولهذا، فإنه لن يسمح بمرور المؤامرة. وإذا كان هنالك من يظن بأن الحلف الأطلسي سيهرع إلى التدخل في سوريا، على افتراض أن هنالك "حرية" مفقودة، فإنه لا يفعل غير الوقوع في الخطأ الفادح. تكفي مراجعة تاريخ الحلف الأطلسي ومراوغاته الحالية في ليبيا، لملاحظة أنه لا يتدخل إلا لنصرة مصالحه المتعارضة مع مصالح الشعوب. هذا إذا كان لا يزال يمتلك القدرة على التدخل.