ارشيف من :أخبار لبنانية

إسرائيل والثورة المصرية

إسرائيل والثورة المصرية

د. محمود محارب(*)
تعرض هذه الدراسة المواقف الإسرائيلية من الثورة المصرية، التي عبر عنها القادة السياسيون والعسكريون وخبراء الشؤون العربية والأكاديمية ومراكز البحث في إسرائيل. وتقف أمام مفاجأة إسرائيل من اندلاع الثورة المصرية، وتتابع دوافع دعم إسرائيل لاستمرار حكم مبارك حتى اللحظة الأخيرة، وأسباب اتخاذها موقفاً معادياً من الثورة المصرية. كما تستشرف تأثيرات هذه الثورة في إسرائيل كما عبر عنها الإسرائيليون، في النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والاستراتيجية. الصلاة لسلامة مباركإسرائيل تنفرد في الدفاع عن مباركالفشل في توقع الثورة"الديمقراطية ليست للعرب"تأثير الثورة المصرية في إسرائيلالقيود و"المصلحة الاقتصادية المصرية""الهزة الأرضية" والعملية السياسيةالخاتمةأولت إسرائيل ـ منذ نشوئها وحتى اليوم ـ اهتماما كبيرا بمصر وبدورها بالغ الأهمية في معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي، سواء في مرحلة الحرب بين الدولتين أو بعد توقيع اتفاقية السلام بينهما. ويعود هذا الاهتمام لعاملين أساسيين؛ أولهما: قوة مصر الذاتية بوصفها دولة كبيرة ومتماسكة، وفيها طاقات كامنة وعوامل قوة تجعلها القوة العربية القادرة على الصمود أمام إسرائيل والتصدي لها.
وثانيهما: دور مصر العربي والإقليمي الذي مكنها من تبوّء العمل العربي المشترك فترة طويلة.
لم تنه اتفاقية كامب ديفيد ـ من المنظور الإسرائيلي ـ الصراع بين مصر وإسرائيل، لكنها منحته شكلاً جديداً؛ فبعد توقيعهما المعاهدة استمر الصراع على جملة واسعة من القضايا، وفي مقدمتها الصراع على المكانة والدور والنفوذ وقدرة التأثير في تطور الأحداث بالمنطقة. واستندت إسرائيل في إدارة هذا الصراع إلى عوامل قوتها، وأهمها: تفوقها العسكري على مصر وبقية الدول العربية في الأسلحة التقليدية.احتكارها السلاح النووي في المنطقة.وضعها الاقتصادي المتقدم الذي يقترب فيه معدل دخل الفرد السنوي ـ منذ نحو عقدين ـ من معدل دخل نظيره في أوروبا. امتلاكها إرادة سياسية موحدة في قضايا الأمن القومي، وتساهم المؤسسة الأمنية في بلورتها وفي حشد المجتمع الإسرائيلي خلف أهدافها، وفي ظل العملية الديمقراطية الإسرائيلية القائمة على مسلمات و"مقدسات" أيديولوجية وسياسية وأمنية.تمتعها بعلاقات راقية للغاية مع الولايات المتحدة الأمريكية، تحصل إسرائيل بموجبها على دعم أمريكي مهم وحيوي في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية؛ بهدف استمرار تفوق إسرائيل على جميع الدول العربية. واستناداً إلى عوامل قوّتها هذه، سعت إسرائيل في العقود الأخيرة إلى التقليل من مكانة مصر، وتهميش دوريْها العربي والإقليمي، وتقليص تأثيرها المستقل في تطور الأحداث في المنطقة، وفرض الأجندة الإسرائيلية عليها في ما يخص قضايا الصراع الأساسية في المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وجعلها مقاولاً للسياسة الإسرائيلية تجاه هذه القضية وقضايا أخرى، تحت أغطية "الوساطة" ومكافحة "الإرهاب" والتصدي "للتطرف الإسلامي". وساعد إسرائيل في تحقيق الكثير من هذه السياسات، وجود حكم في مصر قائم على الفساد والاستبداد، كغيره من أنظمة الحكم في الدول العربية. فلا عجب ـ والحال كهذه ـ أن ناصبت إسرائيل منذ اللحظة الأولى العداء للثورة المصرية والثورات العربية الأخرى، وتمسكت بثبات في دعمها لاستقرار نظم الاستبداد والفساد.
