ارشيف من :ترجمات ودراسات
نقاش أميركي حول النفوذ الإيراني في العراق: طهران "تربح" المعركة ضد واشنطن قبل الانسحاب
إعداد: علي شهاب
تُفيد العديد من التقديرات الغربية أن الجمهورية الإسلامية نجحت من خلال استراتيجيتها لاحتواء الملف العراقي في إفشال العديد من المخططات الأميركية الرامية الى وضع هذا البلد تحت رحمة الاحتلال. في مطلع الشهر الجاري، عُقد منتدى سياسي في واشنطن، شارك فيه كل من الدكتور "مايكل نايتس" الخبير في الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج والباحث في الشؤون العسكرية "مايكل آيزنشتات"، والباحث العراقي في الشؤون السياسية أحمد علي، تناول "النفوذ الإيراني في العراق"، حيث ركز المشاركون على الخوض في تفاصيل نقاط القوة والتأثير الايرانية، استعدادا لإطلاق توصيات لمواجهة هذا النفوذ بعد الانسحاب العسكري الأميركي المرتقب:
منذ عام 2003، تسعى إيران لتحقيق ثلاثة أهداف سياسية في العراق.
أولاً، سعت إلى توحيد الأحزاب الشيعية في البلاد لكي يمكن ترجمة وزنها الديموغرافي (ما يقدر بنحو 60 في المئة من إجمالي سكان العراق) إلى نفوذ سياسي، وبالتالي خلق حكومة تستجيب لطهران. وقد أوضحت انتخابات آذار/مارس 2010 البرلمانية هذا الاتجاه: فحالما أُعلنت النتائج التصويتية قيل إن إيران قد دعت جميع الأحزاب باستثناء الكتلة العراقية التي هي علمانية إلى حد كبير، إلى مشاورات تشكيل الحكومة.
وقد آتت تلك الجهود ثمارها بعد تسعة أشهر عندما اندمجت أخيراً هذه الأحزاب وشكلت حكومة جديدة مؤلفة من حلفاء طهران رغم نجاح كتلة العراقية في الحصول على الأغلبية في الانتخابات نفسها.
ثانياً، دعمت إيران الائتلافات الحاكمة المتداعية، واضعة نفسها وسيطا خارجيا مؤثرا عند ظهور أية حاجة للتوسط.
ثالثاً، سعت طهران إلى منع الأحزاب غير الإسلامية من كسب السلطة، والقائمة العراقية على وجه الخصوص. ولهذا الغرض عملت أيضا على تهميش الفصائل والقادة الوطنيين العلمانيين بمن فيهم رئيس "حزب الأمة العراقية" مثال الآلوسي. فعلى سبيل المثال، عندما برزت اتهامات بأن حزب البعث قد نظم الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة أسند الإعلام الإيراني الدعاوى زوراً إلى الآلوسي لتشويه سمعته وعزله سياسياً.
وبالإضافة إلى وجودها الدبلوماسي تستخدم إيران علاقاتها مع الأحزاب العراقية المحلية لتحقيق أهدافها.
إن أقرب شركاء طهران هم "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق"، و"حزب الدعوة الإسلامي" برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي و"التيار الصدري"، رغم أن تلك العلاقات لا تخلو من المشاكل. وبالإضافة إلى الأحزاب الشيعية فقد تمتع أيضاً الفصيلان الكرديان الرئيسيان في العراق؛ "الاتحاد الوطني الكردستاني" و "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، بعلاقات طيبة مع طهران، وخاصة "الاتحاد الوطني الكردستاني". حتى إن إيران قد أقامت علاقات عمل مع "الحزب الإسلامي العراقي"، وهو فصيل مكوّن من غالبية سنية.
وتعتمد العلاقات العراقية ـ الإيرانية في المستقبل إلى حد كبير على خيارات سياسة بغداد الخارجية. فإذا ما قرر العراق الحفاظ على مواقفه الحالية التي تشمل استمرار علاقات طويلة المدى مع الولايات المتحدة، فستستمر طهران في تخصيص موارد واسعة لضمان تمتعها بنفوذ سياسي مستمر.
