ارشيف من :آراء وتحليلات
مبادرة الحكيم الاقليمية والاستجابة الايرانية
بغداد ـ عادل الجبوري
تحمل زيارة رئيس المجلس الأعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم الى طهران هذه المرة في جانب كبير منها طابعاً آخر، لسبب بسيط وواضح هو أنها جاءت بعد دعوته في ملتقاه الثقافي ـ السياسي الاسبوعي الاخير الاربعاء الماضي (11 ايار/مايو) الى بناء منظومة اقليمية متكاملة تضم إيران والدول العربية من أجل حل ومعالجة المشكلات القائمة، وتعزيز العلاقات وترسيخ مبدأ التعايش السلمي بينهم.
ما قاله السيد الحكيم هو "ان التوتر العربي الإيراني هو واحدة من الظواهر السلبية التي نعيشها في منطقتنا ودفعنا ضريبتها عربيا وإقليميا خلال السنوات الماضية، وهو يمثل تنكراً لحقيقة التاريخ والجغرافيا ووقائع الأرض والحياة وواقعيات الجوار، ويتحتم علينا حل الخلافات العالقة وتسوية الامور عبر الحوار والمصالح المشتركة الكبرى الموجودة بين العرب والايرانيين في هذه المنطقة، وهناك من المصالح الهائلة ما يمكن أن يمثل فرصة لتذليل كل العقبات للوصول الى تسوية شاملة تحقق الأمن والاستقرار والإعمار والازدهار في منطقتنا".
وفي لقائه وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي في بغداد، أعاد رئيس المجلس الأعلى طرح رؤيته ـ مبادرته ـ التي حظيت باهتمام وتفاعل كبيرين من الجانب الايراني، إذ أكد صالحي في مؤتمر صحافي مشترك مع الحكيم عقب اللقاء "ان جمهورية العراق بلد مهم على الصعيدين العربي والاسلامي، ويحتل مكانة مرموقة ومتميزة على المستويين الاقليمي والدولي، ونحن نحرص على أن تثمر هذه الجهود المتمثلة في التشاور المستمر لاتخاذ قرارات مشتركة بخصوص ما تشهده المنطقة من مشاكل وتحديات بحاجة الى حلول جماعية تكون سلمية ومنصفة للجميع".
ولعل توقيت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد، ومن ثم دعوة السيد عمار الحكيم لزيارة طهران واجتماعه بكبار القيادات السياسية الايرانية، يدل على اهتمام الأخيرة بالمبادرة التي طرحها الحكيم، وهذا التفاعل والتجاوب والاهتمام يعكس في جانب منه واقعية المبادرة وضرورتها في هذا المفصل الزمني الحساس، حيث يشهد العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط احداثاً ووقائع على قدر كبير من الخطورة، وتتطلب اعادة النظر في الكثير من السياقات المتبعة والحقائق والمعطيات القائمة، سواء على الصعيد الداخلي للبلدان التي حصلت فيها الثورات والانتفاضات الشعبية، او تلك التي يتوقع ان تواجهها مستقبلا، او على صعيد علاقاتها الدولية.
وفي جانب آخر يظهر مدى الأثر الذي يمكن أن تحدثه مبادرة من هذا القبيل في الواقع العربي إرتباطا بالعلاقات الايجابية بين المجلس الأعلى من جهة وأوساط رسمية وغير رسمية في أكثر من دولة عربية، حيث ان العلاقات الايجابية من شأنها ان تفتح آفاقا رحبة وتهيئ ارضيات مناسبة لحوار يتجاوز العموميات ليدخل في التفاصيل والجزئيات.
وفي تقدير جهات سياسية وغير سياسية داخل العراق وخارجه، ان الحكيم يمكن أن يلعب دوراً محورياً في فك بعض العقد في العلاقات بين ايران وبعض اطراف العالم العربي، وتقريب وجهات النظر، من خلال استثمار جملة من العوامل والظروف الموضوعية، من بينها التواصل المستمر بين قيادة المجلس الاعلى وزعامات عربية عديدة في هذه المرحلة وفي مراحل سابقة أيضا، ربما بنفس القدر من التواصل بين قيادة المجلس والقيادة الايرانية.