الصلاة لسلامة مبارك
لعل المقال الذي نشره الصحفي الإسرائيلي ألوف بن ـ قبْل نصف عام من نشوب الثورة المصرية ـ كان الأكثر قرباً إلى وصف طبيعة موقف إسرائيل من مصر وعلاقاتها معها خلال فترة حكم مبارك. حيث ابتدأ ألوف بن مقالَه، الذي جاء تحت عنوان "صلاة لسلامة مبارك"، بقوله: إن الشخص الأكثر قرباً من رئيس الحكومة الإسرائيلية من بين جميع رؤساء العالم هو رئيس مصر "مبارك". ثم استند ألوف بن إلى مصدر إسرائيلي رفيع أكد أن العلاقة بين مبارك ونتنياهو "وثيقة أكثر بكثير ممّا تبدو عليه"، فقد أصبحت مصر بفضل مبارك حليفا استراتيجيا لإسرائيل بدل إيران، ومزودها الأساسي بالطاقة، كما إن مصر منحتها التكئة الاستراتيجية، وضمنت لها الاستقرار الأمني، وبفضل السلام بين مصر وإسرائيل تقلص عبء ميزانية الأمن الإسرائيلي، وخُفض عدد الجيش، وصمد هذا السلام أمام امتحانات الحروب والانتفاضات في الجبهات الإسرائيلية الأخرى، والمسؤول عن هذا كله هو مبارك، الذي حكم بلاده أطول فترة منذ محمد علي؛ ونتيجة لكل ذلك فإنه "لو مُنح قادة إسرائيل اختيار أُمنية واحدة، كانوا سيطلبون إطالة حياة مبارك إلى الأبد"[1].
لكن أمنيات الإسرائيليين وصلواتهم لم تشفع في إطالة حكم مبارك، وعندما بدأت المظاهرات الشعبية وازداد زخمها يوما بعد آخر، صدمت إسرائيل وأصابتها الدهشة مما يحدث. كان الوضع مقلقا وحرجا إلى أقصى حد.. وهو قلق على مصير أهم حليف إقليمي في العقود الثلاثة الأخيرة، وطالما تمنت ـ بكل صدق ـ أن يظل حاكما لمصر إلى الأبد، وحرج من الموقف العلني الذي على إسرائيل اتخاذه من الثورة الشعبية؛ فإذا عبرت علناً عن موقفها الداعم لمبارك والمعارض لمطالب الثورة، فقد يصبّ ذلك الزيت على نار الثورة الملتهبة. ونتيجة لحساسية الوضع، أصدر مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية توجيهاً إلى جميع الوزراء والناطقين باسم الحكومة الإسرائيلية يطالبهم بعدم التطرق إلى ما يحدث بمصر في وسائل الإعلام، وفي الوقت نفسه أعلن مكتب كل من رئيس الحكومة ووزير الخارجية أنهما يتابعان عن كثب الأحداث في مصر، وأن وزارة الخارجية تعقد اجتماعات كل عدة ساعات لبحث تطورات الوضع في مصر وتقديرها [2].
وإزاء استمرار المظاهرات الشعبية في مصر، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في 29 يناير 2011 اجتماعا مطولاً مع قادة أجهزة الأمن ومستشاريه لشؤون الأمن، حول الأوضاع في مصر وإمكانية حدوث ثورة فيها وتأثير ذلك في إسرائيل. وفي أعقاب هذا الاجتماع صرح مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى بأن ما يحدث في مصر يتسم بعدم الوضوح، ولم يقدّر أحد بشكل صحيح التطورات في مصر، وأن "الجميع يريد أن يعتقد بأن الخطوات التي اتخذها مبارك ستؤدي إلى وقف أعمال الشغب". وأضاف المسؤول نفسه: إذا استمرت "أعمال الشغب"، وقادت إلى استقالة مبارك في نهاية الأمر، فإن كل شبكة العلاقات بين إسرائيل ومصر سيتم بحثها[3].
ونتيجة لحساسية الوضع، أصدر وزير الخارجية الإسرائيلية تعليمات صارمة للمسؤولين في وزارته بعدم السماح للصحفيين بالدخول إلى وزارة الخارجية وعدم الحديث مع الصحفيين حول مصر؛ لأن "الموضوع حساس للغاية، وكل تصريح يمكنه أن يسبب أذى". وكذلك بادرت وزارة الخارجية الإسرائيلية ونقلت عائلات الدبلوماسيين الإسرائيليين من مصر إلى تل أبيب بطائرة خاصة نتيجة لخطورة الوضع وحساسيته [4].
إسرائيل تنفرد في الدفاع عن مباركلم تفاجَأ إسرائيل من اندلاع الثورة المصرية ومن زخمها فقط، بل امتد ذلك إلى مواقف قادة أمريكا وأوروبا الضاغطة على مبارك من أجل إجراء إصلاحات، وعدم استعمال القوة في قمع المتظاهرين. وفي الوقت الذي حاولت فيه حكومة إسرائيل ـ في بداية الثورة ـ عدم التطرق علناً لما يحدث في مصر، فإنها نشطت دبلوماسيا للدفاع عن مبارك لدى الدول الكبرى، كما حاولت التأثير في مواقف هذه الدول.فبعد بدء الثورة المصرية بعدة أيام أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات سرية إلى سفراء إسرائيل في أكثر من عشر دول مهمة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وكندا وعدد من الدول الأوروبية ذات الأهمية، وأمرتهم بالاتصال فوراً بالسلطات العليا في هذه الدول، والطلب من قادتها وقف انتقاد الرئيس المصري مبارك، والتأكيد لقادة هذه الدول على أن الاستقرار في مصر سيؤثر بدوره في مجمل الاستقرار في جميع أرجاء الشرق الأوسط[5].
