ارشيف من :خاص

الموقف الإسرائيلي من الأحداث في سوريا

الموقف الإسرائيلي من الأحداث في سوريا

كتب محرر الشؤون العبرية

تكتسب دعوة وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك مسؤولي الكيان العبري إلى عدم الخشية من حصول تغيير في سوريا، أهميتها لأنها تكسر حاجز الصمت الذي يلف القيادة السياسية العليا، ولأنها تصدر عن شخصية رسمية تتولى حقيبة وزارة (الحرب)، وتنطلق في مواقفها من اعتبارات إستراتيجية وأمنية. وعليه يمكن القول إن موقف باراك، يعبر إما عن الاتجاه الرسمي للحكومة، أو في الحد الأدنى، عن احد الاتجاهات السائدة، ويكشف عن تقديرات محددة تجاه التداعيات التي يمكن أن تترتب على إسقاط النظام السوري.

لماذا يؤيدون إسقاط النظام؟
بالرغم من الاهتمام الإعلامي الإسرائيلي الكبير بالتطورات في سوريا، إلا أن القيادة السياسية الرسمية لم تواكبها كما فعلت إزاء التطورات الداخلية في مصر حيث أجمعت ـ في حينه ـ التيارات والمؤسسات الإعلامية والسياسية والاستخبارية كافة، على خطورة تداعيات سقوط نظام مبارك، من النواحي السياسية والأمنية على الكيان الإسرائيلي، ووصلت إلى حد مطالبة الولايات المتحدة باستنفاد جميع وسائل دعمه لبقائه في منصبه، كما أشارت تقارير إعلامية. في المقابل، غلب الصمت على ردود فعل المسؤولين الرسميين في تل ابيب، ووصل إلى حد امتناع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن الرد على سؤال، خلال زيارته إلى فرنسا، حول إن كان ينبغي على الرئيس السوري بشار الأسد الاستقالة من منصبه، لكن موقف باراك كان أكثر صراحة وخروجاً على هذا الصمت.

فيما يتعلق بموقف مؤيدي إسقاط النظام في سوريا، يبدو أن هؤلاء يرون أن "إسرائيل" ـ ومعها الولايات المتحدة ـ استنفدت كل وسائل الترغيب والترهيب معه لإجباره أو إقناعه بضرورة استبدال خياراته الإقليمية، وبالتالي لم يعد أمامها أي خيارات أخرى.

وفي التفصيل، ينطلق هؤلاء من الحقيقة التي لا يمكن القفز فوقها وهي أن كل الهزائم والضربات التي تلقتها " إسرائيل" في لبنان، منذ انطلاقة المقاومة وصولا إلى دحر الجيش الإسرائيلي في العام 2000، ثم الهزيمة التي تلقاها المخطط الأميركي في لبنان الذي بدأ بإخراج الجيش السوري منه في العام 2005، ثم فشل حرب العام 2006، وما تلاها من تعاظم قدرات حزب الله العسكرية والصاروخية... ما كانت لتتحقق لولا الدعم والاحتضان السوريان. ولا شك أن الدور السوري في كل هذه التطورات حاضر بقوة لدى صناع القرار السياسي الأمني في الكيان الإسرائيلي. كما إن أحد التقديرات السائدة في الكيان العبري هو أن النظام السوري يناور فيما يتعلق بعملية التسوية، أكثر من كونه يملك نيات جدية للتوصل إلى صيغة تسوية نهائية تلبي الشروط والمطالب والهواجس الإسرائيلية. هذا إلى جانب الموقف السوري الحاضن والداعم لفصائل المقاومة الفلسطينية على كل المستويات.

وعليه، من الطبيعي أن تصب أي عملية إضعاف للنظام السوري أو إسقاطه في مصلحة "إسرائيل" مباشرة. وخصوصاً ان ذلك يُساهم في عملية احتواء الخطر الإيراني وقطع جسور التواصل بين طهران وحلفائها في لبنان، مع كل ما قد يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات سياسية وأمنية.

المخاوف الإسرائيلية
بموازاة المصالح الإسرائيلية الكامنة في إسقاط النظام السوري، هناك العديد من المعطيات والتقديرات التي تكشف عن أن هناك أسبابا واقعية للقلق الإسرائيلي: من المشكوك به أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها يتحكمون بمسار التطورات في سوريا، بمعنى آخر، انه في حال سقوط النظام السوري لا يوجد ما يضمن إعادة بناء نظام سوري جديد يتبنى توجهات أنظمة الاعتدال العربي، بل يمكن أن تتجه الأمور نحو الفوضى والحرب الأهلية التي قد لا تجد لها أفقاً، والتي ستنعكس على المحيط المباشر لسوريا ومن ضمنها "إسرائيل".

هذا فضلا عن عدم إمكانية الجزم بما سيؤول إليه وضع الجبهة بين سوريا وإسرائيل، الهادئة منذ حرب تشرين في العام 1973. وخصوصا انه في حال ضعف السلطة المركزية في سوريا فإن ذلك سيبقي الباب مفتوحا أمام النفوذ الإيراني بأساليب جديدة ووفق معادلات مغايرة.

من جهة أخرى، تخشى "إسرائيل" والولايات المتحدة من أن يؤدي سقوط النظام إلى انتقال ترسانة الأسلحة الصاروخية، بما فيها "الكيميائية"، السورية إلى منظمات وجهات تصفها إسرائيل بالإرهابية التي قد لا تلتزم بمعادلات معينة في عملية استخدامها. وبدا أن هذا التهديد حاضر في مواقف وتقديرات العديد من الشخصيات المتابعة للحدث السوري من معلقين أو شخصيات كانت تتولى مناصب هامة، فضلا عن المؤسسة الرسمية العسكرية والاستخبارية والسياسية.
أيضاً، في الطريق إلى سقوط النظام السوري تخشى "إسرائيل" من توتير الحدود معها... وبدا منذ بدء الأحداث في سوريا أن هذا الأمر كان حاضرا لدى المؤسسة السياسية والعسكرية والاستخبارية الإسرائيلية، رغم استبعاد لجوء النظام في هذه المرحلة إلى هذا الخيار. في ضوء ما تقدم، يلاحظ أن المصلحة الإسرائيلية تكمن في أصل إضعاف النظام أو نظام آخر به، يتبنى توجهات إقليمية مغايرة تجاه المقاومة وإيران و"إسرائيل"، في حين أن المخاوف والتردد ينطلقان من السلبيات والمخاطر الناتجة عن تداعيات عدم التحكم بمسار التطورات، أو مما قد يتخلل عملية الانتقال... ومن الأوراق التي قد يستخدمها النظام. إلى ذلك تعكس غلبة الانكفاء الرسمي عن المواكبة العلنية للتطورات في سوريا، رغم الاستثناءات المحدودة، إرباكاً وحيرة وخشية تسيطر على صانع القرار في تل أبيب.



2011-05-09