ارشيف من :آراء وتحليلات
مقتل بن لادن...لعبة إعلامية باهتة في زمن الهزائم الأميركية!
عقيل الشيخ حسين
منذ سنوات عديدة تراجع ذكر أسامة بن لادن بالتوازي مع انحسار ظهوره في أشرطة فيديو كانت ترسل إلى قناة الجزيرة وتتعرض دائماً للتشكيك لجهة الهوية الحقيقية لصاحبها الذي دار الكثير من الكلام عن مقتله أو عن موته بمرض عضال.
وبالتدريج، وفي الوقت الذي أخذت فيه بالبروز صورة نائبه أو خليفته أيمن الظواهرى، لم يعد لوجود بن لادن أهمية إلا عند المحافظين الجدد الذين حكموا الولايات المتحدة لولايتين متتاليتين من دون أن يتمكنوا من تحقيق هدفهم المعلن في قتله أو أسره، والذين انتقلوا بعد خروجهم من الحكم إلى استخدام فرضية بقائه طليقاً كوسيلة لإضعاف خصومهم الديموقراطيين وباراك أوباما، بوجه خاص.
ثم فجأة، وفي الوقت الذي يركز أوباما كل جهوده على معركة الرئاسة المقبلة، ويسعى بكل قوته لاستدرار تعاطف الرأي العام الأميركي، فوجئ العالم بإعلان أوباما عن "نجاح الولايات المتحدة" بأوامر منه، في قتل أسامة بن لادن في مخبأ له غير بعيد عن العاصمة الباكستانية. وقد تعمد أوباما أن يقدم للأميركيين انتصاراً صافياً بعدم الإشارة إلى سقوط طائرة آباتشي ومقتل واحد أو أكثر من الجنود الأميركيين في عملية القتل.
وعرضت صورة قيل بأنها تمثل بن لادن مرفقة بصورة حقيقية له يفترض للتشابه بين الصورتين أن يقنع المشاهد بأن القتيل هو بن لادن حقاً وحقيقة. علماً بأن ذلك لا يشكل دليلاً قاطعاً على صحة الدعوى نظراً للتقنيات الضخمة التي تسمح، منذ أيام أبي بحر الجاحظ، على الأقل، بتزويق العجوز الشمطاء لبيعها في سوق النخاسة على أنها جارية حسناء.
وليس قول الأميركيين بأن إحدى زوجاته قد تعرفت الى جثته دليلاً على صحة الدعوى، لأن مثل هذا القول يفتقر إلى المصداقية والشهود. وكذا الأمر عن عدم اعتقال أي من مرافقي بن لادن، ما يضفي المزيد من الريبة على الدعوى.
فالمريب هو السرعة، أو التسرع المقصود، في إخفاء الجثة عبر دفنها في البحر؟! في سابقة غريبة تتنافى مع صدقية الدعوى، وخصوصاً مع اللياقة التي يفترض بأوباما أن يتحلى بها تجاه مزاعمه عن احترام الإسلام وتشريعاته. كما إن إرجاع عملية الدفن الغريبة إلى عدم موافقة عدد من البلدان الإسلامية على دفنه في أراضيها تبدو غير مستقيمة بما فيه الكفاية. أما القول بأن الدفن قد تم وفق الشريعة الإسلامية فيعني، طالما أن هوية الجهة الإسلامية التي أشرفت على الدفن بقيت في الخفاء، أن الأميركيين سمحوا لأنفسهم بتطبيق الشريعة الإسلامية نيابة عن المسلمين... ناهيكم عن تصريح صادر عن الأزهر أكد أن إلقاء الجثة في البحر منافٍ لأحكام الشريعة.
والمريب أيضاً هو التوقيت الذي تم فيه الهجوم الأميركي على مقر بن لادن، في ظل التعاون الذي اعترفت به إسلام آباد بين جهازي الاستخبارات الأميركية والباكستانية: بالإضافة إلى المكسب السياسي الذي حققه أوباما، سواء صح خبر مقتل بن لادن أم لا، على أعتاب معركته الرئاسية، فإن الخبر من شأنه، وفق ما يرجوه أوباما، أن يلقي ظلالاً على مقتل عدد لا بأس به من الجنود الأميركيين في كابل خلال الأيام القليلة الماضية، في وقت يقترب فيه استحقاق انسحاب الجيوش الأميركية والمتحالفة من أفغانستان والعراق.
كما لا يخلو من الريبة أن تأتي دعوى مقتل بن لادن في هجوم أميركي داخل بلد ذي سيادة، متزامنة تقريباً مع مقتل أحد أبناء القذافي وعدد من أحفاده، في غارة جوية أميركية أو أطلسية، لا فرق، على مسكن العائلة القذافية في طرابلس، في خرق واضح لقرار مجلس الأمن الذي ينص على حمايتهم لا على قصفهم كما حدث مراراً وتكراراً قبل وبعد العملية الأخيرة.
وتنضم الريبة إلى عدم اللياقة في تنفيذ عملية القتل من قبل الأميركيين بمفردهم، من دون إعلام الباكستانيين بتوقيت العملية رغم مشاركتهم في إعدادها. ومن دون إشراك حلفائهم في الحرب على ما يسمى بالإرهاب، لأن ذلك يفيدهم سياسياً من دون أن ينتقص من المكسب الأميركي.
من المرجح، في زمن الهزائم الأميركية، وفي الوقت الذي اعتاد فيه شطر من الأميركيين ـ منذ إبادة الهنود الحمر، وتقاليد الوسترن والغانغستر، وقنبلة هيروشيما، وغير ذلك من الإبادات الجماعية في فيتنام وأفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها ـ على تحقيق ذاتهم على طريقة "أنا أقتل، إذاً أنا موجود". من المرجح أن الساكن في البيت الأبيض يتماهى بصورة الأميركي البشع لإدخال صورته كقاتل في المخيال الأميركي كوسيلة لتحقيق المزيد من الكسب السياسي.
وسواء صح الخبر أم لا، فإن الضجيج الإعلامي عن "الانتصار" الأميركي لن يغير شيئاً في واقع الهزائم. صحيح أن مقتل بن لادن، فيما لو صح، يظل ذا قيمة رمزية لكنه لا يعني نهاية القاعدة التي يفترض أن ترد على مقتل زعيمها بضربة أو بضربات مؤلمة سيكون أوباما أول من ستنعكس تداعياتها عليه بشكل دراماتيكي.
ولا يعني خصوصاً، على مستوى المعركة التي تخوضها الشعوب العربية والإسلامية وفي أنحاء العالم الأخرى، أن مسيرة التاريخ ستتوقف قبل تحقيق الانتصار على أشكال الهيمنة الأميركية وغير الأميركية.
يكفي أن مقتل بن لادن، فيما لو صح، قد أفقد أميركا وحلفاءها ذريعة مهمة لاستمرار الوجود العسكري في أفغانستان وباكستان، في وقت ارتفعت فيه الأصوات المطالبة برحيلهم.
وأياً يكن الأمر، فإن مقتل بن لادن، وهو الذي بدأ حياته السياسية متعاوناً مع الأميركيين في الحرب ضد الاحتلال السوفياتي في أفغانستان، قبل أن تقوم القاعدة بتنفيذ عملياتها المثيرة للشبهات، بدءاً بالهجمات على نيويورك وواشنطن، مضافاً إلى رحيل زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وإلى اهتزاز الأنظمة المرتبطة بأميركا في المنطقة، هي تعابير عن معركة تدور فصولها في عقر دار النفوذ الأميركي... وفي هذا دلالة على المسيرة الهابطة لهذا النفوذ.