في المقابل، هناك دواع ومبررات غير قليلة تدفع طهران الى التفاعل والتجاوب مع مبادرات كهذه لعل من بينها ـ بل من أهمها ـ إدراكها أن التأزم والاحتقان وانعدام الثقة في البيئة الاقليمية، يجعل امكانيات واحتمالات الصدام اكثر من فرص التفاهم والتعاون، وبالتالي يوفر المناخات والأرضيات المؤاتية لدخول قوى دولية لها أجنداتها الخاصة مثل الولايات المتحدة الاميركية ومعها "اسرائيل" على الخط بصورة مباشرة وسافرة، وهذا بالنتيجة لا يصب في خدمة مصالح أي طرف من الاطراف، ان لم يكن على المدى القريب فعلى المدى البعيد. اضف الى ذلك فإن طهران تحمل نفس رؤية انقرة لمنهجية التعاطي مع الازمات القائمة وآليات احتوائها ومعالجتها، والتي تقوم على أساس الحوار الموضوعي والصريح والبناء على أرضية القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة، وترى أنها قادرة على أن تضطلع بدور محوري في حال تبلورت قناعات لدى الاطراف المعنية بأهمية وضرورة تصحيح المسارات وتوجيهها بالاتجاهات المطلوبة.
صحيح ان هناك تراكمات تاريخية في واقع العلاقات العربية ـ الايرانية من الصعب إزالتها ومحوها بالكامل، الا انه في ذات الوقت هناك الكثير من نقاط الالتقاء التي من الممكن استثمارها وتوظيفها بصورة عملية لمصلحة كل الاطراف.
ليست التراكمات التاريخية وحدها هي التي تقف عائقا امام بناء علاقات ايجابية وبناءة بين ايران والعرب، بل ان حالة التشظي والضعف والتفكك العربي وارتهان الكثير من السياسات والتوجهات العربية لقوى واطراف خارجية ـ دولية وقفت وما زالت تقف عائقا امام التقارب الحقيقي بين الطرفين، مع وجود مساحة واسعة جدا من المصالح الاقتصادية والامنية والثقافية المتشابكة والمتداخلة باستمرار.
واذا كان على الأنظمة العربية الحاكمة ان تذعن وتصغي لارادة ومطالب شعوبها العادلة، فإن عليها في الوقت نفسه ان تعيد النظر في علاقاتها، أو بعبارة أخرى، ترميم واصلاح علاقاتها مع مختلف الأطراف، لا سيما مع ايران التي باتت اليوم قوة اقليمية وكذلك دولية يحسب لها ألف حساب، مثلها مثل جارتها تركيا.
وتوازنات القوى العالمية تفرض على العرب ـ كما تفرض على ايران ـ الشروع بحوار بناء وفاعل وجدي يفضي الى كسر الحواجز النفسية، واغلاق ملفات الماضي، وفك عقد لا يمكن ان تظل مستعصية، والقفز على العناوين المذهبية والفكرية والفئوية الضيقة، ووضع حد لحالة القبول والتماهي مع الاملاءات الخارجية.
ومثلما يقول السيد الحكيم "ان تعريف المصالح بين هذه البلدان ووضع تصور وتعريف للهواجس التي تثير القلق للعرب من ناحية أو للايرانيين من ناحية أخرى، كفيل بوضع رؤية استراتيجية وشراكة حقيقية في إقليمنا ومنطقتنا تشمل الأمن والسياسة والثقافة والاقتصاد وكل القضايا الحساسة والحيوية التي يمكن ان تمثل مصالح مشتركة بين الدول العربية وإيران".
ربما تكون المتغيرات الحاصلة في العالم العربي فرصة مؤاتية ومناسبة لمراجعة المواقف والتوجهات والقناعات، والمؤشرات التي لاحت من القاهرة مؤخراً قد تكون خطوة أولى في الطريق الصحيح. وتفعيل مبادرة الحكيم الاقليمية، يحتاج الى استجابة عربية توازي الاستجابة الايرانية حتى تؤتي ثمارها، وهذا امر ممكن ومتاح الى حد كبير الآن اكثر من أي وقت مضى.