غير أنه سيكون لإيران نفوذ أكبر لو تخلت بغداد عن علاقاتها الهادفة مع واشنطن، وانضمت إلى محور إقليمي تكون إيران فيه اللاعب المركزي. ورغم ذلك فسوف تتعرض مكانة طهران إلى التهديد بشكل كبير لو اختار العراق استئناف دوره الإقليمي القوي.
وباختصار، ستعمل الأحزاب السياسية العراقية مع إيران ما دام ذلك يناسب مصالحها، وحالما ينعدم هذا المعيار فستسعى للحصول على دعم من أماكن أخرى.
غالباً ما يتم عرض استعداد إيران وقدرتها على استخدام العنف في العراق كعوامل قوة تعزز نفوذ الجمهورية الإسلامية بشكل مضاعف. غير أن استخدام طهران لوكلاء مسلحين داخل العراق وأساليبها التخويفية على طول الحدود ربما قد وضعا في الواقع الأساس لفشل استراتيجي عميق.
منذ عام 2003، تعجز إيران عن تحسين علاقتها الخصومية مع العراق، خلافاً لتركيا التي أصبحت قوة بنَّاءة في سياسات واقتصاد البلاد، وتحصد الثمار التجارية لهذه السياسة. وعلاوة على ذلك، فإن جهاز إيران شبه العسكري في العراق، الذي تتم إدارته من قبل "قوة القدس"، وهي فرع من "فيلق الحرس الثوري الإسلامي"، ربما ينخرط في "بناء إمبراطورية" سياسية ومالية في العراق لا تخدم المصالح الإيرانية الأوسع.
لقد استخدمت القوات الإيرانية، حتى الآن، ثلاثة أنواع من العنف في العراق: المقاومة ضد الاحتلال، والاشتباكات الحدودية لأغراض تخويفية، واستعمال "المرتزقة" لأهداف تجارية وجنائية. إلا أن ما يحرك المقاومة ضد الوجود العسكري الأمريكي هو مخاوف طهران من إعادة ظهور العراق كقوة عسكرية قوية مدعومة من قبل الولايات المتحدة. وحالياً، تشكل الهجمات على الجنود الأمريكيين التي تقوم بها جماعات مدعومة من قبل إيران، الثلثين من جميع حوادث العنف في جنوب العراق. وتتصاعد هذه الهجمات بصورة بطيئة بسبب مخاوف طهران من احتفاظ الولايات المتحدة بقوات عسكرية في العراق إلى ما بعد هذا العام.
إن الاشتباكات على الحدود والتهديدات الإرهابية هي استمرار لعلاقة إيران العدائية مع العراق، والتي يرجع تاريخها إلى ما قبل عام 2003. وفي بعض الحالات تشمل هذه الاصطدامات تبادل نيران مدفعية عبر الحدود إلى داخل منطقة "حكومة إقليم كردستان" لمرة أو مرتين شهرياً في الوقت الحاضر. وأحياناً تشن إيران غارات برية لمسافة تمتد عشرة كيلومترات داخل منطقة "حكومة إقليم كردستان"، كما ترسل مروحيات مسلحة، وطائرات بدون طيار إلى عمق أكبر. ويشعر الأكراد بأنهم مهددون من الدعم الإيراني للحركات الإسلامية مثل "أنصار الإسلام" التي يرونها وسيلة تقوم بها طهران لكسب نفوذ في منطقة "حكومة إقليم كردستان".
وهناك أنشطة أخرى للقوات الإيرانية تبدو غير ذات صلة بأهداف طهران الاستراتيجية في العراق. فتوفير متفجرات خارقة للدروع لجماعات قبلية في بعض المناطق المنتجة للنفط في البصرة هو مثال واحد على التورط الغامض لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" مع "مجموعات إجرامية".
