ارشيف من :آراء وتحليلات

مصير الحكومة الجديدة بين حسابات الداخل وحسابات الخارج

مصير الحكومة الجديدة بين حسابات الداخل وحسابات الخارج
مصطفى الحاج علي
ما تزال عملية تأليف الحكومة عاجزة عن تخطي ما بقي يعترضها من عقد وصعوبات، واذا كانت العقدة الجوهرية تتمثل بالخلاف بين رئيس الجمهورية والعماد عون حول وزارة الداخلية، فإنه من التبسيط بمكان، أن نعتبر هذا الخلاف ـ على أهميته ـ هو الوحيد الذي يحول دون تأليف الحكومة حتى الآن. ذلك، أن أزمة التأليف باتت تستبطن في داخلها، وتعكس في الآن نفسه، مجموعة من الأزمات المترابطة بأبعادها المتنوعة محلياً وإقليمياً وحتى دولياً، كما تطرح أسئلة جدية حول الجهة الفعلية التي تحول حتى الآن دون تسهيل عملية التأليف، ولأية حسابات، حتى لا نقول أيضاً، لأية التزامات.
منذ تسمية القوى الوطنية الرئيس ميقاتي لتأليف الحكومة، اتخذ تحالف ما تبقى من أطراف الرابع عشر من آذار قراراً استراتيجياً يقتضي إنجاز هدف رئيسي هو العودة الى السلطة بأي ثمن داخلياً، وذلك من خلال اعتماد الخطة التالية:
أ ـ التموضع ضمن الخطة الاميركية ـ السعودية في المنطقة الهادفة الى شن هجوم على أكثر من محور وبالتزامن: المحور الايراني من خلال استخدام احداث البحرين كمنصة، وكأداة تبريرية في هذا الهجوم، المحور السوري من خلال المؤامرة التي أخذت فصولها تتكشف مؤخراً، والهادفة الى ابتزاز النظام في سوريا، لدفعه للخروج من محور المقاومة والممانعة لمصلحة محور نظام التبعية والاستسلام للعدو الاسرائيلي.
وأخيراً، وليس آخراً، محور لبنان من خلال شن هجوم مركز يستهدف مجدداً النيل من سلاح المقاومة، وتوتير المناخ المذهبي انسجاماً وملاقاة لحملة التوتير التي يقودها النظام السعودي، وصولاً الى وضع كل العقبات الممكنة التي تمنع تشكيل الحكومة، واذا ما تشكلت بذل كل الجهود لمنعها من ان تحكم، أو ايصالها الى الحكم وهي مثخنة بالجراح، ما يجعلها حكومة مثقلة بالقيود، ومنهكة الى أقصى الحدود، بانتظار ان تستقر صورة الأوضاع في المنطقة، وتتبدل موازين القوى، الأمر الذي يؤدي الى القيام بخطوة تؤدي الى قلب الأوضاع لمصلحة هذا الفريق، وهنا تحديداً يكمن الرهان على ما يحدث في سوريا، حيث يراهن هذا الفريق على نجاح المؤامرة هناك لانجاز أهدافهم.
وفي هذا السياق لم يتورع هذا الفريق عن شن هجوم مركز ينال من الرئيس المكلف، ويستهدف اسقاطه بادئ ذي بدء مذهبياً، من خلال اتهامه بأنه لا يمثل السنة، وأنه يعمل لمصلحة حزب الله. الا ان الرئيس ميقاتي نجح في احتواء هذه الهجمة، ما دفع بهؤلاء الى تركيز هجومهم مجدداً على حزب الله موظفين في ذلك كل ما تقع ايديهم عليه من افتراءات، بدءاً مما حدث في سجن رومية، ومروراً بمسألة خطف الاستونيين السبعة، وصولاً الى ملف الاعتداء على الاملاك العامة، وهذه الحملة ستبقى مستمرة ومتواصلة مع الوقت، وخصوصاً أن موعد السابع من أيار يشكل مناسبة يجب استغلالها الى أقصى حد أيضاً.
ومن الواضح، أن رفض هذا الفريق المشاركة في حكومة ميقاتي، أريد منه، تقليص المظلة السياسية الداخلية لها الى أقصى حد ممكن، وتقديمها بوصفها حكومة انقسام وطني، ما يسهّل من عملية الهجوم عليها، وتقييدها مسبقاً بمجموعة تعقيدات وحسابات داخلية.