وذكرت صحيفة هآرتس أنه يسود امتعاض في إسرائيل من موقف كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من "الأحداث" في مصر. وذكر مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أن الأمريكيين والأوروبيين ينجرون وراء الرأي العام ولا يفكرون في مصالحهم الحقيقية. وأضاف: حتى وإن كانت هناك انتقادات لمبارك فينبغي الوقوف معه و"منح الأصدقاء شعورا بأنهم ليسوا وحدهم. ففي الأردن والسعودية يرون رد فعل الغرب، وكيف يترك الجميع مبارك، وستكون لذلك نتائج وخيمة"[6].
انفردت إسرائيل عن بقية دول العالم باستمرارها في دعم مبارك ونظامه والدفاع عنه والتحذير من مخاطر إسقاطه، على الرغم من تعاظم المظاهرات وازدياد زخمها يوما بعد آخر. واستعملت إسرائيل ثنائية الإسلام السياسي الراديكالي، في مقابل استقرار نظام الحكم المستبد "المعتدل" في سياسته تجاه إسرائيل والغرب.. فقد حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، في خطاب بالقدس أمام اجتماع أصدقاء إسرائيل من البرلمانيين الأوروبيين، من إمكانية أن تستولي "قوى إسلامية متطرفة" على الحكم في مصر، إذا ما سقط حكم مبارك، وأن تسير مصر عندئذ خلْف النموذج الإيراني. وادعى نتنياهو، بعد أن أسهب في توضيح مخاطر الثورة على الاستقرار في مصر والمنطقة، "بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لها قيم ومصالح متماثلة مع تلك الموجودة في أوروبا"[7].
الفشل في توقع الثورة
تفاجأت إسرائيل من حدوث الثورة في مصر ونجاحها في إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك، فقد اعتقد الإسرائيليون أن نظام مبارك مستقر، وأن مبارك سيورث الحكم لابنه جمال أو لعمر سليمان، غير أن المفاجأة شملت جميع من يتابع الوضعيْن المصري والعربي؛ من أجهزة مخابرات ومراكز أبحاث وخبراء الشؤون العربية وأساتذة الجامعات والصحفيين والساسة والقادة العسكريين. وجاءت هذه المفاجأة رغم الضوء الأحمر الذي أشعلته الثورة التونسية، ورغم إرهاصات المظاهرات المنادية بالديمقراطية وازدياد حركة الاحتجاج ضد التوريث وتكاثر الإضرابات العمالية في مصر. كما لم تكن مفاجأة إسرائيل من اندلاع الثورة فقط، لكنها جاءت من الشكل الذي جرى به إسقاط مبارك أيضا، فضلا عن رد فعل أمريكا وأوروبا عند تخليهما عن مبارك.لقد تمسك كل من جهاز المخابرات العسكرية (أمان) وجهاز الموساد، حتى اندلاع الثورة، بالتقييم الذي أكد "أن نظام الحكم في مصر مستقر"، وأنه "لا يوجد عليه خطر آني"[8].
ولم تفشل إسرائيل في توقع حدوث الثورة فقط، وإنما فشلت ـ أيضا ـ في قراءة الواقع وتفسيره عندما بدأت الثورة؛ فقد أكد رئيس جهاز المخابرات العسكرية (أمان) الجنرال أفيف كوخافي، بعد مرور عدة أيام على بدء المظاهرات الجماهيرية، أنه "لا توجد خشية على استقرار الحكم في مصر"[9]. وفشل أيضا رئيس جهاز المخابرات العسكرية الأسبق أهرون زئيف فركش في قراءة الواقع؛ إذ أكد في مقابلة له مع راديو إسرائيل أن فرص نجاح الجيش المصري في قمع المتظاهرين المصريين، وفي استعادة النظام والهدوء، ووضع حد للمظاهرات، مرتفعة للغاية. واستنكر فركش في المقابلة نفسها مواقف الولايات المتحدة وأوروبا من الثورة، وقال: إنه لا يفهم هذه المواقف ولا يفهم دعمها "لدمقرطة" مصر[10].
وشبّه الصحفي الإسرائيلي ألوف بن فشلَ إسرائيل ـ خاصة جهاز المخابرات العسكرية (أمان) ـ في توقع حدوث الثورة المصرية، بالفشل في توقع حدوث حرب أكتوبر عام 1973. وعزا ألوف بن أسبابَ هذا الفشل إلى العوامل التالية:أولاًـ كانت الفكرة السائدة في أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث ولدى خبراء الشؤون العربية على اختلاف اتجاهاتهم، أن في مصر نظاما قويا ومعارضة ضعيفة تخضع لرقابة صارمة.ثانياًـ كثفت أجهزة الأمن الإسرائيلية نشاطها ـ منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر ـ حول ما يجري في الساحات الفلسطينية والسورية واللبنانية والإيرانية، وخفضت من متابعتها العميقة لما يجري في مصر.ثالثاـ أسهمت العلاقات الوطيدة والمباشرة التي نشأت بين قيادات الأجهزة الأمنية في البلدين، وكذلك العلاقات المباشرة والودية بين القيادات السياسية، في تبني وجهة نظر ترى أن الأوضاع في مصر مستقرة[11].
