ارشيف من :ترجمات ودراسات
الوجه البشع لاميركا
صوفيا ـ جورج حداد*
في ظروف العاصفة السياسية الكبيرة التي بدأت تهز أركان نظام الانظمة العربية وتهدد بتقويضه كله على الاطلاق فوق رؤوس جميع اصحابه، تنبري أبواق الدعاية الاميركية لأداء دورها المرسوم في اللعب على الحبال ومحاولة الباس الدولة الاميركية قناع "صديق المعارضة العربية" ونصير "الديمقراطية" و"الاصلاح" و"التغيير" و"حقوق الانسان"، وما اشبه من الترهات والاكاذيب التي تذكرنا بشعار "الصليب" المقدس الذي رفعته الحملات الاستعمارية التي اشتهرت باسم "الحملات الصليبية" لتغطية الاهداف الحقيقية لتلك الحملات، والجرائم التي ارتكبتها بحق الشعوب العربية والاسلامية.
كما تذكرنا بشعارات "التمدين" و"نشر العلم والحضارة" و"التحرير من الاستبداد الاقطاعي والعثماني" و"التحرير من الهمجية القبلية والوثنية" و"التبشير بالدين المسيحي"، التي رفعتها كل الحملات الاستعمارية الغربية القديمة. والسؤال الذي ينبغي على جميع علماء الاجتماع والسياسة والقانون الدولي الاجابة عليه هو: متى وكيف حدثت اعجوبة تحول اميركا الى دولة تناصر "الديمقراطية" و"الحرية" و"حقوق الانسان"، الا كذرائع في خدمة مصالحها التوسعية الاستعمارية؟!
1ـ ان السياسة الخارجية لكل طبقة حاكمة في كل دولة هي انعكاس لواقعها الخاص، الذي ينتج السياستين الداخلية والخارجية للدولة. واميركا ـ قبل افريقيا الجنوبية (البيضاء) السابقة، وقبل "اسرائيل" الصهيونية الحالية ـ تأسست على اغتصاب الارض من الهنود الحمر، وعلى استعباد زنوج افريقيا. وقبل مئات السنين من الهولوكست الهتلري ضد اليهود العزل، قامت الطبقة الانغلو/ساكسونية ـ اليهودية الحاكمة في اميركا بأفظع مجزرتين في تاريخ البشرية:
أ ـ ابادة عشرات ملايين الهنود الحمر سكان البلاد الاصليين، وطرد الباقين.
ب ـ "شراء" عشرات ملايين "العبيد" الافارقة الذين كانوا يُصطادون كالحيوانات (في بعض الاحصاءات 90 مليونا، وفي احصاءات اخرى 60 مليونا) وصل منهم أحياء الى اميركا 10 ملايين. أي جرى قتل والتسبب في موت ما بين 50 و80 مليون زنجي، واستعباد الاخرين. هذا هو الاساس الاغتصابي ـ الاستعبادي الاصلي الذي قامت عليه اميركا. وهي اليوم تريد لا اقل من اغتصاب واستعباد بقية اجزاء العالم، طبعا بطريقة "حضارية حديثة!".
2 ـ ترفض اميركا توقيع اتفاقية "كيوتو" حول البيئة والمناخ، علما انها تتسبب في الضرر الاكبر للاحتباس الحراري الخ. وفي الوقت الذي كان مؤتمر الأرض منعقدا في البرازيل، قام الرئيس بوش بزيارة شركة لقطع الاشجار في اميركا متحديا العالم كله، وقال "ان هذه الشركة تؤمن فرص عمل لمائة الف اميركي، ولن نؤيد اي تدبير يحد من فرص العمل للاميركيين"، اي ان اميركا لا تمانع في تدمير وحرق العالم "الاخر" من اجل مصالحها الضيقة.
3 ـ هناك شكوك قوية بأن الذي أطلق مرض الايدز هو المختبرات العسكرية الاميركية، لانقاص عدد الفقراء، خاصة في افريقيا "السوداء". واذا كانت هذه الشكوك غير مؤكدة، فمن المؤكد ان الاحتكارات الطبية الاميركية تحارب بشدة تخفيض الاسعار الجنونية لادوية مكافحة الايدز وغيره من الامراض الوبائية.
