ارشيف من :آراء وتحليلات
المبادرة الخليجية... فشل مفتوح على تطورات ضخمة!
عقيل الشيخ حسين
مبادرة أولى قبلتها أحزاب اللقاء المشترك ورفضها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لأنها نصت على تنحيه عن الحكم. ومبادرة ثانية لم تكن أسعد حظاً، ثم مبادرة ثالثة قبلها الطرفان ورفضها الطرفان مع اتفاقهما على توقيعها يوم الإثنين القادم. نعم! فزمن الثورات العربية، والثورات العربية المضادة، وتشابكات الثورات مع النظامين الإقليمي والدولي، ترك على ما يبدو هامشاً واسعاً ترتع فيه جميع أشكال المفارقات والتلاعبات.
قبِلها اللقاء المشترك في البداية على سبيل "المجازفة"، واشترط جدولاً زمنياً لقبولها من الرئيس محدداً بالساعات والأيام القليلة القادمة. لكنه تحفظ على بعض بنودها، قبل أن يعلن قبولها بشكل نهائي.
من جهته، قبِلها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم (حزب علي عبد الله صالح)، وفي الوقت نفسه رفضها علي عبد الله صالح، عندما أعلن أنه لن يترك الحكم (المبادرة تنص على تنحيه بعد شهر) إلا عند نهاية ولايته في العام 2013، أو من خلال صناديق الاقتراع، فيما لو امتلكت المعارضة "الشجاعة الأدبية وطالبت بانتخابات مبكرة"، على ما قاله في أحد تصريحاته.
وفي مقابل المراوغة من خلال مزيج الرفض والقبول، تميز موقف المعارضة غير المنضوية تحت لواء اللقاء المشترك، وموقف الشارع اليمني، برفض المبادرة بشكل لا لبس فيه: لا وقف للتظاهرات والاعتصامات قبل تنحي علي عبد الله صالح عن الحكم.
إذاً، فشلت المبادرة الخليجية التي تزعمتها السعودية بالتفاهم مع الأميركيين لحل الأزمة الناشبة في اليمن. وسبب فشلها الأول أنها لم تكن حلاً بقدر ما كانت تعميقاً للمشكلة، بقدر ما تمكن قراءة بنودها بشكل يُشتمُّ منه أن هدفها هو إبقاء علي عبد الله صالح في الحكم.
فمهلة الثلاثة أشهر قبل نقل السلطة إلى نائب الرئيس، وبعدها مهلة الشهر الواحد لتقديم استقالة الرئيس إلى البرلمان الذي يسيطر عليه الرئيس، والذي قد يوعز إليه الرئيس بعدم قبول الاستقالة، في وقت تكون فيه الاحتجاجات قد توقفت وعاد الناس إلى بيوتهم... كل ذلك قد يعني أن المبادرة لا هدف لها غير كسب الوقت على أمل حدوث مستجدات تسمح ببقاء النظام اليمني وبخروجه من الأزمة بقوة أكبر.
لماذا هذا الحرص الأميركي ـ السعودي ـ الخليجي على بقاء نظام علي عبد الله صالح؟ من المعروف أن السعودية قد حثت الأميركيين حتى اللحظة الأخيرة على العمل من أجل إنقاذ نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك. لا يعني ذلك أن الأميركيين يصغون، في الحالة اليمنية، لنصائح السعودية، تكفيراً عن ذنبهم في الحالتين التونسية والمصرية.
فالحقيقة أن سببب التوافق هذا هو الهواجس المشتركة بين الطرفين والهواجس الخاصة بكل طرف على حدة. بالنسبة للهواجس المشتركة، باتت المحافظة على النظام اليمني ودعمه أمراً ضرورياً بعد أن دخل في منظومة الحرب على الإرهاب، وبعد أن تبين أن زواله سيكون لمصلحة جهات محلية تجمع، خلافاً لما عليه الشأن في الثورتين التونسية والمصرية، على العداء الصريح لسياسات أميركا وحلفائها في المنطقة.
أما بالنسبة للهواجس الخاصة بكل طرف، فإن أميركا التي تقدم رجلاً وتؤخر رجلاً في الحرب على ليبيا، لأسباب منها الخوف من التورط في حرب جديدة بعد كل حروبها وحروب حلفائها الفاشلة، ومنها رؤية أوباما للسياسة الخارجية الأميركية وانعكاساتها على الداخل الأميركي من باب معركته الرئاسية، تفضل يَمَناً هادئاً في ظل حكم نسجت معه خلال السنوات والأشهر القليلة المنصرمة ما يكفي من علاقات تضمن عدم خروجه عن نطاق سيطرتها.
أما بالنسبة للسعودية، فإنها ستكون أول المتضررين فيما لو اسفرت الثورة اليمنية، في بلد محتقن ديموغرافياً واجتماعياً على خاصرتها الجنوبية ـ في وقت بدأت فيه إرهاصات الثورة بالزئير داخل خاصرتها الشمالية والشرقية ـ عن قيام نظام ذي توجهات وطنية وقومية مناهضة لسياسات التبعية والارتباط بالمعسكر الأميركي الصهيوني.
والضرر لن يكون طفيفاً وخصوصاً أن اصواتاً ترتفع منذ الآن في اليمن بإدانة الدور السعودي المكشوف في دعم نظام علي عبد الله صالح مالياً وسياسياً وعسكرياً في أكثر من مناسبة قريبة وبعيدة، ضد أكثر من معارضة محلية، ومنها دعمه بالمبادرة الفاشلة الأخيرة.
وأياً يكن شكل النظام القادم، فإن متاعب كبيرة تنتظر السعودية لا سيما في ما يتعلق بالمشكلات الحدودية بين البلدين، وهي المشكلات التي سُويت على الدوام، لمصلحة السعودية، سلماً، على شكل مقابل مالي اشتُري به سكوت الأنظمة المتعاقبة في اليمن، أو حرباً، من نوع الحرب التي اندلعت بين البلدين قبل ثمانين عاماً، وتجددت قبل خمسين عاماً، ثم قبل ثلاثين عاماً، وبعدها قبل عام واحد... وكلها حروب أشعلتها السعودية أو تدخلت فيها لمصلحة طرف يمني ضد طرف يمني آخر. ولا سيما أن اليمنيين يعتبرون أن غالبية الأراضي التي تقوم عليها المملكة السعودية في نجران وجيزان والوديعة وعسير هي أراضٍ يمنية... تم الاستيلاء عليها بطريقة غير مشروعة.
فشل المبادرة الخليجية التي شارك في إعدادها مسؤولون أميركيون، واستمرار تقدم الثورة اليمنية نحو النصر، سيكون حدثاً كبيراً من أحداث العصر لما سيحدثه من تطورات تغير وجه جزيرة العرب، من البحر الأحمر إلى الخليج، ومن بحر عمان إلى ما بين النيل والفرات.