ارشيف من :آراء وتحليلات

أين إيران من المصالحة الفلسطينية!

أين إيران من المصالحة الفلسطينية!
حسين حمية
إن إطلاق توصيف المفاجأة على الحدث الفلسطيني المتمثل بمصالحة حركتي فتح وحماس بوساطة القيادة المصرية الجديدة، ينطوي على تغييب الأسباب المعروفة لتأجيل هذا الحدث وتأخيره، وفيه تجهيل للجهات العربية والدولية التي استثمرت على الانقسام الفلسطيني الفلسطيني لأغراض مختلفة، كما أنه محاولة للقفز عن دور مشاريع الهيمنة الغربية التي كانت تعد للمنطقة في زرع بذور هذا الانقسام واستدراج الأطراف الفلسطينية إلى التباعد والتناحر فيما بينها وفق سيناريوهات مرسومة، أفاد منها الاحتلال في توسيع رقعة تهويده لفلسطين وتمديد استيطانه على أرضها بأكلاف أمنية وسياسية زهيدة، في حين استغلت واشنطن الفرصة للتلاعب بأولويات شعوب المنطقة، باصطناعها لهم أخطارا جديدة، عبر التحريض المذهبي والقومي على إيران واتهامها بشق الصف الفلسطيني لتعطيل عملية التسوية بدعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين.
ليس المقام هنا لاستعادة المفردات والمصطلحات التي استخدمت لتحميل الجمهورية الإسلامية في ايران زورا مسؤولية الانقسام الفلسطيني الفلسطيني واستمراره، وقد وصلت في بعض الأحيان إلى "إتهام" حركتي حماس والجهاد بالتشيع وبأنهما أداة إيرانية لتفريس (نسبة للفرس) المنطقة، أضافة إلى وضع هذا الاتهام في سياق أوسع يؤدي إلى تخويف العرب من إيران وتقويض وحدة العالم الإسلامي من أجل تمرير بناء تحالف معلن بين (ما أسمته يوما كونداليزا رايس) معسكر الاعتدال العربي و"إسرائيل" في وجه محور المقاومة والممانعة في المنطقة، لإعادة الزخم للمشروع الأميركي الإسرائيلي في الهيمنة على المنطقة بعد فشل انطلاقته في العراق والخسارة التي مني بها في حرب تموز/ يوليو 2006.
قبل تناول المتغيرات التي تصوب بإصبعها عمن يتحمل وزر تأخير المصالحة بين الفلسطينيين، يجب الإشارة إلى أن الانقسام الفلسطيني الفلسطيني نشأ على خلفية تصديق سلطة رام الله رؤية بوش ووعده بإقامة دولة هلامية للفلسطينيين وقبولها سلسلة طويلة من الشروط التعجيزية لقاء تحقيق هذا الوعد الذي ضربت له واشنطن  أكثر من موعد كاذب لتنفيذه، وكان من ضمن هذه الشروط تحريض حركة فتح (تحت طائلة تجويع الفلسطينيين وحرمانهم من المساعدات المالية) على إلغاء مفاعيل الانتخابات في الأراضي الفلسطينية عبر الإطاحة بحكومة إسماعيل هنية لعدم امتثالها لشروط "الرباعية الدولية" لجهة الاعتراف بـ"إسرائيل"، ونبذ المقاومة، والاعتراف بالاتفاقات السابقة التي وقعتها منظمة التحرير، فكانت مغامرة محمد دحلان بالتخطيط للانقلاب على الشرعية الفلسطينية بدعم وتشجيع أميركيين بحسب ما كشفته مجلة "فانيتي فير" الأميركية وما نجم عن هذا المخطط من احتراب داخلي وفقدان الثقة بين حركتي فتح وحماس.
لقد كان الموقف الأميركي والإسرائيلي طيلة الفترة الماضية واضحا وصريحا (لأكثر من سبب) في رفض إنهاء الانقسام على الساحة الفلسطينية، وإن كانت بعض أنظمة دول الاعتدال العربي قامت بمحاولات ظاهرية لإنجاز المصالحة بين الفلسطينيين، إلا أنه سرعان ما كانت تتواطأ هذه الأنظمة في ترتيب مخارج لفشل محاولاتها نزولا عند الإرادة الأميركية الإسرائيلية، وهذا ما برز أخيرا في الطريقة التي عالج بها نظام مبارك الملف الفلسطيني، فهو لم يكتف بوساطته المنحازة إلى جانب سلطة رام الله، إنما ذهب في ضغوطه (الكثيرة والمتعددة) على حركة حماس إلى حد التواطؤ مع العدو في حربه الوحشية على غزة من أجل تطويع حماس وتدجينها وفقا لشروط الرباعية الدولية.