4ـ تمانع اميركا في التوقيع على الاتفاقية الدولية ضد الالغام المضادة للافراد. وهناك شبهات كبيرة حول دور المخابرات الاميركية والموساد الاسرائيلي في قتل اللايدي دايانا البريطانية لسببين: الاول رغبتها في الزواج من عربي ـ مصري، والثاني حملتها العالمية ضد الالغام المضادة للافراد مما ازعج ارباب الصناعة الحربية وتجار الحروب الاميركيين.
6 ـ من الاسباب الجوهرية لمقتل جون كندي هو رفضه تطبيق سيناريو مسرحي وضعته الدوائر الاستخباراتية والعسكرية الاميركية لتدبير "اعتداءات كوبية" مزعومة ضد اهداف اميركية، من اجل تبرير مهاجمة واحتلال كوبا. وحتى الان لا يزال اغتيال جون كينيدي في 1963 مقيدا على مجهول. ولكن جميع الشهود في حادث اغتيال كينيدي تمت تصفيتهم. وهذا يعني ببساطة ان مسؤولية هذه الاغتيالات تقع على عاتق اجهزة النظام الاميركي ذاته، ويعني انه، وبمعزل عن اي تحليل او تقييم سياسي، فإن الذي يحكم اميركا هي عصابة من المجرمين والقتلة المحترفين الذين لا يتوانون عن قتل الرئيس الاميركي ذاته اذا شذ عن تنفيذ مخططاتهم الاجرامية.
7ـ قتلت المخابرات الاميركية الزعيمين الزنجيين التحرريين مارتن لوثر كينغ ومالكولم اكس، لقطع الطريق على حصول الزنوج على كامل حقوق "المواطنية الاميركية"، وعلى رأسها وفي اساسها حقوقهم القومية المشروعة في كونهم يمثلون "قومية اخرى"، هي "القومية الافرو ـ اميركية" المظلومة والمستعمرة التي لا يجمعها اي جامع بالـ"قومية" الانغلو/ساكسونية ـ اليهودية (الاميركية!)، بل هم ضحيتها بامتياز. ان دمج الزنوج في الدولة الاميركية هو استمرار لسياسة صيدهم من افريقيا واستعبادهم في اميركا، وهو من اكبر الجرائم ضد الانسانية التي لا تزال ترتكب امام اعين العالم اجمع وباسم القانون؛ ووضع الزنوج الاميركيين هو كوضع "العرب الاسرائيليين"، اي انه يفرض عليهم التخلي عن هويتهم وتاريخهم وجذورهم القومية من اجل الحصول على هوية "المواطنية الاميركية" او "الاسرائيلية". وابسط الحقوق القومية الانسانية للزنوج الاميركيين هي حقهم في الانفصال وتشكيل دولتهم الافريقانية المستقلة على الارض الاميركية. ويعود لهذه الدولة ان تقرر قيام او عدم قيام اتحاد فدرالي بينها وبين الدولة الاميركية الامبريالية الانغلو/ساكسونية ـ اليهودية.
8ـ تقف الدولة الاميركية بقوة ضد اي تقارب حقيقي واسع، اجتماعي واقتصادي وثقافي وسياسي، بين زنوج اميركا وموطنهم الاصلي افريقيا، مستعينة ببعض الموظفين "الملونين" الذين لا وزن فعلي لهم، والذين تستخدمهم كـ"ديكور". وتهدف الدولة العنصرية الاميركية من وراء هذه السياسة الى ضرب عصفورين بحجر واحد وهما:
اولا : إبقاء الزنوج الاميركيين في وضع "مقطوعي الجذور" ومن ثم في وضع ضعيف لجهة دورهم في الحياة السياسية لاميركا.
ثانيا : منع تقديم "المساعدات الاخوية"، الاقتصادية والعلمية وغيرها، للبلدان الافريقية، ومساعدتها في التحرر الوطني والقومي والتخلص من اوضاع التخلف الالفي الناتج عن الحالة الاستعمارية؛ وذلك من اجل ابقاء افريقيا كحقل احتياطي ومصدر للنهب الاستعماري المتواصل.
