ارشيف من :آراء وتحليلات

الأطلسي وحلفاؤه في ليبيا: ماذا بعد النفق المظلم؟

الأطلسي وحلفاؤه في ليبيا: ماذا بعد النفق المظلم؟
 عقيل الشيخ حسين

تفيد تصريحات المسؤولين الأطلسيين وحلفائهم العرب المشاركين في الحرب الليبية، وفي جملتهم الناطقون باسم المجلس الوطني الانتقالي، أن نظام القذافي قد أوشك على الانهيار. ويروج للمقولة نفسها حشد من وسائل الإعلام العربية وفي طليعتها قناة الجزيرة.

ففي آخر تصريحات صدرت عنه، قال الأمين العام للحلف الأطلسي، أندرز فوغ راسموسن، في مقابلة مع الـ  بي بي سي، بأن زمن القذافي قد انتهى. لكنه قال أيضاً بأنه لا يتصور وقف الهجمات "الوحشية" التي تقوم بها قوات القذافي ما دام على رأس السلطة.

أي أن هذه القوات، رغم سقوط النظام "الوشيك" ما تزال قادرة على شن الهجمات، ما يعني أنها على الدفاع ما تزال أكثر قدرة. ورغم السقوط الوشيك، يعترف قائد الأطلسي بوجود حالة جمود ومراوحة في الوضع الليبي.  

ولا ينتهي سيل التناقضات: رغم هذا الواقع "الحربي" الكاشف عن حيوية كتائب القذافي وعن صعوبة الحسم، يصر راسموسن على ضرورة  الحل السياسي الذي بدأ التبشير به في مؤتمر "مجموعة الاتصال"  في الدوحة، ثم في مؤتمرها في روما، مروراً بمؤتمر القاهرة الذي ضم الأمم المتحدة والجامعة العربية.

لكنه يغرق في الوقت نفسه في الغرائبية : الحل السياسي شرطه خروج القذافي وأبنائه من ليبيا... ويكمل الناطقون باسم المجلس الوطني قائلين بأن المطلوب هوإطلاق الحوار بين المجلس وبين جهات ليبية أخرى، في وقت لا يلحظ فيه وجود طرف ثالث بين المجلس ونظام القذافي الذي ما يزال محتفظاً بقدرات هجومية ودفاعية، والذي لن يخرج من الساحة إكراماً لضرورات الحل السياسي.

وبعد الغرائبية، يأتي دور الركاكة وهزال الحجج: "الانتصار" الذي تمثل بهبوب رياح التغيير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبمقتل بن لادن يدفعان إلى التفاؤل بقرب الانتصار على القذافي، وفق ما يقوله راسموسن!

ما الذي يجري حقاًًًًًً ؟ بعد أشهر من بدء التدخل في ليبيا بموجب القرار 1973، وبالرغم من ضخامة الحشد العسكري، الجوي والبحري، حتى بعد انسحاب الأميركيين ثم عودتهم على أجنحة الطائرات بدون طيار، ومن إطلاق مئات الصواريخ من طراز توما هوك وكروز على ليبيا، بات من الواضح أن الحرب على ليبيا تعاني من عدم وضوح في استراتيجية الحلفاء، أو من صعوبات حقيقية تعترض طريق الحسم.

بالنسبة لفرضية عدم الوضوح، سبق للمجلس الوطني الانتقالي أن اشتكى وهدد باللجوء إلى مجلس الأمن في أجواء ما اعتبر تساهلاً أو تلكؤاً من قبل الحلفاء في مهاجمة القوة الضاربة لكتائب القذافي، أو ما أثار الارتياب بعدما استهدف الحلفاء بنيرانهم، عن قصد أو غير قصد إلى قوات الثوار وإلى المدنيين الليبيين.

وفي الإطار نفسه، لا يمكن للتساؤلات إلا أن تطرح نفسها عندما يتبين، في الوقت الذي يرفض فيه الغرب تسليح الثوار الليبيين، أن قوات القذافي ما تزال قادرة، رغم الحظر الجوي وطائرات أواكس والأقمار الصناعية، على نقل مروحيات مقاتلة فوق شاحنات مخصصة لنقل الدبابات بين مناطق ليبيا، وأيضاً على شن غارات جوية قيل بأن الطائرات التي استخدمت فيها هي من أنواع مخصصة لرش المبيدات الزراعية. وكأن رصد مثل هذه الطائرات من قبيل المستحيلات.

وعندما يطلب الأطلسيون من الثوار الليبيين أن ينسحبوا "تكتيكياً" من جبهة القتال المحتدمة حول البريقة، وهي الجبهة الهادئة تماماً منذ عشرين يوماً، بسبب ما سمي بـ "العواصف الرملية"، مقابل الجبهة المستعرة حول مصراطة وبعض مناطق الغرب الأخرى، وأن يتجهوا نحو أجدابيا شرقاً، بحجة تمكين الطائرات من القيام بمهامها في قصف قوات القذافي دون إحداث أضرار جانبية، فإن من المبرر فهم ذلك على أنه عودة إلى الدينامية السابقة التي تمثلت بالتناوب، في ظل "الإدارة" الأطلسية للعمليات الحربية، بين الثوار وكتائب القذافي في السيطرة على المنطقة الممتدة بطول مئات الكيلومترات بين سيرت وبنغازي.

أما بالنسبة للصعوبات التي تحول دون الحسم العسكري، فإن غير العسكريين باتوا يعلمون بأن القصف الجوي لا يكفي لكسب الحرب دون تدخل بري. وهنا، تطرح جملة تعقيدات في طليعتها خوف الأطلسيين من الوقوع في ورطة كتلك التي وقعوا فيها في أفغانستان والعراق، خصوصاً بعد أن انسحبت الولايات المتحدة عملياً من الحرب، وبعد أن بدأت دول أخرى بتقليص وجودها العسكري تمهيداً لنفض اليد من ليبيا.

كما أن الأطلسيين يمكنهم أن يحافظوا على ماء الوجه من خلال التذرع بالشرعية التي لا تسمح بالتدخل البري دون قرار جديد من مجلس الأمن، وهو القرار الذي لا يمكن الوصول إليه بسبب الاعتراض الأكيد من قبل روسيا والصين اللتين تتحفظان حتى على الحظر الجوي الذي أقره القرار 1973.

وبتدخل بري مفتوح على المخاطر، وبدون هذا التدخل، فإن ورطة الأطلسيين وحلفائهم قد أصبحت في حكم الأمر الواقع: المضي قدماً دون قرار من مجلس الأمن، وما ينطوي عليه ذلك من مجازفة ميدانية، ومن الدخول في اشتباك مع روسيا والصين اللتين لن تتوانيا بالمقابل، في اقتناص الفرصة لوضع اليد على بعض مناطق النفوذ الأميركي في العالم... أو الاستمرار في إدارة الوضع بالطريقة الحالية التي لن تلبث أن تصطدم بالرفض من قبل الرأي العام الغربي... أو الانكفاء وترك الشعب الليبي لمصيره، وخسارة المكاسب الاستراتيجية والاقتصادية المعول عليها من وراء التدخل في ليبيا.       

وفي جميع الحالات، فإن التدخل الغربي في ليبيا، وهو التدخل الذي أريد له أن يذهب باتجاه حرف مسار الثورات العربية وإدخالها في نفق الرجوع إلى الحضن الغربي، سينجلي عن المزيد من هبوب رياح التغيير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ... في الاتجاه المعاكس للمطامع الهيمنة الغربية.

2011-05-10