ارشيف من :ترجمات ودراسات
بين مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان وبقية الجوقة... سوريا أكثر قوة ومنعة!
عقيل الشيخ حسين
يمكن للحاقدين على سوريا التي تشكل، بفضل التزام نظامها الحالي، بقضايا الأمة العربية الكبرى، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، وذلك من خلال صمودها، مع حركات المقاومة، وفي ظل سياسة الممانعة، في وجه العملية الاستسلامية التي هرعت إليها الأنظمة العربية الأخرى، والتي كانت في طليعة الأسباب التي أدت إلى تفجر الثورات العربية الراهنة... يمكن لهم أن يبتهجوا وأن يؤمّلوا خيراً.
أما سبب ذلك فهو قيام الحكومة البريطانية بسحب الدعوة التي كانت موجهة إلى السفير السوري في لندن لحضور الاحتفاليات الكبرى بـ "زفاف القرن". ذلك الزفاف الذي انشغل به العالم بالصورة التي نقلتها مئات وآلاف القنوات الفضائية إلى أكثر من ملياري مشاهد، فضلاً عن الحضور المباشر للجموع الغفيرة التي نصبت الخيام وبدأت، قبل أيام من الحدث الكبير، باحتلال أرصفة الطرق المقرر أن يعبرها موكب الزفاف.
وعن الحضور المباشر لآلاف الرسميين ووجوه المجتمعات الراقية من ملوك المال والجمال والفن والرياضة والأزياء، وبينهم بالطبع، أعداد من وجهاء العرب الذين لا يمكن أن تفوتهم مثل هذه الفرصة في رفع أسماء بلدانهم عالياً بين الأمم، وفق ما حرصت على إبرازه أكثر من وسيلة إعلامية عربية.
يمكن لهم أن يبتهجوا وأن يؤملوا خيراً، وخصوصاً أن حرمان سوريا، بشخص سفيرها في لندن، من حضور الحفل هو مظهر من مظاهر "عزل" سوريا بعيداً عن المجتمع الدولي والأسرة الدولية، وهو العزل الذي تصور لهم مخيلاتهم البائسة أنه مؤشر على قرب سقوط النظام، لا لسبب إلا لأنهم ما زالوا يعيشون في أسر الاعتقاد بأن أميركا، بقدراتها الذاتية وبقدرتها على التحشيد، على مستوى الدول، والمنظمات غير الحكومية، والشركات الأمنية، والجماعات المشبوهة وما لف لفها، ما تزال قادرة على فرض إرادتها على العالم بالأشكال المعروفة منذ الحرب العالمية الثانية وصولاً، على الأقل، إلى لحظة إعلانها الحرب على أفغانستان والعراق.
وإذا كان قد فاتهم أن يلاحظوا، بين هزائم أخرى مجلجلة، ما حل بأميركا في أفغانستان والعراق، رغم حشدها لجيوشها ولجيوش عشرات الدول الأخرى، فإن بإمكانهم أن يلاحظوا مدى التفكك الذي يضرب ما يسمى بالأسرة الدولية، لا سيما لجهة الموقف من أحداث سوريا الحالية.
صحيح أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، كان السباق إلى التلويح بـ "التدخل" في سوريا، أسوة بتدخله في ليبيا، ظناً منه بأن هذا الخبط العشوائي في غمار السياسة الدولية سيعيد إلى فرنسا عزها الاستعماري، أو سينجيه من السقوط القريب داخل بلده لأسباب لا تختلف في جوهرها عن الأسباب التي أسقطت أسلافاً ـ سياسيين ـ له من أمثال لويس السادس عشر ونابليون بونابرت، أو عن الأسباب التي بدأت بإسقاط طواغيت العرب.
لكن ساركوزي تظاهر بالعفة، وربط التدخل بقرار مسبق من الأسرة الدولية. وحرص هو وأمثاله من النافذين في الأسرة الدولية على استصدار مشروع بيان في مجلس الأمن يدين ما يسمى، من خلال النظر إلى الأمور بعين واحدة، العنف ضد المتظاهرين. لكن مجلس الأمن فشل في إصدار هذا البيان بعد أن رفضه كلّ من لبنان والصين وروسيا.
ومن مجلس الأمن، وفي الوقت الذي ـ شأن الثوار الليبيين الذين لمسوا لمس اليد مراوغات الحلف الأطلسي في دعمهم ـ بدأ فيه من يسمون أنفسهم بممثلي المتظاهرين في سوريا بالتململ بسبب ما يعتبرونه تباطؤاً من الأسرة الدولية في دعم قضيتهم، انخفض منسوب الدعم من مجلس الأمن إلى التهديد بعقوبات رفع رايتها اجتماع سفراء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، بعد يومين من الفشل في مجلس الأمن.
ثم عاد المنسوب ليسجل انخفاضاً جديداً مع نقل الملف، بمبادرة أميركية، إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي انعقد في جنيف، بعد يوم من اجتماع سفراء الاتحاد الأوروبي، من دون أن يفضي إلى أكثر من مواصلة الانخفاض في المنسوب عبر فتح الطريق نحو إحالته إلى... الجامعة العربية!
بكلام آخر، وفي الوقت الذي عاد فيه أكثر من محرض على سوريا إلى المناداة بالحوار، يمكن للحاقدين المحليين على سوريا أن يقطعوا الأمل بتدخل دولي "شرعي" ليس فقط بسبب عدم القدرة على تأمين توافق على ذلك، بل خصوصاً لعدم القدرة على ذلك من الناحية العسكرية. يلاحظ ذلك من خلال الخوف الأميركي من التورط في ليبيا بعد كل الهزائم التي منيت بها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة.
كما يلاحظ من خلال تصريحات ماك كين، المرشح الجمهوري السابق للرئاسة الذي زار ليبيا مؤخراً ولعب حزبه المعروف بقوة نوازعه الحربجية دوراً في إجبار أوباما على العودة إلى مسرح العمليات في ليبيا على أجنحة الطائرات بدون طيار.
فقد أكد ماك كين، خلافاً للعادة، تأييده لكل الخطوات "غير العسكرية" في الضغط على سوريا، مختتماً بالتعبير عن أسفه لعدم توافر الإمكانيات لتدخل عسكري جوي أو بري.
يبقى الرهان على التدخل غير الشرعي من خلال الزعيق الإعلامي، والدعم المالي، والتسليح السري، والنشاط التخريبي من قبل أجهزة الاستخبارات وما تحركه من جماعات حاقدة أعمى الله أبصارها وبصائرها، ما وضعها من حيث تدري ولا تدري في خدمة المشاريع الصهيو ـ أميركية.
لكن ذلك لن يفلح، رغم الأضرار التي يلحقها بسوريا، شعباً وجيشاً ونظاماً، في زعزعة سوريا التي صمدت خلال السنوات الأخيرة أمام أعتى الأعاصير، والتي ستخرج كما في كل مرة أشد قوة وتصميماً على مواصلة المسيرة الظافرة نحو الشرق الأوسط الجديد والمتحرر من نفوذ ووجود المعسكر الأميركي ـ الإسرائيلي وملحقاته المحلية.
ولا يبقى للحاقدين غير الابتهاج بانتصارات من نوع المشاركة في حفل زفاف هنا، أو في عرض أزياء هناك.