9ـ بعد العدوان الثلاثي ( الانكليزي ـ الفرنسي ـ الاسرائيلي) على مصر، في 1956، وتدهور النفوذ الاستعماري القديم في الشرق العربي، طرح الرئيس ايزنهاور نظرية "ملء الفراغ" لاحلال النفوذ الاميركي محل النفوذ الانكليزي ـ الفرنسي السابق
.
10ـ منذ ذلك الحين اصبحت اميركا هي الراعي الاول للعدوان والاحتلال الاسرئيلي. واميركا هي مصدر السلاح الاول لـ"اسرائيل" وتقدم لها مساعدات سنوية تقدر بمليارات الدولارت. وكل وجود "اسرائيل" كدولة اصبح يتوقف على المساعدات العسكرية والمالية الاميركية. اي عمليا ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي اصبح في حقيقته "تعبيرا محليا" عن الصراع العربي ـ الاميركي.
11ـ كل القرارات الصادرة عن الامم المتحدة، منذ اكثر من ستين سنة الى اليوم، لمنح حقوق الشعب الفلسطيني واقامة دولة فلسطينية مستقلة، وترتيب الوضع الخاص لمدينة القدس، ذات الاهمية الخاصة للاديان الثلاثة، تعارضها فقط اميركا و"اسرائيل"، بالاضافة الى بعض الاصوات احيانا لمراضاة اميركا.
12ـ لا تزال "اسرائيل" تمتنع عن تطبيق القرار 242 الصادر عن الامم المتحدة في 22 تشرين الثاني 1967، والداعي الى الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة، ومنها الجولان السوري. وذلك بدعم من اميركا.
13ـ احتلت "اسرائيل" الجنوب اللبناني مدة 22 سنة، منذ 1978، بالرغم من القرار 425 الداعي الى الانسحاب والذي صدرعن الامم المتحدة في 1978 فور الاحتلال. واجتاحت بيروت ذاتها في 1982. وكانت اميركا ولا تزال تدعمها بكل ارتكاباتها وعدواناتها. ولم تخرج "اسرائيل" من الاراضي اللبنانية الا بفضل المقاومة الشعبية للاحتلال، الذي كلف لبنان عشرات الوف الشهداء ومئات الوف الجرحى والاسرى والمهجرين، وعشرات مليارات الدولارات من الاضرار. وفي العدوان الوحشي على لبنان سنة2006، ظهرت اميركا انها "اسرائيلية اكثر من اسرائيل"، اذ انها لم تكتف بدعم العدوان والقصف الوحشي للبنان، بل ومارست الضغط على "اسرائيل" لتمديد فترة الحرب ومواصلة القصف والتدمير اكثر مما اراده الجيش الاسرائيلي ذاته. ولا تزال اميركا تدعم المخططات العدوانية لـ"اسرائيل" التي لا تزال تهدد لبنان، والطيران والبحرية الاسرائيلية يخترقان كل يوم الاجواء والمياه الاقليمية للبنان الضعيف المسالم. ومع ذلك تسمي اميركا و"اسرائيل" المقاومة الشعبية اللبنانية للدفاع عن الارض الوطنية والاستقلال الوطني: ارهابا.
16ـ ان 80 بالمائة من القوات الفرنسية الحرة (الديغولية) التي حاربت قوات النازية والفاشية الالمانية والايطالية، في افريقيا وفي ايطاليا وفرنسا واوروبا الغربية، كانوا من الشبان العرب الجزائريين والمغاربة، الذين سقط منهم عشرات الالوف على الارض الاوروبية ذاتها. وكان ديغول قد وعد الجزائريين بالاستقلال، مقابل هذا الدور المهم للانسانية جمعاء. ولكن الاوساط الاستعمارية الفرنسية نكصت بهذا الوعد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وقامت اميركا بتشجيع وتمويل الحرب الاستعمارية الفرنسية ضد الجزائريين، التي استمرت 7 سنوات، وادت الى موت مليون ونصف مليون جزائري. وكان هدف اميركا مزدوجا:
أ ـ الاحتفاظ باستعمار الجزائر. والعمل للسيطرة على الثروات الطبيعية للجزائر.