"الديمقراطية ليست للعرب"هناك موقفان متأصلان في إسرائيل، وفي ثقافتها السياسية تجاه العرب، وهما: العداء للوحدة العربية، والعداء للديمقراطية في الدول العربية. ويعود هذا العداء أساساً إلى أسباب سياسية؛ فقادة الصهيونية وإسرائيل اعتقدوا ـ وما زالوا ـ أن الديمقراطية والوحدة العربية تعززان من قوة العرب، وتفتحان المجال واسعاً ـ في المدى المتوسط والبعيد ـ لمقاومة إسرائيل وربما هزيمتها.لقد عالج ذلك دافيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل وواضع نظرية أمنها، حيث كتب في يومياته بتاريخ 29 يناير 1949 ـ عقب اطلاعه على برنامج حزب عربي ظهر في أواخر الأربعينات ـ الآتي: "أخيراً ظهر العرب الذين يرون الوضع بشكل واضح". وأضاف: إن هذا الحزب ينادي بالوحدة العربية، و"يرى أن الشعب هو مصدر السلطة، ويؤمن بحق الجميع في المساواة في الحقوق والواجبات"، وينادي بحرية الفرد في العيش بكرامة، وبالحرية من الاستعمار. ثم عبر بن غوريون عن خشيته من أن يسير العرب في الطريق التي ينادي بها هذا الحزب، فكتب: "هذه هي الطريق للعرب، وطيلة الوقت وأنا أخشى أن يقوم قائد عربي ليقود العرب في هذه الطريق. إنهم يتجاهلون المعوقات الداخلية والخارجية والزمن المطلوب لوحدة العرب. يا ويلنا ويا ويلنا إذا لم نعرف استغلال هذا الزمن لنكبر ونتحصن ونحتل مكانة في العالم..."[12].
منذ أن اندلعت الثورة المصرية في يناير 2011 هيمنت الخشية على الغالبية العظمى من المسؤولين الإسرائيليين من أن تقود هذه الثورة إلى إقامة نظام ديمقراطي في مصر، وشاركهم الشعور ذاته المحللون ووسائل الإعلام والخبراء في الشؤون العربية وغيرهم من الذين تطرقوا إلى الثورة المصرية. وعبر هؤلاء عن الخشية من "خطر" الديمقراطية في مصر بأشكال تنوعت بين الصراحة والإخفاء.وقد بلغ العداء الإسرائيلي لقيام نظام ديمقراطي في مصر والخشية منه حداً أثار الصحفي والكاتب الإسرائيلي عوفر شيلح، الذي عالج هذه المسألة في مقال له تحت عنوان "الديمقراطية ليست للعرب"، حيث استهل مقاله بالتأكيد على أنه "لا يوجد إسرائيلي عاقل لا يخشى من نتائج الأحداث في مصر"، خاصة أن اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر مهمة للغاية، وأي إخلال بها يؤثر في جميع نواحي الحياة في إسرائيل. وأضاف عوفر شيلح: "هناك شيء واحد أسمعه من الناطقين باسم إسرائيل ومن جزء كبير في الجمهور الإسرائيلي وهو: الديمقراطية ليست للعرب. فمثلاً سمعنا أمس "جنرال" يقول ذلك بوضوح: إن الديمقراطية ليست للعرب، وإنهم غير جديرين بها، وإن ما تحتاج إليه إسرائيل هو أنظمة حكم عربية مستقرة وغير ديمقراطية. وبكلمات بسيطة: نحن نريد حكاماً عرباً مستبدين يعتمدون على الغرب".ثم حلل عوفر شيلح هذه الرؤية الإسرائيلية التي تنادي بأنظمة حكم عربية دكتاتورية، واستخلص أن وراءها دافعين: أولهما، الخشية من أن توصل الديمقراطيةُ الإسلام السياسي إلى سدة الحكم. وثانيهما، مصدره الاستعلاء الإسرائيلي.. فالاستعلاء "بات حاجة وضرورة نفسية لنا بأن يكون العرب متخلفين وظلاميين، وغير جديرين بنيل حقوق إنسانية أساسية". فهم ـ وفق الرؤية الإسرائيلية ـ متخلفون مئات السنين عن الغرب وعن إسرائيل؛ بسبب ثقافتهم وتقاليدهم وطابعهم الجماعي غير القابل للتغيير. لذلك من الأفضل لهم وللعالم أن تحكمهم أنظمة دكتاتورية تستند في حكمها إلى القوة العسكرية، وتورث الحكم إلى الأبناء. فالحرية ليست جيدة لهم؛ لأن طابعهم الظلامي يتفجر إلى الخارج في موجات من العنف ضد محيطهم في حال نيلهم الحرية، وكل من يفكر خلاف ذلك ـ "خاصة الغرب المتكلس والرجل الساذج في البيت الأبيض ـ فإنه ببساطة لا يفهم الحياة، أو لا يعيش هنا مثلنا".وأكد عوفر شيلح أن هذه الرؤية الإسرائيلية سائدة بين الإسرائيليين بغض النظر عن تصنيفات يسار ويمين؛ فاليسار الإسرائيلي ـ الذي تعود جذوره إلى أولئك الذين هاجروا إلى البلاد من أجل تأسيس "فيلا في الغابة"، وحملوا مقولة "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن"، ويمتاز باستعلائه هذا ـ ليس أقل من اليمين.وفي ختام مقاله ميز عوفر شيلح موقفه عن الرأي السائد بين النخب والعامة في إسرائيل بخصوص مسألة الديمقراطية في الدول العربية بقوله: "أنا لا أعرف ماذا سيكون في مصر... أنا أعرف إذا كانت الديمقراطية جيدة لنا، فهي جيدة أيضاً للعرب"[13].