لكن ما حدث بعد ثورتي تونس ومصر، هو أن الشارع الفلسطيني دخل بقوة على المعادلة السياسية، فقد تحرك هذا الشارع في الضفة الغربية وقطاع غزة في 15 آذار/ مارس قائلاً بصوت مسموع من "حماس" و"فتح": الشعب يريد إنهاء الانقسام.
عندها حصل تبادل المواقف الإيجابية بين رئيس حكومة "حماس" اسماعيل هنية، ورئيس السلطة محمود عباس، فلاقى الأخير دعوة الأول إلى الحوار الشامل فوراً من أجل التوصل للمصالحة، بإبداء استعداده "الذهاب" إلى القطاع من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني وإجراء انتخابات.
أضف إلى هذا بسقوط مبارك، تحررت المصالحة الفلسطينية من الوساطة المنحازة، فقد حمل التغيير في القاهرة حكومة مصرية جديدة،لا تعنيها الاشتراطات التي وضعها نظام مبارك على شكل المصالحة الفلسطينية ومحتواها (وهي اشتراطات كان يوظفها لكسب مزيد من حماية واشنطن ومساعدتها له في التوريث وخلافه)، لا بل أطلقت القيادة المصرية الجديدة إشارات إيجابية تجاه الوضع الفلسطيني والعلاقات الفلسطينية الداخلية، تنبىء بأنها لن تمتثل لشروط الرباعية الدولية في تشديد الحصار على غزة، وأظهرت النية لفتح معبر رفح بشكل طبيعي ونهائي، في ضوء المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، والوقوف على مسافة واحدة من الطرفين الفلسطينيين والامتناع عن ممارسة الضغوط على طرف (خصوصا حماس) لمصلحة الطرف الآخر، إضافة إلى رفع مستوى التعامل الرسمي مع حركة حماس لتشمل لقاءات قياداتها وزير الخارجية المصري، بعدما كانت هذه اللقاءات تقتصرعلى الجهات الأمنية وحدها.
كان بإمكان أميركا و"إسرائيل" ومعهم دول الاعتدال استخدام اتهام إيران بالعبث بوحدة الفلسطينيين لتعطيل المصالحة وإطالة أمد الانقسام فيما بينهم، غير أن هذا الاتهام لم يعد مجديا، خصوصا أن الطرف الفلسطيني (وهو السلطة) الذي كان يتلطى وراء هذا الاتهام ويقوم بتسويقه، أدرك حجم التراجع في تأييد القيادة المصرية الجديدة لسلطته ولمسار التسوية بالشكل الذي تديره كل من واشنطن وتل أبيب، كما أدرك، أن شهية الساحة الفلسطينية مفتوحة على ما يجري في الساحات العربية الأخرى، خصوصا أن هذه الساحة متعطشة لتسيير التظاهرات المليونية والانتفاضات أيضا ليس لإنهاء الانقسام فقط وإنما لإزالة الاحتلال.
إلى هذا، كان هناك توقع، أن واشنطن في ظل إعادة صياغة علاقتها مع مصر ما بعد مبارك وتحاشيا للاصطدام مع الحراك الشعبي العربي، لن تلجأ إلى اساليب الضغط كما في الماضي لمنع المصالحة أو وضع فيتو عليها ما لم تتم وفق اشتراطاتها، وإذ أبدت ترحيبا خجولا بالمصالحة، فذلك محاولة منها لتجنيب كل من "إسرائيل" والسلطة من تداعيات تساقط أنظمة الاعتدال العربي وتراجع دورها، دون أن تيأس من وضع عراقيل وصعوبات مستقبلا لإفراغ هذه المصالحة من مفاعيلها وبما يعيد حالة الانقسام.
المهم، إذا كان يسجل للثورة المصرية وقيادتها، فتح الطريق أمام الفلسطينيين نحو استعادة وحدتهم الوطنية على أساس الثوابت والمقاومة الشاملة وبما يعيد التوازن إلى القضية الفلسطينية، فإنه يسجل لهذه الثورة أيضا ومعها طرفا المصالحة الفلسطينية بدوسهما على شروط الرباعية الدولية، فضح الجهات الدولية والعربية التي تسببت بالانقسام الفلسطيني الفلسطيني واستخدمته من أجل النيل من إيران وموقفها إلى جانب الشعب الفلسطيني.
2011-04-30