ارشيف من :ترجمات ودراسات
مصر امام تحديات استعادة الدور
لؤي توفيق حسن*
(من يَخْطُ خطوة البداية، يقطعْ نصف الطريق الى النهاية)
هوراس ـ (شعار لاتيني)
هوراس ـ (شعار لاتيني)
لا شك بأن وصْلَ ما انقطع بين حماس وفتح برعاية من القاهرة هو انتصار حقيقي للدبلوماسية المصرية. كما هو مؤشر على عودة الحياة لدورٍ مصري تم تغييبه لمصلحة بعض (البوسطجية!) العرب من اصحاب الدكاكين، او الوكالات الصغيرة... حتى لو كان لها أعلام وأختام!.
ولعل ما يدعو الى التفاؤل هو أن هذه الدبلوماسية عادت الى السياسة من مفهومها الإستراتيجي، اي: "فن صناعة المستقبل". إذ هذا هو بالضبط ما عبّر عنه عصام شرف عند توقيع الطرفين على الاتفاق بقوله: "اننا نؤسس لصناعة مستقبل المنطقة".
هذه هي مصر التي عرفناها. وهذا ما نتوقعه منها، وهي التي تدّخر تاريخاً عريقاً من الريادة. والتأثير في محيطها العربي. ولا شك بأن ثورتها نبعت من هذا التراث وتستمد حركتها منه. حركةً واعية تتحرك الى الأمام بعزيمة وثبات مع بصيرة، ونضجٍ استولده تراكم التجارب النضالية بالعقل الجمعي المصري على مدى سنوات بدءاً من ثورة القاهرة ضد الفرنسيين، مروراً بثورة أحمد عرابي، وصولاً الى ثورة 23 يوليو / تموز. هذا فضلاً عن انفتاحها على النهضة الأوروبية مطلع القرن التاسع عشر. الذي أسس لنهضة مصرية قادت الشرق في عصرنا الحديث وكادت ان تجمعه في امبراطورية كبرى بقيادة محمد علي باشا لولا ان تآمر الغرب عليها وحجّمها ـ مقررات مؤتمري: لندن الاول (1840)، ولندن الثاني (1841).
ولعل ما يدعو الى التفاؤل هو أن هذه الدبلوماسية عادت الى السياسة من مفهومها الإستراتيجي، اي: "فن صناعة المستقبل". إذ هذا هو بالضبط ما عبّر عنه عصام شرف عند توقيع الطرفين على الاتفاق بقوله: "اننا نؤسس لصناعة مستقبل المنطقة".
هذه هي مصر التي عرفناها. وهذا ما نتوقعه منها، وهي التي تدّخر تاريخاً عريقاً من الريادة. والتأثير في محيطها العربي. ولا شك بأن ثورتها نبعت من هذا التراث وتستمد حركتها منه. حركةً واعية تتحرك الى الأمام بعزيمة وثبات مع بصيرة، ونضجٍ استولده تراكم التجارب النضالية بالعقل الجمعي المصري على مدى سنوات بدءاً من ثورة القاهرة ضد الفرنسيين، مروراً بثورة أحمد عرابي، وصولاً الى ثورة 23 يوليو / تموز. هذا فضلاً عن انفتاحها على النهضة الأوروبية مطلع القرن التاسع عشر. الذي أسس لنهضة مصرية قادت الشرق في عصرنا الحديث وكادت ان تجمعه في امبراطورية كبرى بقيادة محمد علي باشا لولا ان تآمر الغرب عليها وحجّمها ـ مقررات مؤتمري: لندن الاول (1840)، ولندن الثاني (1841).
السياسة المصرية
لعل ما سبق هو من الضرورة كيما يتصور القارئ مدى التوتر الإسرائيلي والأمريكي من عودة الروح للحياة السياسية المصرية. ولا شك بأن تل أبيب تشعر الآن بأن مصر قد سجلت ولا شك إصابة في مرماها عندما تم على يدها رأب الصدع على الساحة الفلسطينية. بكل ما يحمله هذا من نتائج تخشاها "اسرائيل"، ومن دلالات. اهمها اقتحام مصر للساحة الفلسطينية بوصفها لاعباً مؤثراً هذه المرة. وليس مجرد (كومبارس) كما ظل حالها لسنوات خلت في عهد مبارك. لذلك لم يتردد الغرب بالرد ومن نفس الباب الذي اعتاد ان يطرقه.
