ارشيف من :آراء وتحليلات
ذكرى النكبة... فاتحة الانتصار !
عقيل الشيخ حسين
تأبى مارون الراس إلا أن تدخل التاريخ من بابه المشرّف مرة أخرى بعد أن دخلته في صيف العام 2006. لكنها لم تكن هذه المرة وحيدة بين شقيقاتها اللبنانيات من عيتا الشعب إلى الخيام، مروراً ببنت جبيل وعيناتا وعيترون، وسائر المدن والقرى اللبنانية التي شاركت في الصمود بوجه العدوان الإسرائيلي ودحره.. وأيضاً سائر المدن والقرى السورية التي فتحت أبوابها لآلاف النازحين اللبنانيين، التزاماً منها بوحدة المعركة.
إلى جانب اسمها ظهرت هذه المرة أسماء عديدة، في فلسطين وغير فلسطين، كان بعضها قد بدأ يغيب عن مسرح الثورة والمقاومة والانتفاضة منذ اتفاقيات أوسلو وما سبقها ولحق بها من اتفاقيات الاستسلام. وجاء ذلك تعبيراً عن وحدة المعركة في أفقها العربي، بعد أن كان المعسكر الأميركي ـ الصهيوني وامتداداته العربية قد ألقى كل ثقله في ميزان تحويل الصراع إلى صراع إسرائيلي ـ فلسطيني، تمهيداً لتحويله إلى صراع فلسطيني ـ فلسطيني دخل في طريق الفشل مع المصالحة الفلسطينية الأخيرة.
في الأفق العربي، لمع خصوصاً اسم مجدل شمس في الجولان المحتل، حيث قام "العائدون" بتحطيم الحواجز، وتوغلوا داخل أرضهم المحتلة، وأضافوا، كما في مارون الراس، والقدس والخليل وقلنديا وبيت حانون وأريحا، دماءً جديدة إلى النهر الذي تغذيه دماء الفلسطينيين والعرب منذ نكبة العام 1948 وما سبقها وأعقبها من نكبات.
وعاد إلى اللمعان اسم الكرامة، مدينة الكرامة في الأردن، تلك المدينة التي شهدت يوماً وحدة المعركة بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية، وأنزلت بالجيش الإسرائيلي واحدة من أوائل الهزائم التي جردته، في صيف العام 2006، من صفته كجيش لا يقهر. لكنه لم يكن هذه المرة متناغماً مع ما حدث في مارون الراس ومجدل شمس.
فهناك، مُنع العائدون من العودة. وأحاط بالحدث دخان كثيف غير الدخان المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن الأردنية لتفريق الحشود المتجهة إلى جسر الملك حسين الذي يربط الأردن بالضفة الغربية بعد المرور بالحواجز الإسرائيلية. وقيل بأن الوضع قد تدهور بعد أن قام "مجهولون" بمهاجمة المسيرة، حيث أوقعوا في صفوفها عشرات الجرحى، قبل تدخل قوى الأمن التي أكملت المهمة واستكملتها بتحطيم الحافلات، ما أجبر العائدين على العودة باتجاه الاردن سيراً على الأقدام في منطقة وعرة من عشرات الكيلومترات... تلك كانت مشاركة الأردن في إحياء ذكرى النكبة.
أما مصر، مصر النظام الذي لم يسقط بكامله بعد، فقد منعت العائدين من الدخول إلى سيناء في طريقهم إلى رفح. وحتى ساعة متأخرة من ليل الخامس عشر من أيار، كانت المناوشات ما تزال مستمرة بين قوى الأمن المصرية والمتظاهرين الذين تمكنوا من الوصول إلى رفح. أما مصر الثورة الشعبية، فقد تناغمت مع مارون الراس ومجدل شمس والمدن الفلسطينية والكرامة الأردنية. فالحشد البشري الضخم الذي اجتمع في ميدان التحرير في الرابع عشر من أيار كان قد رفع شعاراً من شقين: "الوحدة الوطنية" لدرء خطر الفتنة الطائفية عن مصر، و"نصرة فلسطين" لإعطاء ثورة مصر وجهها الثوري الحقيقي، ولإعادة مصر إلى الموقع الذي يليق بها في طليعة قوى التحرر العربية.
مصر الثورة الشعبية تلك هي التي قررت الخروج بالمظاهرة المليونية نحو فلسطين، والتي أجهضتها قوى أمن النظام الذي لم يسقط بكامله بعد. والتي لم يتمكن ذلك النظام من منع المتظاهرين من الإحاطة بالسفارة الإسرائيلية في القاهرة مطالبين بطرد السفير وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وإلغاء كامب دافيد، قبل أن تجهض قوى الأمن محاولتهم لاقتحام السفارة.
والأهم من ذلك أن الثورة المصرية قد جعلت، بمناسبة إحياء ذكرى النكبة، من الالتزام بقضية فلسطين، شرط الصعود إلى السلطة لكل مرشح في أية انتخابات قادمة.
فيما يتجاوز معنى إحياء ذكرى النكبة، جاء الزحف الجماهيري نحو حدود فلسطين، من مصر، ليصوّب مسار الثورة، وليعطي ثورة مصر وجهها الضامن لاستمرارية تقدمها نحو النصر الناجز من خلال وضع قضية فلسطين في قلب اهتماماتها. وما يقال عن مصر الثورة يقال أيضاً عن تونس الثورة التي خرجت فيها تظاهرة حاشدة لنصرة فلسطين.
ومن لبنان وسوريا ـ كان الزحف ـ ليشهد على وحدة معركة المقاومة والممانعة في وقت تتركز فيه جهود المعسكر الأميركي ـ الصهيوني وامتداداته العربية على فصم عرى تلك الوحدة.
ومن الأردن ليدلل على أن الأنظمة التي لا تعود إلى الالتزام بخط تحرير فلسطين ينتظرها المصير الذي أحاق بنظامَي مبارك وبن علي.
الذكرى الثالثة والستون للنكبة أدخلت قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي في منعطف نوعي جديد: انتفاضة ثالثة داخل فلسطين وعلى حدودها وفي العمق العربي، جعلت نتنياهو يقر بأن "وجود" الكيان الصهيوني الغاصب قد أصبح من الآن فصاعداً مهدداً بشكل جدي.