تُظهر هذه الحالات كيف أن "الحرس الثوري الإسلامي" هو مطلق العنان في العراق، وأنه ربما يسعى لتحقيق أهداف ضيقة على حساب طموحات طهران الأوسع.
وبينما يندفع عملاء إيرانيون لعقد صفقات صغيرة ولعب أدوار سلطة تافهة، تربح من ذلك الشركات التركية وتتوصل إلى صفقات ضخمة مثل اتفاق إدارة مشروع لقطاع مدينة الصدر في بغداد بتكلفة 10.5 مليارات دولار.
في نهاية المطاف ربما تندم طهران على علاقتها العدائية مع العراق التي لم تؤدِّ سوى إلى تعزيز شكوك الشعب العراقي في النوايا الإيرانية.
نسجت إيران أنشطة قوة ناعمة في منهجها الحكومي الشامل لإظهار نفوذها في العراق. وتحديداً، سعت لتحقيق تأثير على بغداد بتطبيق معايير حمائية وسياسات تجارية غير مؤاتية للعراق، من خلال محاولة استمالة شبكة الملالي الشيعية المتعددة الجنسيات ومقرها النجف، وبالسعي للتأثير على الرأي العام العراقي من خلال الأنشطة الإعلامية. وبمرور الوقت سوف تزيد أهمية القوة الناعمة الإيرانية، في الوقت الذي أصبحت فيه قوات الأمن العراقية والدولة نفسها أكثر كفاءة، حيث أصبح إظهار طهران لنفوذها من خلال الميليشيات والجماعات المتمردة صعباً بصورة متزايدة على الجمهورية الإسلامية.
ويميل المسؤولون الأمريكيون إلى التقليل من أهمية جهود القوة الناعمة التي تسعى إيران إلى تحقيقها، مُركزين بدلاً من ذلك على القوة الصلبة. وعلى الرغم من أنه يمكن تفهم هذا الاتجاه نظراً للتهديد الذي يفرضه المسلحون الذين ترعاهم إيران ضد الجنود الأمريكيين في العراق، إلا أن ذلك لا يغير الواقع العملي بأن نفوذ طهران السياسي والاقتصادي والديني والاجتماعي ربما يمثل التهديد الأكبر على المدى الطويل لسيادة العراق واستقلاله.
وحتى الآن فإن استثمارات إيران الكبيرة باتجاه توسيع نفوذها في العراق قد أثمرت فقط عن نتائج مختلطة. غير أن تشكيل حكومة عراقية جديدة تضم العديد من أقرب حلفاء طهران إلى جانب الانسحاب العسكري الأمريكي الوشيك سوف يمثلان فرصاً جديدة لتوسيع النفوذ الإيراني. وفي المقابل من المرجح أن تؤدي هذه الجهود إلى حدوث المزيد من التراجع العراقي. لكن يبقى أن نرى ما إذا كان النفوذ الإيراني سوف يظل محدوداً ذاتياً، أو ما إذا كان الواقع الناشئ سوف يساعد طهران على تحويل العراق إلى دولة تابعة ضعيفة عبر عملية تدريجية من "اللبننة."
وعلى المدى الطويل، سوف يعتمد مدى نفوذ طهران على الوضع الأمني في العراق، والشكل السياسي، والعلاقة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن المسار الإجمالي للعلاقات الإيرانية ـ العربية، والسنية ـ الشيعية في الخليج، في أعقاب تدخل السعودية و"مجلس التعاون الخليجي" في البحرين.
وعلاوة على ذلك، فإن عودة بروز العراق كمُصدّر رئيسي للنفط سوف تزيد بالتأكيد من حدة التوتر مع إيران. وهكذا، فحيث إن التقويمات التي ترى أن إيران هي "الفائز" الكبير في العراق، هي سابقة لأوانها، فمع ذلك قد تثبت أنها تقويمات صائبة لو لم تعمل الولايات المتحدة بدأبٍ لمواجهة النفوذ الإيراني في السنوات المقبلة.