اذ لم تكن مصادفة ـ ولا مصادفاتٍ قط في السياسة!! ـ ان يلي توقيع الاتفاق بين حماس وفتح حادثة إمبابا بين المسلمين والأقباط. فخلال الثورة وبعدها تتالت الأحداث طارقة الباب ذاته. على سبيل المثال:
ـ حادثة كنيسة قرية شارونة في 30/1/2011
ـ المواجهات في قرية صول لمنع بناء كنيستها 7/3/2011
ـ التهديد بهدم كنيسة ما جرجس في قرية بني أحمد (المنيا) في 25/3/2011
لا مصادفات... متى وضعنا بعين الاعتبار ان عدونا ماكر، ويخطط، وبالتالي مستعد للرد. فكيف وبيده خيوط كثيرة للداخل المصري. من أبرزهم رجالات العهد البائد: امنيين، سياسيين، ورجال اعمال. أولئك ـ وبالاخص الأمنيين ـ تربطهم صلات بالعديد من التنظيمات السلفية المتطرفة. لن ننسى بعد (فيلم) تفجير كنيسة (القديسَيْن) بالأسكندرية مطلع رأس السنة الحالية: البطل أصوليٌ متطرف. المُخرج إدراة المخابرات المصرية كما تكشّف فيما بعد. اما الهدف فهو صرف الشارع المصري عن فضيحة انتخابات (مجلس الشعب!).
ولكي تكتمل حلقة الفتنة فإن "اسرائيل" ومنظمات صهيونية في الغرب على علاقات وثيقة ببعض الفعاليات القبطية الاغترابية. نذكر على سبيل المثال ما جرى العام الماضي على يد 300 شخص منهم في الولايات المتحدة، وكندا من اعلان "اول دولة قبطية قاعدتها المؤقتة امريكا"!. كما ورد في اعلانهم. وما زالوا يفعّلون حركتهم حتى طالب البابا بندكتس السادس عشر بـ"التدخل الدولي لحماية المسيحيين في مصر". وهكذ نرى كيف يلتقي طرفا اللعبة في نفس الإصبع: امريكا، و"اسرائيل".
لعل هذا يؤكد الدعوة بأن يكون المجلس العسكري ـ وليس مجلس قيادة الثورة! ـ في مستوى التحديات. ما دام ان الفعل الثوري خارج رغاباته، او امكانياته. لكن خبرات قياداته تفترض من الوجهة العسكرية على الأقل الجاهزية للحسم متى اقتضى الامر. انسجاماً مع قدرات الجيش المصري ومناقبيته التي تدفعه للحفاظ على ما ائتمنه عليه الشعب: ثورته المجبولة بدمائه.
{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا}. (الأحزاب: 72).
لعل ما سبق هو من الضرورة كيما يتصور القارئ مدى التوتر الإسرائيلي والأمريكي من عودة الروح للحياة السياسية المصرية. ولا شك بأن تل أبيب تشعر الآن بأن مصر قد سجلت ولا شك إصابة في مرماها عندما تم على يدها رأب الصدع على الساحة الفلسطينية. بكل ما يحمله هذا من نتائج تخشاها "اسرائيل"، ومن دلالات. اهمها اقتحام مصر للساحة الفلسطينية بوصفها لاعباً مؤثراً هذه المرة. وليس مجرد (كومبارس) كما ظل حالها لسنوات خلت في عهد مبارك. لذلك لم يتردد الغرب بالرد ومن نفس الباب الذي اعتاد ان يطرقه.
