ارشيف من :آراء وتحليلات
أوباما بين غباء مستشاريه ومحاولة استغباء الثوار العرب
عبد الحسين شبيب
من المعروف ان هناك فريقاً من المستشارين يقومون بصياغة الخطابات الأساسية للرئيس الاميركي، أي رئيس، بمعزل عن اسمه، باعتبار ما يرد فيه لا يمثل مواقفه الشخصية بل الخطوط الأساسية لسياسة الولايات المتحدة الداخلية والخارجية على السواء. وكسابقاته يفترض أن خطاب الرئيس باراك اوباما الذي قال انه خصصه للثورات العربية قد نوقشت افكاره وعباراته وصيغته النهائية مسبقا، وتم تدريب الرئيس عليه من قبل فريق العلاقات العامة المتخصص بآليات التواصل وتقنيات التعبير والطرق الأمثل لابلاغ الرسالة والتعبير عن المضمون بحركات وايحاءات مرافقة. هذا ايضاً تقليد ممأسس في البيت الابيض.
العقل الاستشراقي ورؤية الغرب للعرب لا تزال هي ذاتها تهيمن على طريقة التفكير الاميركية رغم ثورة الاتصالات والمعلوماتية والفضائية وتحول العالم الى قرية كونية صغيرة. |
يعرف اوباما ان جوهر الثورات العربية هو اسقاط انظمة ديكتاتورية تلقت طوال عشرات السنين دعما أميركيا وأوروبيا متعدد الأوجه. والقائدان اللذان رحلا حتى الآن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك هما أوثق حليفين لواشنطن وحظيا على الدوام برعايتها الخاصة. الذي جرى في تونس ومصر هو تصحيح خطأ قررت الجماهير وضع حد له، خطأ داخلي في تولي السلطة بنسبة 99 فاصل 99 في المئة في انتخابات لا تشبه اي عملية اقتراع ديمقراطي، لكن الحصانة الخارجية والتسويق الاميركي لهيبة وقوة الامبراطورية العظمى ومحظور المس بحلفائها هو الذي دب الذعر في قلوب الشعوب العربية وحال دون اسقاط هذه الانظمة. هل يجب على الشعبين التونسي والمصري ان يخرجوا الى الشوارع منددين بالسياسات الاميركية لكي يعرف اوباما ان المتظاهرين يكرهونه ويكرهون سياسات بلاده. هم تظاهروا عشرات المرات ضد الولايات المتحدة واسرائيل وعبروا عن موقفهم صراحة منها. لا يحتاج الامر الى توثيق. ثم الا يوجد على طاولة كل الرؤساء الاميركيين؛ فعلى الاقل في العشر سنوات الماضية استطلاعات الرأي التي اجرتها مراكز أبحاث مرموقة وموثوقة لدى الاميركيين اعطت على الدوام النتائج التالية:
اميركا واسرائيل هما الدولتان الاكثر كراهية في العالم العربي والاسلامي، والرؤساء العرب المنضوون في المحور الاميركي لا يحظون بأي شعبية حقيقية، وقادة المقاومة ورؤساء دول الممانعة هم الأكثر شعبية في العالم العربي وفي مقدمهم بشار الاسد واحمدي نجاد وحسن نصر الله وخالد مشعل ومقتدى الصدر، مع حفظ الالقاب، وغيرهم ممن يقفون في طليعة المتصدين لمحور الشر الاميركي. اوباما مثله مثل أي ثائر عربي حديث يعرف استخدام شبكة الانترنت، وما عليه اذا كان مستشاروه قد ضللوه الا ان يدخل على اي محرك بحث ويطلع على آراء الشارع العربي والاسلامي به وبسياسة بلاده وبرؤساء وملوك وامراء الدول العربية الذي يعتبرون من حاشية النظام الاميركي العالمي. الاستطلاعات والدراسات منشورة وارقامهما مدقق فيها والمؤسسات البحثية التي انجزتها لها صدقية معتد بها.