تأثير الثورة المصرية في إسرائيل
أولت المؤسسة الأمنية والقادة الإسرائيليون والباحثون وأساتذة الجامعات والصحفيون وخبراء الشؤون العربية اهتماماً كبيراً بتأثيرات الثورة المصرية في إسرائيل، وشمل ذلك مجالات واسعة، يأتي في مقدمتها: مستقبل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وطبيعة العلاقات الثنائية المستقبلية، وانعكاسات الثورة المصرية على وضع إسرائيل العسكري، وعلى ميزان القوى في المنطقة، وتركيبة الجيش الإسرائيلي وحجمه، ووضع إسرائيل الاقتصادي والسياسي، ومكانة إسرائيل ودورها في المنطقة، والقضية الفلسطينية بملفاتها المختلفة.ومن أجل تغطية هذه المواضيع، سنقوم بعرض مواقف نخبة واسعة من الإسرائيليين، وتحليل كتاباتهم وخطاباتهم حول تأثيرات الثورة المصرية في إسرائيل والمنطقة.
في الأسبوع الأول للثورة المصرية، حلل عاموس هارئيل تأثيرات هذه الثورة في إسرائيل إذا نجحت في الإطاحة بمبارك، فذكر أنه إذا أسقطت الثورة مبارك فسيكون لذلك تأثيرات أمنية كبيرة على المستويين القريب والبعيد؛ فعلى المدى القريب سيتضرر التنسيق الأمني الخفي الجاري بين مصر وإسرائيل، ويحدث انفراج في علاقات مصر مع حكومة حماس في قطاع غزة، ويقود إلى المساس بمكانة القوة متعددة الجنسيات في سيناء، ومنع السفن الحربية الإسرائيلية من المرور في قناة السويس، خاصة تلك التي استعملت في العامين الأخيرين في مكافحة تهريب السلاح من السودان إلى قطاع غزة. أما على المدى البعيد، فأشار عاموس هارئيل إلى أنه إذا جاء نظام حكم راديكالي فسيجمد السلام بين إسرائيل ومصر تجميداً حقيقياً، وإذا حدث هذا الأمر، فإنه يستدعي إعادة تنظيم الجيش الإسرائيلي مجدداً لكي يتجاوب مع الوضع الجديد. فمنذ عقدين ونيف والجيش الإسرائيلي لا يشمل في خططه إمكانية حدوث خطر من مصر؛ فالسلام أمكن إسرائيل من تقليص حجم الجيش الإسرائيلي وتخفيض جيل الخدمة في جيش الاحتياط، وتوجيه الموارد والميزانيات إلى أهداف اقتصادية واجتماعية. علاوة على ذلك، تركزت التدريبات والتمارين والخطط العسكرية في العقدين الأخيرين حول المواجهة مع الفلسطينيين وحزب الله وسوريا، ولم يستبعد الجيش الإسرائيلي ـ حقيقة ـ سيناريو المواجهة العسكرية مع مصر[14].
وعالج الجنرال عاموس يدلين ـ بعد أسابيع قليلة من انتهاء فترة رئاسة جهاز المخابرات العسكرية (أمان) في محاضرة له في مؤتمر هرتسليا ـ الوضع في مصر وتأثيره في إسرائيل فقال: "إذا صحّت التوقعات السوداء وتحققت"، وسقط نظام مبارك، فإن ذلك يقود إلى "الحديث عن ميزانية مختلفة للأمن، وبناء قوات الجيش بشكل آخر تماماً". فإذا عادت مصر وأصبحت عدواً، فسيؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في عدد الفرق والألوية في الجيش الإسرائيلي. وأشار عاموس يدلين إلى أن ذلك لن يحدث بسرعة لأن تغيير النظام يستغرق وقتاً، وكل نظام جديد في حاجة إلى وقت إضافي من أجل بناء نفسه. وفي هذه الأثناء بوسع إسرائيل بناء قوة الجيش الإسرائيلي وفقاً للوضع الجديد، وهذا يستغرق سنوات[15].
