ارشيف من :آراء وتحليلات
الحلف الاستراتيجي بين باكستان وأميركا: زمن الصعوبات!
عقيل الشيخ حسين
من التماهي بالموقف الهندي من قضية كشمير ومن تفجيرات مومباي، إلى الدعم النووي والعقود التجارية الضخمة، مروراً بتأييد واشنطن لحصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن وبزيارة باراك أوباما إلى الهند من دون أن يعرّج على باكستان، وصولاً إلى توجيه الاتهام للسلطات السياسية والعسكرية الباكستانية بالتواطؤ مع الإرهابيين، لم يبق شيء يمكنه أن يغيض الباكستانيين إلا وفعله الرئيس الأميركي.
ومن دون أن ننسى عدم إعلام السلطات الباكستانية بالعملية التي يفترض أنها أسفرت عن إعدام بن لادن، وما انطوى عليه ذلك من انتهاك السيادة الباكستانية عبر التوغل إلى مكان غير بعيد عن إسلام آباد وفي منطقة لا تشتمل عليها الاتفاقيات التي تسمح للأميركيين بتنفيذ غارات داخل بعض المناطق الباكستانية في إطار مطاردة القاعدة وطالبان.
والأشد إثارة للغيض في كل ذلك هو تلك المفاوضات التي يجريها الأميركيون مع بعض فصائل طالبان بمعزل عن باكستان التي كانت لها اليد الطولى في تدريبها وإعدادها ومنحها القواعد فوق أراضيها، يوم كان رأس الاحتلال السوفياتي لأفغانستان مطلوباً وفق ما تقتضيه مصالح أميركا، وما يسمح به مال النفط العربي، وما يزخر به بعض الشارع الإسلامي من قدرات على الحشد البشري لإمداد طالبان والقاعدة بالمقاتلين قبل أن تلتصق بهما وصمة الإرهاب، وعندما كانت خدمة المشروع الأميركي قد جعلت منهما حركتي تحرر بامتياز.
فقد بات معروفاً أن أوباما الذي يريد أن يضيف إلى قائمة إنجازاته الضرورية لكسب ولاية رئاسية ثانية خروجاً من أفغانستان مختلفاً عن خروج أميركا من فيتنام، أو، أفضل من ذلك، خروجاً "احتفالياً" يسمح لإدارته بادعاء النجاح في حمل رسالة الحرية والديموقراطية إلى أفغانستان، لا يمكنه تحقيق ذلك إلا إذا تمكن من إحلال الحد الأدنى من الاستقرار في ذلك البلد.
والمعروف أيضاً أن فشل الغزو العسكري الأميركي والأطلسي في تحقيق أهداف الحرب قد رفع من قيمة باكستان، الحليف الأول لأميركا في الحرب على الإرهاب، وجعل منها الجهة الحصرية التي يمكنها أن تقوم بالمهمة الوسخة التي عجز عنها الغزو الخارجي.
من هنا أغدقت المساعدات المالية والمادية على الجيش الباكستاني الذي وجد نفسه في ورطة حقيقية بمقدار ما أضاف إلى عجزه عن تعديل الكفة في أفغانستان عجزاً عن مواجهة القبائل المسلحة التي التحقت بطالبان داخل الأراضي الباكستانية نفسها وأحرزت ـ رغم تعبئة 130 ألف جندي باكستاني في الهجوم على وزيرستان ـ انتصارات عسكرية فتحت أمامها طريق الوصول إلى إسلام آباد العاصمة.
وعندما توصلت الحكومة الباكستانية إلى اتفاق مع القبائل كان من شأنه ـ لولا الطيشُ والاستعجالُ الأميركيان ـ أن يعطي الجيش الباكستاني مزيداً من القدرة على التعامل مع الوضع الأفغاني، ثارت ثائرة الأميركيين وانهالت الاتهامات على باكستان بالتواطؤ مع الإرهاب.
وأرفق ذلك بأشكال من الضغوط ومواقف العداء التي يبدو أن الدولة الباكستانية قد وصلت إلى حالة العجز عن تحملها في ظل ما تكابده من مشكلات مستعصية على مختلف الصعد الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصاً في ظل استياء الشارع والجيش الباكستانيين وقطاع واسع من الطبقة السياسية تجاه ربط بلدهم بالسياسات الأميركية واستخدامه في حرب ضد بلد "شقيق" يشكل مدى استراتيجياً مهماً لباكستان في مواجهتها المزمنة مع الهند.
وجاءت قضية اغتيال بن لادن المفترضة لتضع باكستان بين مطرقة الضغط الأميركي وسندان الاستياء الداخلي لتدفع بالعلاقات مع الولايات المتحدة إلى النقطة الحرجة، ولتجبرها على اتخاذ مواقف ظلت وسطية بمقدار ما حرصت على التجاوب مع رغبات الشارع المعادي للأميركيين من دون قطع الشعرة معهم.
فقد أعلنت الحكومة الباكستانية عن رغبتها في تقليص الوجود العسكري الأميركي في باكستان إلى الحد الأدنى، وطلب البرلمان وقف الغارات الأميركية على الأراضي الباكستانية في إطار مطاردة القاعدة وطالبان، مع التهديد بقطع طرق الإمداد التي تزود جيوش الأطلسي بالأعتدة في أفغانستان. إضافة إلى تهديد الجيش بالتصدي لكل تدخل يمس السيادة الباكستانية.
وبالفعل قام بإطلاق نار يبدو أنه كان "خفيفاً" على مروحيتين أميركيتين اخترقتا الأجواء الباكستانية، ورد الأميركيون بنار خفيفة أيضاً أدت إلى جرح جنديين باكستانيين.
وفي الوقت الذي يعترف فيه الأميركيون بمرور العلاقة مع الشريك الأول في الحرب على الإرهاب بمرحلة صعبة، فإنهم يؤكدون أيضاً على ثبات العلاقة الاستراتيجية ورسوخها. تأكيد يظل معلقاً في هواء العواصف المقبلة في أفغانستان وباكستان، ولكن أيضاً في المنطقة العربية التي يعاني فيه المعسكر الأميركي ـ الصهيوني وامتداداته المحلية من صعوبات أكبر.
صعوبات لا يمكنها إلا أن تتزايد بما هي تداعيات لفشل الحرب الأميركية على أفغانستان والعراق، ولعجز الضغوط الأميركية عن ليّ عنق حركات المقاومة ودول الممانعة، وخصوصاً عن حماية الأنظمة ـ المحميات في وجه رياح الثوارات العربية.