ارشيف من :آراء وتحليلات
حرب المالكي وعلاوي ومسارات الأزمة المفتوحة
بغداد ـ عادل الجبوري
كشفت الرسائل المتبادلة خلال الاسابيع القلائل الماضية بين رئيس الوزراء العراقي الحالي، رئيس قائمة ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، و"غريمه" رئيس الوزراء الاسبق، رئيس ائتلاف القائمة العراقية اياد علاوي، عن عمق الأزمة السياسية الخانقة في العراق.
قال المالكي في مؤتمر صحافي عقده ظهر الثلاثاء الماضي انه رد تحريريا على علاوي بعد عشرين رسالة تلقاها منه، ناهيك عن عشرات التصريحات القصيرة والاحاديث المطولة التي ادلى بها رئيس القائمة العراقية ولم تخلُ من انتقادات حادة ولاذعة للحكومة ولرئيسها المالكي، ومن تهديدات بالانسحاب منها.
وقد تضمن الرد التحريري المؤرخ في السادس من شهر ايار/ مايو الجاري اشارات صريحة ولاذعة عكست عمق الهوة واتساعها بينه وبين علاوي، اذ خاطب الاخير قائلا "موضوع الالتزام بالشراكة الوطنية، وما يثير استغرابي في هذا المجال هو اصراركم على اتهام الاخرين بالتنصل من التزامات الشراكة الوطنية في حين كنت انت شخصيا من تخلى بصورة علنية عن التزامات الشراكة، ووجهت لها ضربة قوية في اول اختبار لها حين غادرت جلسة البرلمان امام اعين الناس وعبر وسائل الاعلام وذلك بعد ان حصلت المصادقة على انتخاب رئيس مجلس النواب وصوتنا نحن وغيرنا من الشركاء لصالحه، لكنك وضعت الجميع، ومنهم زملاؤكم في القائمة العراقية، في حرج شديد بين مجاراتكم في المقاطعة ومغادرة مجلس النواب او اتخاذ موقف اخر تمليه التزامات الشراكة ولياقات الجلسة...".
ويشير المالكي في موضع اخر من رسالته "نحن نعتقد ان الشراكة مسؤولية والتزام بتحمل اعباء ثقيلة وتضحيات وتفانٍ، ولكن يؤسفني ان اقول لكم ان ما يصدر عنكم من مواقف وتصريحات منذ البداية وحتى الان لا يشير الى جدية في تحمل المسؤولية، بل يشير الى فهم اخر للشراكة وكأنها تقاسم للمغانم والمكاسب وتهرّب من تحمل المسؤولية بينما من كان له الغُنم فعليه الغُرم".
ويرد علاوي في اخر رسالة مطولة على المالكي مؤرخة في السابع من شهر ايار/ مايو الجاري بالقول "انا لا اعتقد انكم مخولون بتقييم الاخرين في الطيف السياسي العراقي الذي بذل الغالي والرخيص في مكافحة الديكتاتورية، فأنتم لستم الحكم او البلاد، وانما جزء من العملية السياسية... عليك ان لا تنسى أنني وبشرف أول من دق اساسا للديمقراطية في العراق واشرف على اول انتخابات نزيهة في البلاد، ولم استعمل نفوذي كرئيس للوزراء، ولا تنسى ايضا انني وقفت بشدة ضد العنف ومع الحوار والتسامح وطالبت الامريكيين بإطلاق سراح كل المعتقلين من مختلف الطوائف والكتل...".
وواضح القدر الكبير من الاحتقان والتشنج لدى كل من المالكي وعلاوي تجاه بعضهما البعض وبمستوى يذكّر بمرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية العامة في آذار/ مارس من العام الماضي، حينما بلغ الصراع أشدّه بينهما حول منصب رئيس الوزراء.
ولا يحتاج المرء الى كثير من الجهد والتحليل ليكتشف ان حقيقة الأزمة بين علاوي والمالكي هي جزء من ازمة اكبر عنوانها الواسع والعريض "فقدان الثقة" كما اشرنا الى ذلك في مقال سابق تحت عنوان "ازمة الثقة... وملامح الخارطة السياسية البديلة"، مضافا اليها بقاء التنافس قائما على اشده، ولا سيما ان الاسس والاتفاقات التي تشكلت على اساسها الحكومة برئاسة المالكي لم تضع اطارا قويا ومتماسكا لمفهوم الشراكة يخرجه من شرنقة المحاصصة، ويجرّده من حالة فقدان الثقة.
والمالكي يراهن، كما راهن في السابق، على تشظي وتفكك القائمة العراقية، وهو ما يعني بداهة اضعاف علاوي وفقدانه زمام المبادرة. وبالفعل لاحت مؤشرات على تفكك وتشظي "العراقية" من قبيل خروج عدد من النواب، وتشكيلهم كتلة برلمانية اخرى هي القائمة العراقية البيضاء، وتباين المواقف والتوجهات بين قادة القائمة مثل طارق الهاشمي واسامة النجيفي ورافع العيساوي وصالح المطلك، وتذمر البعض منهم بسبب الالية التي ينتهجها علاوي في التحرك واتخاذ المواقف.
بينما راهن علاوي على اتساع رقعة المعارضة للمالكي من خلال التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية التي تؤكد مصادر واوساط عديدة ان رئيس القائمة العراقية يحرص على تقديم الدعم والاسناد لها بأقصى قدر ممكن، وراهن كذلك على حدوث الصدام بينه وبين حلفائه في التحالف الوطني مثل التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي، بل وحتى بينه وبين مكونات من داخل ائتلاف دولة القانون. وراهن ايضا على فشل الحكومة في الايفاء بالوعود التي قطعتها خلال المئة يوم التي حددها المالكي بنفسه، والتي لم يبق منها سوى خمسة وعشرين يوما، وراهن ـ وما زال يراهن ـ على تراجع الوضع الامني الى جانب تردي الواقع الخدمي والحياتي ليشكل مزيدا من الضغط على المالكي ويقلص هامش المناورة لديه.
واذا كان هناك من يرى ان فرص وامكانيات نجاح الحكومة الحالية تبدو قليلة جدا او تكاد تكون معدومة، فان الخيارات البديلة لا تشير الى آفاق ايجابية، فحلّ الحكومة ـ وتشكيل حكومة اغلبية سياسية ـ لن يفضي الى احتواء المشاكل والازمات، بل انه سوف يزيد على الارجح المماحكات والمناكفات السياسية، ويوسع دائرة المعارضة ويحدث مزيدا من الارتباك في الوضع السياسي، اما حل البرلمان ـ والدعوة الى انتخابات مبكرة ـ فانه يمثل واحدا من أسوأ الحلول وأكثرها خطرا، لانه باختصار يمثل عودة الى نقطة الصفر، او قل الى المربع الاول.
وما ينبغي فهمه والتأكيد عليه والتذكير به هو ان المشكلة السياسية في العراق لا تكمن في شخص المالكي او علاوي، بل انها تكمن في المنهجيات والسياقات والاتفاق على الاولويات قولا وفعلا.