حتى لا نطيل في هذه الفكرة، نطرح على مستشاري الرئيس الاميركي السؤال التالي: هل مضمون الخطاب الذي صغتموه لرئيسكم يشبه الدراسات والابحاث والتقديرات التي انجزتها مراكز الدراسات واجهزة الاستخبارات الاميركية والموجودة الان على طاولة اوباما في البيت الابيض عن الثورات العربية؟ الا تعرفون ان هذه الابحاث والندوات نشرت على مواقع الانترنت وان الثوار العرب الذي استخدموا الشبكة العنكبوتية قرأوا بدقة الهلع الاميركي من تحركهم والتوصيات العاجلة التي قدمت الى مراكز صنع القرار كي يتم وقف المد الثوري العربي حتى لا يطيح بما تبقى من انظمة حليفة للولايات المتحدة، وان هذه التوصيات تطبق بحذافيرها الان في البحرين وليبيا واليمن؟ ليس الامر سراً ولا ابداعاً ولا سبقاً صحفياً. فلم يخرج على وجه الكرة الارضية باحث اميركي او اسرائيلي او اوروبي او من اي جنسية اخرى او عربي وكتب سطراً واحداً يقول فيه ان ما يجري من ثورات شعبية عربية تصب في مصلحة الولايات المتحدة... ابداً. فقط هناك دراسات دقيقة تبين كيف تدير الولايات المتحدة محاولة تغيير النظام في سوريا لان بشار الاسد هو الرئيس العربي الوحيد الذي يدعم محور المقاومة وهو الرئيس الذي اعطته الاستطلاعات التي اجريت بطلب من القيادة الاميركية اكثر من مرة مركز الصدارة لدى الرأي العام العربي.
كيف يخاطب اوباما جمهور الثوار العرب ويحاول ان ينافق عليهم وهم يعرفون وقرأوا عن خوفه من ثوراتهم ومن اضرارها على مشروع الهيمنة الاميركية؟ اذا كان اوباما جادا في ما يقول فليقدم للثوار العرب تفسيرا عن سبب حجزه حتى الان مليارات الدولارات للشعب الايراني منذ ان اسقط الاخير شاه ايران، اكبر عملاء اميركا في المنطقة في حينه، بثورة لم يحصل لها نظير في العالم حتى الآن؟ وكيف اجهض الانتخابات الفلسطينية بعد فوز حماس فيها؟ ولماذا يحاصر حزب الله الذي يحظى بشعبية لبنانية وعربية واسلامية غير مسبوقة؟
كيف يخاطب اوباما جمهور الثوار العرب ويحاول ان ينافق عليهم وهم يعرفون وقرأوا عن خوفه من ثوراتهم ومن اضرارها على مشروع الهيمنة الاميركية؟ |
طبعاً منسوب الغباء والاستغباء في خطاب اوباما ترجمه خصوصاً في الفقرات المتعلقة باسرائيل وبالفلسطينيين. علاقة اميركيا باسرائيل كما عبر عنها اوباما هي احد اسباب كراهية الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. هم قالوا ذلك وكتبوا عنه باستفاضة! ثم ينادي الرجل بحق تقرير المصير ويضع قيوداً على ممارسة الشعب الفلسطيني ويضع له حدود دولته ويشترط ان تكون منزوعة السلاح ويبقي ملايين اللاجئين الفلسطينيين مشردين؟ كيف استطاع خبراء العلاقات العامة في البيت الابيض ووزارة الخارجية الاميركية ان يوفقوا بين هذه الجمل ومحاولة استمالة قلوب الثوار العرب؟
ما تقدم يفيد بخلاصة ان هناك خللا كبيرا في العقل السياسي الاميركي سيراكم مزيداً من الاخطاء، وما الخطاب الا خطيئة جديدة تضاف الى خطايا الحروب الست الآنفة الذكر، والتي ستزيد الهوة بين الولايات المتحدة وشعوب الشرق الاوسط التي لم تعد تنطلي عليها لعبة اعلام باتت تتقنها اكثر من الذين اخترعوا تقنياتها، وهذا ما ظهر بوضوح في الثورات التي شرعت بتصحيح اخطاء السياسات الداخلية، وستشرع قريباً في تصحيح اخطاء السياسات الخارجية. ويمكن القول ان الاختبار الأول قد يكون في كيفية التعامل مع مسيرات العودة الفلسطينية الى الوطن الأم والاصلي والوحيد، وحينها اما ان يخرس اوباما او يطل بخطاب لن يتأخر زمنه طويلاً.