كتب محرر الشؤون
العبرية
مرة أخرى تعمد "إسرائيل" إلى أسلوب توجيه رسائل تهديد إلى حزب الله،
لكن بوتيرة أسرع وبأساليب متنوعة تركزت أخيراً، بعد خارطة بنك الأهداف في واشنطن
بوست، والتهديد (عبر صحيفة الحياة) باستهداف 150 كادرا ميدانيا في جنوب لبنان، على
نشر أخبار عن عملية وشيكة لحزب الله ضد أهداف إسرائيلية خارج أراضي الدولة العبرية.
وبدا واضحا أن رسائل التسريب والتهديد الإسرائيلية المتعددة، تأتي في سياق وظروف
واحدة، يجمع بينها وحدة التصويب، والطابع المشترك (التهديد)، فضلا عن الفترة
الزمنية القصيرة التي تفصل بينها.
فاجأت "إسرائيل" رأيها العام والرأي
العالمي، ببث تقرير موحد على قنوات التلفزة الثلاث (الأولى والثانية والعاشرة) بما
يشمل نفس الكلمات والعبارات والأسماء وفي توقيت واحد. الأمر الذي كشف عن أن ما جرى
كان نتيجة إملاء الاستخبارات الإسرائيلية التي أرادت توجيه رسالة محددة الأهداف
والاتجاه.
في السياق نفسه، تناول معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"،
"عاموس هرئيل"، المعروف بعلاقته الوطيدة بالمؤسسة الأمنية، القضية نفسها بالقول
"تزايد القلق في المؤسسة الأمنية في الأسابيع الأخيرة، إزاء إمكانية أن تحاول
منظّمات إرهابية عربية، مثل حزب الله وحماس، خطف مدنيين إسرائيليين في الخارج. وعلى
هذه الخلفية زادت حدة اليقظة الإستخباراتية والعملانية، ونُشر تحذير بسفر
الإسرائيليين إلى حوض البحر المتوسط". وأضاف هرئيل أن الاستخبارات الإسرائيلية قدرت
بأن "حزب الله وإيران يرغبان الآن بالرد على مقتل مغنية، لكنهما يحاولان القيام
بذلك بشكل لا يعطي مبرراً لإسرائيل، لكي تقوم بعملية انتقامية في لبنان، ستكون
نهايتها حربا جديدة في الجبهة الشمالية".
أما بخصوص الرسالة الإسرائيلية عبر
صحيفة الحياة، (آمال شحادة المعروفة بتواصلها مع المصادر الإسرائيلية، وهي مراسلة
المؤسسة اللبنانية للإرسال (L.B.C.I.)، في حيفا، وسبق أن انفردت بتصوير مناورات للجيش
الإسرائيلي). من الواضح أن اختيارها يهدف إلى مخاطبة الرأي العام اللبناني والعربي
بشكل مباشر (باللغة العربية) وبشكل موثوق (عبر تواصل مباشر مع امال شحادة). ولا شك
أن تكرار العدو لتهديداته، مع محاولته إضفاء "نكهة" جديدة عليها (استهداف الكوادر
الميدانية، في حين هدد في المرة الماضية باستهداف نقاط عسكرية لحزب الله) يهدف إلى
محاولة إسباغ المزيد من الجدية على نياته وعزمه. ولا يبعد ان يكون ذلك ناتجا أيضاً
عن تقدير إسرائيلي بأن الرسالة السابقة لم تأخذ مداها، كما كان يؤمَّل، وسط الرأي
العام اللبناني. وخاصة أن حزب الله تجاهلها وتفادى الرد عليها. وهو ما كان يمكن أن
يؤججها أكثر (لو حصل) ويجعلها أكثر حضورا في الوعي اللبناني؟.
أما لجهة صيغة
التهديد باستهداف "150 قائدا ميدانيا"، كما لو أن الأجهزة الإسرائيلية تسيطر على
حركة هؤلاء، وأن استهدافهم لا ينقصه سوى اتخاذ القرار، يكشف التدقيق عن "خدعة" في
صياغة التعبير كونه انطلق في الحقيقة من افتراض إسرائيلي بأن المسألة تتعلق بـ150
قرية شيعية، (يتحدث عنها على الدوام) يُضاف إليها معرفة إسرائيلية عامة بالتقسيمات
التي يعتمدها حزب الله. وبالتالي تكون النتيجة الرياضية ان 150 قرية × 1 (مسؤول
ميداني عن كل قرية) = 150 كادرا ميدانيا.
أما لجهة الرؤية التي انطلق منها
العدو لتكرار تهديداته، فهي تندرج ضمن خطة مدروسة، وليس كتسريب إعلامي، بعيدا عن
توجهات ومواقف القيادة العليا، انطلاقاً من مخاوف تعيشها تل أبيب، بفعل الظروف التي
تمر بها المنطقة العربية، من أن تبدو كطرف مكبوح، الأمر الذي قد يُشجِّع بعض
الأطراف مثل حزب الله لتصفية حسابات مفتوحة (الرد على اغتيال الحاج عماد "رض"). كما
تتخوف القيادة الإسرائيلية من أن تلجأ إحدى الفصائل الفلسطينية إلى استخدام الجبهة
كوسيلة لمواجهة استحقاقات وتحديات تواجهها سوريا في هذه المرحلة. وما يُعزِّز
المخاوف الإسرائيلية، مما قد يقوم به حزب الله، (وفق الافتراض أو المخاوف
الإسرائيلية) وجود توازن ردع حقيقي على الجبهة الشمالية اثبت فعاليته في المرحلة
السابقة، مع ما ينطوي على ذلك من مفاعيل، فكيف إذا ما أُضيفت إليه الاعتبارات
الإقليمية المفترض أنها مُقيدة لإسرائيل عن أي خطوات عملانية تبادر إليها، أو تلك
التي تأتي في سياق الرد.