عبد الحسين شبيب

هذه المقالة موجهة الى قيادات 14 آذار ومن يهمه الامر ممن سيلتقون بمساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان خلال ثلاثة ايام في بيروت. هي اشبه بنصيحة وتقع ضمن الاجراءات الاستباقية، وهي نصيحة مجانية تتوخى تخفيض منسوب الحرج عمن اصابتهم اعراض فيلتمان ـ سيسون بحسب وصفات وثائق وييكليكس. انتبهوا جيداً، الرجل قادم في مهمة قذرة تستوجبها الحرب الاقذر التي تخوضها الادارة الاميركية هذه الايام على الشعوب العربية والاسلامية. الرجل يحمل رسائل ويقوم بسلة تبليغات ضمن نطاق مهمته التي تدار مباشرة من رئيسته هيلاري كلينتون. الرجل سيقدم تقارير مفصلة وموثقة عن محضر محادثاته من اكبر مسؤول في لبنان الى اصغر مخبر، وبينهم "الخبراء" الذين تبين ان سفارته في بيروت تستعين بهم لفهم العقل اللبناني ولجمع ما امكنها من معلومات استخبارية وسياسية واقتصادية وحتى فنية.

فيلتمان كعادته صلف ولا يمزح ولا يعنيه ما كتبه عن سعد الحريري وما سيكتبه عن اي شخص آخر مؤهل للعب دور ما في لبنان: سواء كان دورا وضيعا قليلا او وضيعا كثيرا.

فيلتمان سيوثق محاضر لقاءاته جميعاً ويضع مداخلات ضيوفه بين مزدوجين للتشديد على حرفيتها، وسيضع بجانب رأيه الشخصي عبارتَي "تعليق" او "ملاحظة"، ويختمها بإحدى العبارتَين "انتهت الملاحظة" او "انتهى التعليق". وهو معني بتقديم تقدير وضع عن نتائج زيارته متكئا على الشهادات الموثقة للمخبرين اللبنانيين وغير اللبنانيين ممن سيلتقيهم في بيروت وبأي رتبة كانوا. فوزارة الخارجية الاميركية مستعجلة هذه المرة لقراءة محاضر المحادثات اكثر من اي مرة سابقة للبناء عليها في قراراتها المتلاحقة هذه الايام! لماذا؟ لأن في رأس جدول اعمال فيلتمان الموضوعات الملحة التالية: الحرب على نظام بشار الاسد، حيث يعرف الرجل ضلوع بعض القوى اللبنانية فيها عسكريا وامنيا واعلاميا وسياسياً، وبالتالي سيتلقى منهم تقارير عما فعلوه حتى اللحظة وكيف صرفوا الاموال والاسلحة المقدمة لهم لهذه الغاية، ثم ما يجب ان يقوموا به في المرحلة المقبلة بعد الاستماع الى تقويمهم لنتائج ما فعلوه.

ايضا العنوان الثاني على جدول اعماله هو كيفية توظيف المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في محاولة اسقاط نظام بشار الاسد، في ظل التعديلات المتتالية التي يدخلها المدعي العام الدولي دانيال بيلمار على قراراته الاتهامية التي صارت بثلاث نسخ في اقل من نصف عام، وبالتالي سيتحدث فيلتمان عن وظيفة المحكمة في هذه الحرب على سوريا بعيد اصدار قرارات اميركية واوروبية بحق قيادات في سوريا على رأسها بشار الاسد، وكيف يمكن ان تؤدي المحكمة دورا مكمّلا في تكوين ملف جنائي اضافي يحكم لف الحبل على عنق النظام السوري المقاوم لاسرائيل.

العنوان الثالث استعراض ما جرى في عملية تأليف الحكومة التي اقامت واشنطن عناصر ربط كثيرة بينها وبين تطورات المنطقة تحت غبار الحديث الاعلامي اللبناني عن "عقد محلية" ومناكفات وحصص وما شابه، فيما القطبة والعقدة الحقيقية ليست كذلك بتاتا بعدما فضحها تذليل ما بات يعتبر أمّ العقد، وهي وزارة الداخلية، ليتبين انها تكمن في شيطان مراهنة البعض على مآل الامور في سوريا.

طبعاً هناك كلام كثير سيقال عن مسيرة عودة اللاجئين الفلسطينيين والتقدير الاسرائيلي لها، وتقدير 14 آذار لهذه الخطوة وخلفياتها، ووظيفتهم في المرحلة المقبلة، فضلا عن ملفات اكثر حساسية يحملها الزائر الاميركي في جولة لم يسبقه اليها مبعوث اميركي ومكث بعد انتهاء الحرب اللبنانية ثلاثة ايام متتالية.