أ ـ تقليص نفوذ الفاتيكان الذي شرع ينتهج حيال الصراع العربي ـ الاسرائيلي نهجا "سلميا ومعتدلا" نسبيا.
ب ـ زرع الشقاق بين الفاتيكان وبين الشعوب الاسلامية.
20ـ تحت الشعارات الكاذبة حول "مكافحة الارهاب العربي والاسلامي" شنت اميركا حربها العدوانية ضد الشعب الافغاني المظلوم، وتحت انظار "العالم المتمدن!!!" بأسره، وبمشاركة "الحلف الاطلسي"، وبمباركة ما يسمى "منظمة الامم المتحدة"، ومع الصمت المريب لمنظمة مؤتمر الدول الاسلامية وجامعة الدول العربية، تم تحويل افغانستان الى هدف رماية تجريبي لجميع اسلحة التدمير الكلاسيكية، حيث دمرت كل اشكال الحياة الاجتماعية والانتاج الزراعي والحرفي وطرق المواصلات البائسة، وقتل مئات الوف الافغانيين العزل والفقراء وهجر الملايين منهم خارج افغانستان، من اجل اجبار الشعب الافغاني على الرضوخ بالضرورة لقرار المافيا الاميركية التي تحكم اميركا وتتحكم بمصائر العالم، ونعني به قرار تحويل افغانستان الى مزرعة خشخاش ومصنع افيون وهيرويين يديرها ويستثمرها البيت الابيض والمخابرات الاميركية وقيادة الاركان البرية والجوية والبحرية والفضائية الاميركية، بمشاركة الموساد الاسرائيلي وكل حثالات الحلف الاطلسي والصهيونية والماسونية العالمية التي لم يبق لها ما تقدمه للعالم الا تحويله الى موبأة مخدرات ومرتع مجانين واخيرا مقبرة جماعية لاغلبية الشعوب، بحيث لا يبقى على وجه البسيطة الا بارونات المخدرات الانغلو/ساكسون ونخبة "شعب الله المختار"!
21ـ تحاول الدعاية الاميركية وابواقها العربية والكردية الايحاء بأن اميركا هي "صديقة" الشعب الكردي بكل فئاته وأن العداء الاميركي للعراق يرتبط بقيام النظام الدكتاتوري السابق لصدام حسين. ولكن الوقائع التاريخية تفند هذه الكذبة الكبيرة. فالعداء الاميركي للعراق يعود الى 1958، حينما قامت الثورة الشعبية العراقية ضد الملكية المرتبطة بالغرب، واعلنت الجمهورية، وطلب من القوات البريطانية المحتلة مغادرة العراق. فقامت اميركا حينذاك بإنزال قواتها العسكرية في لبنان، وبريطانيا في الاردن، للوقوف بوجه استكمال تحرر الشعب العراقي، ولضمان استمرار السيطرة الغربية على مصادر الطاقة العربية وممراتها الدولية. وقد اضطلعت المخابرات الاميركية والبريطانية بدور رئيسي في الاطاحة بسلطة عبدالكريم قاسم، وفي نهاية المطاف الاتيان بنظام صدام حسين الدكتاتوري نفسه. وبعد قيام الثورة الاسلامية في ايران وتحولها من قاعدة اميركية ـ صهيونية، الى قاعدة ثورية معادية للامبريالية الاميركية والصهيونية، اضطلع نظام صدام حسين ـ بدعم كلي من اميركا والانظمة العربية الموالية لها في الخليج وغيره ـ بدور مخلب القط ضد ايران. وقد عمدت الادارة الاميركية البوشية الى شن الحرب على العراق واحتلاله في 2003 بهدف استمرار السيطرة على منابع النفط، وكضربة وقائية لاستباق قيام هبة شعبية تدعمها ايران ضد نظام صدام حسين وتحول العراق الى قاعدة معادية للامبريالية الاميركية.
.
ــــــــــــ
كاتب لبناني مستقل*