اذ لم تكن مصادفة ـ ولا مصادفاتٍ قط في السياسة!! ـ ان يلي توقيع الاتفاق بين حماس وفتح حادثة إمبابا بين المسلمين والأقباط. فخلال الثورة وبعدها تتالت الأحداث طارقة الباب ذاته. على سبيل المثال:
ـ حادثة كنيسة قرية شارونة في 30/1/2011
ـ المواجهات في قرية صول لمنع بناء كنيستها 7/3/2011
ـ التهديد بهدم كنيسة ما جرجس في قرية بني أحمد (المنيا) في 25/3/2011
لا مصادفات... متى وضعنا بعين الاعتبار ان عدونا ماكر، ويخطط، وبالتالي مستعد للرد. فكيف وبيده خيوط كثيرة للداخل المصري. من أبرزهم رجالات العهد البائد: امنيين، سياسيين، ورجال اعمال. أولئك ـ وبالاخص الأمنيين ـ تربطهم صلات بالعديد من التنظيمات السلفية المتطرفة. لن ننسى بعد (فيلم) تفجير كنيسة (القديسَيْن) بالأسكندرية مطلع رأس السنة الحالية: البطل أصوليٌ متطرف. المُخرج إدراة المخابرات المصرية كما تكشّف فيما بعد. اما الهدف فهو صرف الشارع المصري عن فضيحة انتخابات (مجلس الشعب!).
ولكي تكتمل حلقة الفتنة فإن "اسرائيل" ومنظمات صهيونية في الغرب على علاقات وثيقة ببعض الفعاليات القبطية الاغترابية. نذكر على سبيل المثال ما جرى العام الماضي على يد 300 شخص منهم في الولايات المتحدة، وكندا من اعلان "اول دولة قبطية قاعدتها المؤقتة امريكا"!. كما ورد في اعلانهم. وما زالوا يفعّلون حركتهم حتى طالب البابا بندكتس السادس عشر بـ"التدخل الدولي لحماية المسيحيين في مصر". وهكذ نرى كيف يلتقي طرفا اللعبة في نفس الإصبع: امريكا، و"اسرائيل".
لعل هذا يؤكد الدعوة بأن يكون المجلس العسكري ـ وليس مجلس قيادة الثورة! ـ في مستوى التحديات. ما دام ان الفعل الثوري خارج رغاباته، او امكانياته. لكن خبرات قياداته تفترض من الوجهة العسكرية على الأقل الجاهزية للحسم متى اقتضى الامر. انسجاماً مع قدرات الجيش المصري ومناقبيته التي تدفعه للحفاظ على ما ائتمنه عليه الشعب: ثورته المجبولة بدمائه.
{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا}. (الأحزاب: 72).
الساحة الفلسطينية
عوداً على بدء. الى الاتفاق بين فتح وحماس الذي لاقى ترحيباً بقدر ما لاقى من تعليقات مشككة بديمومته، وكل يفذلك رأيه بحسب أهوائه. وتجاه هذا بالذات نسأل المشككين: ما هو البديل برأيكم؟!. فإذا اعتبرنا جدلاً بأن المبادئ عند طرفي الاتفاق لم تكن دافعاً لهما لإبرامه، فإن المصلحة هي التي توجبه على الأقل.
(حماس) خرجت من حصارها عبر البوابة المصرية. وهذا امر طبيعي تفرضه الجغرافيا. وهو امر مطلوبٌ بالسياسة والاستراتيجيا بحكم حجم مصر. وبحكم التحولات السياسية التي شهدتها بعد الثورة وعبّر عنها مجيء عصام شرف، ونبيل العربي. كما فرضتها ايضاً جماهير الثورة المصرية، عدة فلسطين وانتفاضتها الواعدة. لقد خرجت (حماس) من حصارها الى الضفة الغربية. ومن هناك الى الشراكة مجدداً في السلطة.
(فتح) خرجت من ورطتها ـ وهو حصار من نوع آخر ـ فلا الحكومات الإسرائيلية قدمت شيئاً. ولا امريكا برّت بوعودها. حتى باتت السلطة في رام الله شاهد زور. وربما حارساً للاحتلال ما سيؤدي الى انتحارها السياسي... هذا بالحد الأدنى!!!. ولعل ما يجب ان يستوقفنا ضغط الحكومة الإسرائيلية الآن على ابو مازن بالتهديد بإعادة اجتياح الضفة، بل وصل الأمر بها الى التلويح بتصفيته جسدياً.