كما عالج أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس يحزقيل درور، المختص بالشؤون الاستراتيجية، تأثيرات الثورة المصرية والثورات العربية الأخرى في إسرائيل، ورأى أنها تُدخل المنطقة إلى مرحلة جديدة، وعلى إسرائيل أن تستعد لها. وانتقد الفشل المخابراتي الإسرائيلي في قراءة الوضع في مصر والدول العربية الأخرى و تقويمه.وأشار إلى أن الدراسة المعمقة للمجتمع المصري، والتغييرات التي تجري في داخله، تهز فرضيات كثيرة كانت سائدة في إسرائيل، خاصة لدى أجهزة الأمن حول إمكانية حدوث ثورة في مصر. وأضاف: إن من شأن الدراسات المعمقة أن تهز أيضاً فرضيات مألوفة حول تأثير الدول العظمى؛ فهي لا تستطيع منع حدوث ثورة، وحتى إذا تدخلت عسكرياً فلن يجلب تدخلها هدوءً. لذلك تعمل الدول العظمى في هذه الحالات على تكييف نفسها مع الواقع الجديد، بدل أن ترسم الواقع وتحاول فرضه، بما في ذلك التخلي عن أصدقاء مثل مبارك. وهذا درس مهم، وفق يحزقيل درور، وعلى إسرائيل أن تتعظ به؛ لأن استمرار تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل ليس مضموناً في المدى البعيد.ويرى يحزقيل درور أن الثورات في مصر وغيرها من البلدان العربية تعزز من مكانة إسرائيل الجيو - استراتيجية، باعتبارها دولة مستقرة وديمقراطية وقوية في منطقة تتعرض لدوامةٍ وعدم استقرار، وتحتل أهمية عالمية. ويوصي بأن على إسرائيل استثمار هذا الوضع لتعزز من مكانتها الدولية، وفي الوقت نفسه لا بد من اليقين بأن الصراع العربي - الإسرائيلي ليس هو العامل الأساس في عدم الاستقرار في المنطقة.
وأشار يحزقيل درور إلى أن "الأحداث" في مصر تثبت ازدياد قوة "الشارع"، وقد يقود هذا إلى وصول فئات جديدة إلى سدة الحكم تناصب إسرائيل العداء؛ لذا ينبغي على إسرائيل أن تستعد للوضع الجديد، وأن تتوجه إلى جيل الشباب في الدول العربية من خلال الشبكات الاجتماعية ووسائل الاتصال الأخرى، وتروج لفكرة أنها ترغب في السلام، وفي تطوير المنطقة اجتماعياً واقتصاديا. كما دعا إلى تعزيز قدرة الردع الإسرائيلي لكي يكون واضحاً للعرب أن حرباً ضد إسرائيل تؤدي إلى دمار المبادرين لها، بالإضافة إلى تطوير أدوات القمع الإسرائيلية التي يمكنها إنهاء مظاهرات واحتجاجات جماهيرية واسعة، إذ قد يلجأ الفلسطينيون في المناطق الفلسطينية المحتلة إلى أسلوب النضال الجماهيري السلمي، الذي يعتمد أساساً على المظاهرات الشعبية الواسعة، ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي كل الأحوال، رأى درور أنه ينبغي ملاءمة سياسة الأمن الإسرائيلي للواقع الجديد، وأنه يجب عدم استثناء إمكانية حدوث حرب، بيد أنه لم يحدد الدولة أو الجهة التي قد تحدث الحرب معها.
واستخلص درور من قراءته عمقَ التغييرات في المنطقة جراء الثورات العربية، وأنه ينبغي عدم الثقة في استقرار اتفاقات السلام القائمة بين إسرائيل والعديد من الدول العربية في محيط يميل إلى الثورة أو "الدوامة" كما يطلق درور عليها. ومن أجل تقليص إمكانية استثمار الطاقات الكامنة في هذه "الدوامة" واستثمارها ضد إسرائيل، رأى درور أنه ينبغي عقد رزمة من اتفاقات سلام بين إسرائيل والدول العربية، والتوصل "إلى تسوية شرق أوسطية شاملة، تتضمن قيام دولة فلسطينية وانسحابات إسرائيلية وتسوية قضية اللاجئين وإعطاء مكانة ملائمة للمسلمين في الأقصى وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ومعظم الدول العربية والإسلامية"[16].
القيود و"المصلحة الاقتصادية المصرية"اتسم الموقف الإسرائيلي من الثورة المصرية بالتوتر والعداء، وجنح في كثير من الأحيان إلى المبالغات وعدم الاتزان؛ إذ إن الثورة المصرية ـ بحد ذاتها ومن ثم نجاحها في إسقاط حليف إسرائيل مبارك ـ خشية أن يغير النظام الجديد طبيعة العلاقات بين مصر وإسرائيل، ورافق هذه الخشية تصريحات وكتابات لمسؤولين ومحللين إسرائيليين بالغت كثيراً في ما قد يقْدم عليه النظام الجديد في مصر، مثل: إلغاء اتفاقية السلام، وطرد القوة متعددة الجنسيات، وإغلاق قناة السويس وخليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، وازداد التوتر الإسرائيلي حدة نتيجة وقف مصر تزويد إسرائيل بالغاز عدة أسابيع، بعد أن تعرض أنبوب الغاز في سيناء إلى تفجير.في هذه الأجواء نشر يتسحاق غال، الباحث في "مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط" التابع لجامعة تل أبيب، مقالاً حلل فيه واقع الاقتصاد المصري، وتوصل إلى أن الحفاظ على استقرار علاقات مصر مع إسرائيل "أمر حيوي بالنسبة إلى الاستقرار الاقتصادي في مصر، وإلى استقرار النظام الجديد الذي سينشأ هناك بغض النظر عن طبيعته؛ فالعلاقات المستقرة مع إسرائيل تؤثر تأثيراً مباشراً وغير مباشر في قطاعات أساسية في الاقتصاد المصري، وفي المصالح البالغة الأهمية المتصلة بالعلاقات الاقتصادية الخارجية المصرية"[17].