اذاً الموضوعات خطيرة وحساسة ونتائجها المستقبلية اكثر خطورة، وفيلتمان لن يوفر عبارة في محضره، وستطير المحاضر يوميا ولن تنتظر انتهاء الزيارة، وهو كعادته سيحتفظ بتسجيل صوتي رقمي وربما تسجيل بالصوت والصورة ـ كيف لا ووثائق ويكيليكس بينت كيف مولت الادارة الاميركية عملية تدريب بعض السوريين على استخدام التقنيات الاعلامية الحديثة وتبادلها عبر وسائل الاتصال الالكترونية في اطار خطة اسقاط بشار الاسد ـ وبالتالي فان الذين سيخرجون لاحقا لينفوا ما نقله فيلتمان عنهم سيواجهون هذه المرة بوثائق مصورة ربما يشاهدونها على شبكة "سي ان ان" او اي فضائية عربية او اجنبية في حال ضاق ذرعاً فيلتمان وادارته من كذب هؤلاء.

ولأن موقع ويكيليكس مستعجل هذه المرة اكثر من سابقاتها ليحصل على محاضر الديبلوماسيين الاميركيين وتقاريرهم التجسسية التي يزودهم بها مخبروهم الوضيعون في الشرق الاوسط، فان النصيحة المجانية لضيوف فيلتمان هي باختصار التالية:

1 ـ احرصوا على ان تدرسوا عباراتكم بعناية فائقة، فالموضوعات كما قلنا خطيرة ونتائجها اخطر، ولا يستعجلنّ احدٌ منكم في التعبير عن مكنوناته وأحقاده بشأن سقوط نظام بشار الاسد، فالرئيس السوري ماضٍ في اصلاحاته بغطاء دولي توفره له روسيا وتمنع عنه سيف مجلس الامن وتجربة القذافي، كما هو ماضٍ في التصدي للعمليات الامنية التي يتعرض لها من مجموعات مسلحة، وبالتالي فان الخوض هذه المرة عميقا في الرهانات سيؤدي الى عواقب وخيمة. ومع ان جرة ويكيليكس الاولى لم تسلم بعد، فان جرة ويكيليكس الثانية ستنكسر لا محالة على رؤوس المتآمرين، ويُعتقد انه لن يكون هناك تساهل هذه المرة، فانتبهوا جيدا الى كلامكم سواء قلتموه شفهيا ووثّقه فيلتمان بالصوت والصورة، او خفتم الفضيحة مرة ثانية وقررتم ان تكتبوه على اوراق امامه وتبلعوا ألسنتكم، فالوثيقة هي ذاتها وبصمات اصابعكم وخطوطكم عليها.

2 ـ للذين انكروا ما نشرته وثائق ويكيليكس ما عليهم الا ان يستأذنوا من زائرهم، وهو ضيفهم وهم اهل الدار، وأن يضعوا امامه كاميرا من نظام "ديجيتال" شديدة التطور ومتوافرة في السوق باسعار زهيدة، ويمكن ان يشتروها من الاموال التي دفعها لهم الرجل سابقا لتشويه صورة حزب الله، أو التي تدفع لهم حاليا للمساهمة في الحرب على سوريا. ولهؤلاء تقول هذه المقالة: تأكدوا من ان الكاميرا تعمل بالصوت والصورة، وفي هذه الحال يمكن ان تنكروا ما ينقله عنكم فيلتمان وان تقيموا دعوى افتراء عليه لأنه يظهركم خونة في عيون اهل وطنكم لبنان، وهم سيكونون معكم في دعم الدعوى الجزائية، وبهذا تقدمون خدمة لانفسكم تبرّئون فيها ساحتكم مما نسبه اليكم هذا السفير الوقح، وخليفته الاكثر وقاحة، وخليفتهما الموصوفة بوقاحتها (عندما لم تستحِ بزيارة نائب بقاعي عشية الاستشارات النيابية بعيد اطاحة سعد الحريري من الحكومة).

هذه النصيحة خالصة لوجه الله وفوائدها جمة وستعمم على كل من سيلتقي فيلتمان، وهي حرز من مندوب الشيطان الاكبر الذي ليس لديه صاحب مهما علت رتبته، فصاحبه الوحيد هو مصلحة بلاده ومصلحة اسرائيل. فاستعيذوا بالله من هذا الشيطان البغيض، واذا امكنكم ان لا تلتقوا به، فهذا افضل، والسلام.