بالرغم من ذلك يبقى جائزاً السؤال: هل سيستمر هذا الاتفاق، ولا يتحول الى أداة للمناورة؟. سؤال مشروع حيال (ضعف مناعة السلطة) امام العروض السياسية، لكن استمرارية الاتفاق تبقى ضمانتها بيد مصر. فالى جانب انتفاء أية مصلحة لطرفيه في استعدائها. فإن لمصر مصلحة في جبهة فلسطينية متماسكة بوجه "اسرائيل"، عدوتها الأولى بمفهوم الأمن القومي المصري الذي طالما أشبعناه نقاشا في اكثر من مقال.
بناءً على ما سبق نتوقع ان تتعرض مصر للمزيد من الضغوط حتى لا تتمكن من تأسيس وضع فلسطيني صلب يصعب معه على الإدارة الأمريكية القادمة احتواؤه. وذلك عندما تقرر إعادة الحرارة الى نشاطها السياسي في المنطقة بعد الإاتخابات الرئاسية 2012!.
عوداً على بدء. الى الاتفاق بين فتح وحماس الذي لاقى ترحيباً بقدر ما لاقى من تعليقات مشككة بديمومته، وكل يفذلك رأيه بحسب أهوائه. وتجاه هذا بالذات نسأل المشككين: ما هو البديل برأيكم؟!. فإذا اعتبرنا جدلاً بأن المبادئ عند طرفي الاتفاق لم تكن دافعاً لهما لإبرامه، فإن المصلحة هي التي توجبه على الأقل.
(حماس) خرجت من حصارها عبر البوابة المصرية. وهذا امر طبيعي تفرضه الجغرافيا. وهو امر مطلوبٌ بالسياسة والاستراتيجيا بحكم حجم مصر. وبحكم التحولات السياسية التي شهدتها بعد الثورة وعبّر عنها مجيء عصام شرف، ونبيل العربي. كما فرضتها ايضاً جماهير الثورة المصرية، عدة فلسطين وانتفاضتها الواعدة. لقد خرجت (حماس) من حصارها الى الضفة الغربية. ومن هناك الى الشراكة مجدداً في السلطة.
(فتح) خرجت من ورطتها ـ وهو حصار من نوع آخر ـ فلا الحكومات الإسرائيلية قدمت شيئاً. ولا امريكا برّت بوعودها. حتى باتت السلطة في رام الله شاهد زور. وربما حارساً للاحتلال ما سيؤدي الى انتحارها السياسي... هذا بالحد الأدنى!!!. ولعل ما يجب ان يستوقفنا ضغط الحكومة الإسرائيلية الآن على ابو مازن بالتهديد بإعادة اجتياح الضفة، بل وصل الأمر بها الى التلويح بتصفيته جسدياً.
بالرغم من ذلك يبقى جائزاً السؤال: هل سيستمر هذا الاتفاق، ولا يتحول الى أداة للمناورة؟. سؤال مشروع حيال (ضعف مناعة السلطة) امام العروض السياسية، لكن استمرارية الاتفاق تبقى ضمانتها بيد مصر. فالى جانب انتفاء أية مصلحة لطرفيه في استعدائها. فإن لمصر مصلحة في جبهة فلسطينية متماسكة بوجه "اسرائيل"، عدوتها الأولى بمفهوم الأمن القومي المصري الذي طالما أشبعناه نقاشا في اكثر من مقال.
بناءً على ما سبق نتوقع ان تتعرض مصر للمزيد من الضغوط حتى لا تتمكن من تأسيس وضع فلسطيني صلب يصعب معه على الإدارة الأمريكية القادمة احتواؤه. وذلك عندما تقرر إعادة الحرارة الى نشاطها السياسي في المنطقة بعد الإاتخابات الرئاسية 2012!.
*كاتب من لبنان