وهذه القطاعات هي: قطاع الطاقة ومشتقاته المختلفة، قطاع السياحة وقناة السويس، المساعدات الأمريكية والدولية، الحجم الكبير للاستثمارات الأجنبية والزيادة الكبيرة في تحويلات الأموال الأجنبية إلى المصارف المصرية.وذكر يتسحاق غال أن قطاع الطاقة وفروعه المختلفة ومشتقاته يشمل: النفط والغاز للاستهلاك والتصدير، وتصنيع وتكرير النفط، وتزويد السوق المصري بالمواد البتروكيماوية، وإنتاج الكهرباء، ويوازي حجم المساهمة الشاملة لهذا القطاع في ميزان المدفوعات المصري 25 مليار دولار. وتنبع حساسية هذا القطاع في العلاقة مع إسرائيل، وفق ما ذكره يتسحاق غال، من كون الجزء الأكبر من استخراج النفط والغاز يجري في حقول قريبة من إسرائيل؛ ومن ثم فأي زعزعة للوضع الأمني في مواجهة إسرائيل قد يضر مباشرة بهذا القطاع. وما يضاعف حساسية الوضع الأمني هو أن غالبية هذه الحقول بحرية، مما يجعلها عرضة للهجوم في حالة عدم وجود استقرار أمني. علاوة على ذلك، فهناك عشرات الشركات الدولية التي تعمل في هذه الحقول، بالإضافة إلى 500 شركة خدمات دولية، وكل هذه الشركات لا يمكنها العمل في مناطق عرضة للخطر الأمني.وأشار يتسحاق غال إلى أن قناة السويس والسياحة في مصر ستكون مكشوفة للأذى في حال زعزعة الاستقرار بين مصر وإسرائيل. وهذان قطاعان مهمان في الاقتصاد المصري، فقد بلغت مداخيل قناة السويس في الأعوام الأخيرة خمسة مليارات دولار سنوياً عبر رسوم عبور القناة، وأكثر من مليار دولار أخرى مقابل خدمات مرفقة. أما قطاع السياحة، فقد نجحت مصر في رفع عدد السياح الذين يزورونها إلى 14 مليون سائح في سنة 2010، منهم 3 ملايين سائح يقصدون سيناء في العام الواحد، فضاعفت بذلك أربع مرات مداخيل السياحة خلال عقد واحد.
ويرى يتسحاق غال أن مداخيل مصر من الحجم الكبير للاستثمارات الأجنبية والزيادة الكبيرة في تحويلات الأموال الأجنبية إلى المصارف المصرية، والمساعدات الأمريكية والدولية، تبلغ ما نسبته 35% - 40% من مجموع الصادرات المصرية، وتساوي دخل مصر من قناة السويس والسياحة معا. ونوه إلى أن حساسية الاقتصاد المصري إزاء العلاقات مع إسرائيل لا تعود إلى العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، وإنما إلى تأثير تدهور هذه العلاقات وتوتر الوضع الأمني، بشكل مباشر وغير مباشر، في العلاقات الاقتصادية المصرية مع الولايات المتحدة وأطراف أخرى. فحجم العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل ليس كبيراً، بل ثانوياً جداً بالنسبة إلى تجارة مصر الخارجية[18]."الهزة الأرضية" والعملية السياسيةنظم معهد دراسات الأمن القومي ـ في 13 مارس 2011 ـ يوماً دراسياً حول أثر الثورات العربية ـ خاصة الثورة المصرية ـ في المسيرة السياسية، وشارك فيه نخبة من القادة السياسيين والأمنيين وأساتذة الجامعات والباحثين المختصين في القضايا العربية، وطرَح هؤلاء تحليلات وأفكاراً ومواقف مثيرة للاهتمام حول تأثير الثورات العربية في العملية السياسية وإسرائيل والمنطقة. ويتضح من مداخلات المشاركين إدراكهم أن الثورة المصرية، والثورات العربية الأخرى، أدخلت المنطقة وإسرائيل في مرحلة جديدة تضع تحديات جدية وحقيقية أمام إسرائيل. وسنعرض بإيجاز أهم ما جاء في هذه المحاضرات[19].