ثانياً: رافق حملة هذا الفريق حملة اميركية وأوروبية ودولية مركزة، استهدفت الضغط أولاً على رئيس الحكومة لإرباك حساباته، ثانياً، التهويل بالورقة المالية من خلال الاجراء الذي نال من البنك اللبناني ـ الكندي، والتلميح بأن تطال هذه الاجراءات بنوكاً أخرى، ثالثاً: تقييد عمل الحكومة بأجندة عمل مسبقاً تتعلق تحديداً بموقفها من المحكمة الدولية، والقرارات الدولية، وهو الأمر الذي عاد الأمين العام للأمم المتحدة للتركيز عليه مؤخراً، مرفقاً بشهادة مديح خاصة بميقاتي الذي سبق وأعلن حرصه على التزام هذه القرارات.
ثالثا: جاءت الهجمة الاميركية ـ السعودية على محوري ايران وسوريا، متوسلة البعد المذهبي ـ الفتنوي الى اقصى الحدود، الأمر الذي أدى الى توتر اقليمي كبير على جبهات دولية معنية مباشرة بما يجري في لبنان، فهناك الجبهة الاميركية ـ السعودية في مقابل ايران، وهناك الجبهة نفسها في مقابل سوريا، هذا الاشتباك الذي يأخذ ابعاداً نوعية، لأن من شأن النتائج التي سوف يرسو عليها، ان يضع المنطقة على مفترق طرق كبير، ولا يبدو حتى الآن، أن ثمة أملا في أن يخبو هذا التوتر قريباً، بل على العكس، قد يندفع الى مواجهات متنوعة العناوين والأبعاد، الأمر الذي قد لا يسلم منه لبنان نهائياً، ولا سيما أن أرضاً خصبة مهيئة لاستقباله.
رابعاً: لا شك، أن ما حدث في سوريا شكل عملية اشغال للقيادة السورية، بقدر حجم المؤامرة التي تريد النيل من سوريا، فثمة ترتيب للأولويات لا بد من أن تقوم به يقع في صلبه الاسراع في اعادة ترتيب الأوضاع وسد منافذ المؤامرة تمهيداً للقضاء عليها، ولا شك أيضاً أن المراهنين على إمكان ليّ ذراع القيادة السورية على الأقل هم في مرحلة أخذ فترة انتظار لإعادة ترتيب حساباتهم وبالتالي خياراتهم.
خامساً: ما تقدم يقود الى الخلاصات التالية:
ـ ان المنطقة تمر في مرحلة دقيقة من خلط للأوراق والحسابات.
ـ ان المنطقة تشهد عملية توتر بالغة الدقة على حدود جبهات المواجهة المعروفة، وهي حدود مواجهات المشاريع المتصارعة التي تتمحور حول عنصرين اثنين رئيسيين: المشروع الاميركي ـ الاستعماري بركيزته الاستراتيجية المتمثلة بالكيان الاسرائيلي، ويندرج في سياق هذا المشروع كل عرب التسوية وسياقاته العامة والخاصة، والآخر هو مشروع المقاومة والممانعة الذي يتصدي لهذا المشروع.
ـ لبنان الآن شئنا أم أبينا يقع في قلب هذين المسارين: مسار خلط الأوراق الذي تمر به المنطقة على خلفية الانتفاضات الشعبية، ومسار استئناف المشروع الاميركي ـ الصهيوني هجومه انطلاقاً من البحرين، ومروراً بسوريا، وصولاً الى لبنان.
ـ سياسياً، تقع عملية التأليف تحت ضغط وثقل مجمل هذه المسارات، يضاف اليها الحسابات الخاصة بكل من رئيسي الجمهورية والحكومة معاً، واذا كان يسهل قبل مجمل هذه التطورات على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف التموضع في مكان "وسطي" يترجمه في رؤية ارضائية للجميع، فإن الخلط الشديد للأوراق، وانتقال الصراع في المنطقة من حالة الاستاتيكو التي كان يمر بها الى حالة المواجهة، يفرض على كل منهما تحديداً أحد خيارين: إما حسم الموقف لمصلحة مشروع من هذين المشروعين، وإما اطالة عمر التكليف بانتظار توترات جديدة، الا ان اعتماد هذا الخيار يحمل في طياته مغامرة كبيرة بفعل الانهيار العام الذي يتعرض له لبنان على كافة المستويات، وفي الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط شديدة لها صلة بمجريات الأمور في المنطقة، ما قد يفتح التطورات على ما لا تُحمد عقباه، ولذا، فالحريص على ايجاد صمام أمام للوضع اللبناني هو من يدفع ويعمل على تسهيل عملية التأليف، والبحث عن سبل لتنفيس الاحتقام الداخلي، لا الذي يتعامل مع عملية التأليف كترف فكري خاص، ولا الذي يمعن في مؤامرة توتير الأمور ودفع الاحتقان الداخلي الى حدود الانفجار.
2011-04-30