ارشيف من :آراء وتحليلات

...لتأخير الحكومة ايجابيات أيضاً

...لتأخير الحكومة ايجابيات أيضاً


بثينة عليق

مع استمرار تعثّر تشكيل الحكومة اللبنانية لما يقارب الـ 100 يوم، يحق للبنانيين أن يشعروا بالقلق والارتياب إزاء هذا التأخر، الذي أضر بمصالح المواطنين وسير عمل الدولة، الا أن هذا الامر لا يخلو من ايجابيات.

فقد أسقط التأخير حملة من الافتراءات بدأ فريق 24 آذار بالترويج لها وتسويقها. وذلك من خلال رفع سلسلة شعارات يراد من رميها في الساحة الشعبية والسياسية في لبنان افشال أي مسار تغييري يمكن أن تقدم عليه الحكومة الجديدة، وذلك تحت ضغط تحويلها الى حكومة فئوية قهرية، جاءت بقوة الفرض وليست تعبيراً عن تبدل جدي في موازين القوى السياسية. بدأ هذا الفريق حملته منذ تكليف الرئيس ميقاتي، ومن اليوم الأول للاستشارات النيابية، عبر يوم الغضب، والحملة الاعلامية السياسية التي تلته، والتي تضمنت العناوين الرئيسية الثلاثة التالية:
أولاً: أن تسمية الرئيس ميقاتي هي بمثابة انقلاب بقوة السلاح.

ثانياً: أن الحكومة الجديدة ليست سوى حكومة حزب الله الذي بات حاكما للبنان.

ثالثاً: أن الرئيس ميقاتي مأمور ومفروض، وهو ليس سيد نفسه، بل قادم بشروط الاكثرية الجديدة ومحكوم لها.

لقد أرادوا من خلال هذه العناوين الثلاثة افشال تجربة الحكومة المنتظرة قبل أن تولد ووضعها في صراع داخلي وخارجي.

على المستوى الداخلي تساعد هذه الشعارات على خلق حالة شعبية مستنفرة ضد هذه الحكومة التي تصبح عاجزة عن إمرار أي قرار اصلاحي او تغييري، ما يعيد الاعتبار لمشروع الأكثرية السابقة.

اما على المستوى الخارجي فتلتقي هذه الشعارات مع جهود الولايات المتحدة الاميركية لوصم أي حكومة لا تنفذ الاجندة الاميركية بتهمة الارهاب وعرقلة الارادة الدولية، ما يساعد على عزل الحكومة ومحاصرتها، ما يجعل اي محاولة للنهوض الاقتصادي والانمائي للبلاد في منزلة الاستحالة.

الا أن مجريات تأليف الحكومة جعل الشعارات المرفوعة من فريق 14 آذار بحكم المتهاوية والمفضوحة، إذ لم يعد بالامكان التسويق والترويج لشعارات الانقلاب والسلاح والحزب الحاكم. لقد اثبتت تجربة تأليف الحكومة ان السلاح لم يؤثر في فرض حتى وزير واحد دون رغبة الجهات المعنية، ولا "الحزب الحاكم" استطاع ان يتحكم بشكل أو عدد أو أسماء الوزراء، ولا رئيس الحكومة المكلف كان طيّعا ومطيعا.
لقد بات التأخير في تشكيل الحكومة دليلا واضحا على أن الاكثرية الجديدة حرة بمكوناتها وأشخاصها وقواها السياسية اكثر من أي اكثرية سابقة، وهامش الرفض والتنوع فيها أكبر بكثير مما لدى الآخرين.

اليوم ولأول مرة في لبنان وفي ظل أكثرية من لون واحد يمكن للبنانيين أن يروا حجم السيادة الداخلية في كل مكون معني بتشكيل الحكومة. الا ان هذه الايجابية تنتظر استثمارها واستكمالها من خلال تجربة للحكم في لبنان تقوم على تكامل القوى السيادية والوطنية المؤمنة بالاصلاح والتغيير للبدء بعملية اصلاح جدي يواكب فيها لبنان كل ذلك التغيير التاريخي في المشهد العربي الكبير.
2011-05-13