تسيبي ليفني: اعتبرت تسيبي ليفني، رئيسة حزب كاديما ورئيسة المعارضة في إسرائيل، أن المنطقة تشهد عملية تاريخية مهمة، ويصعب توقع نتائجها ومعرفتها، وعلى إسرائيل أن تحدد ما تريد بوضوح ودون انتظار نتائج هذه الثورات، ولا تنتظر تطورات الأحداث في المنطقة إذا أرادت التسوية مع الفلسطينيين، وإذا كان لدى أحد شك في ذلك، فليسأل نفسه: هل كان يفضل أن يرى "أعمال الشغب" في المنطقة وإسقاط النظام في مصر بعد اتفاق السلام مع مصر أو قبل ذلك؟! فمن الواضح للجميع أنه من الأفضل لإسرائيل أن تكون في حالة سلام مع الدول العربية قبل حدوث الثورات فيها، وهناك قادة إسرائيليون قالوا في الماضي: إنه من غير المقبول توقيع اتفاق سلام مع دول عربية غير ديمقراطية، واليوم هم أنفسهم يعارضون التوصل إلى اتفاق سلام؛ لأن هذه الدول في طريقها إلى الديمقراطية.
وأضافت ليفني: عندما خرج الشباب في العالم العربي إلى الشوارع، لم يخرجوا بسبب إسرائيل، وإنما من أجل حقوقهم. ولكن من الواضح أيضاً أن "فئات متطرفة" ستحاول استغلال الفرصة والحصول على مزيد من القوة من خلال الانتخابات، وستستغل هذه الفئات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من أجل زيادة قوتها؛ ومن ثم فينبغي حل هذا الصراع الآن وعدم تأجيله، وإنزاله من جدول أعمال المنطقة. وفي المقابل يتوجب القيام بحملة عالمية تسعى إلى وضع قانون عالمي يمنع "الجماعات العنصرية أو تلك التي تستعمل العنف" من المشاركة في الانتخابات في الدول العربية، ويشترط على كل من يشارك في الانتخابات معارضة العنف وقبول قوانين الدولة وقبول الاتفاقات التي وقعت عليها الدولة.. فمن شأن ذلك كله أن يوجه العملية الديمقراطية في المنطقة بشكل إيجابي.إيهود براك: أكد إيهود براك ـ وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس حزب "الاستقلال" الذي أسسه براك حديثاً ـ بعد استقالته من رئاسة حزب العمل وانسلاخه عنه، أن إسرائيل تعيش فترة حرجة تجري فيها عمليتان أساسيتان، ولهما تأثيرهما المهم في إسرائيل:تتعرض الأنظمة العربية إلى "هزة أرضية" لم تشهدها المنطقة منذ سقوط الدولة العثمانية.
يدور حول إسرائيل تسونامي سياسي - دبلوماسي، سيبلغ ذروته في سبتمبر من العام الحالي، ويحمل هذا التسونامي بين أمواجه محاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل، ويهدف إلى دفع إسرائيل للنقطة التي بدأ منها انهيار نظام الأبارتهايد في دولة جنوب أفريقيا.وأشار براك إلى أنه لا يوجد خطر من مصر في المدى القريب، فاستقرار الحدود مهم أيضاً لمصر، ولكن ربما تضعف السيطرة المصرية على سيناء، وقد يجري تهريب السلاح وتحدث مشاكل صغيرة على الحدود في سيناء.وقال براك إنه من الصعب القيام بعملية سياسية؛ فدور الولايات المتحدة ضعف في المنطقة، ومن الصعب الحصول على دعم الجامعة العربية لمثل هذه العملية بعد سقوط مبارك والتغييرات في مصر والمنطقة. فالقيادات الاستبدادية، كما ذكر براك، تظهر مسؤولية كبيرة في الحفاظ على استقرار المنطقة؛ ومن ثم تكون مريحة لإسرائيل أكثر من شعوبها. وسيؤدي تضاعف أهمية الجماهير والرأي العام العربي، على إثر الثورات في المنطقة، إلى تكاثر الصعوبات أمام استعداد قادة الدول العربية للتوصل إلى تسوية مع إسرائيل،, وينبغي على إسرائيل القيام بمبادرة سياسية، رغم صعوبتها، لأن من شأن ذلك أن يقلص المخاطر المتربصة بإسرائيل، كما يتوجب عليها تقديم المبادرة من أجل وقف التسونامي السياسي - الدبلوماسي، ومن أجل الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، وإحداث اختراق أو على الأقل إدارة جيدة للصراع مع الفلسطينيين والعرب الآخرين. وحتى إذا ما فشلت المبادرة الإسرائيلية بسبب رفض فلسطيني لها، فإن طرحها يخدم إسرائيل لجهة وقف عملية عزلتها الدولية. إن ذلك مصلحة حيوية لإسرائيل.إن عدم الوضوح السائد حالياً في المنطقة جراء الثورات العربية يفرض على إسرائيل أن تظل يقظة وقوية جداً عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، ولن يكون بمقدور إسرائيل تخصيص الميزانيات للاستعدادات الأمنية لمواجهة التهديدات والمخاطر الناجمة عن التغييرات في مصر والدول العربية، على حساب الاقتصاد والمجتمع؛ مما يجعل إسرائيل في حاجة أكثر إلى الدعم الأميركي، علاوة على ذلك، فمن غير المؤكد أن لا تصل موجة المظاهرات السلمية إلى المناطق الفلسطينية، وهذا يضيف تحديات وأعباء أخرى أمام إسرائيل.
(*) المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

2011-05-04