ارشيف من :ترجمات ودراسات

أوباما والتغيير: مزيداً من العدوانية ومزيداً من الفشل!

أوباما والتغيير: مزيداً من العدوانية ومزيداً من الفشل!

عقيل الشيخ حسين

باراك أوباما، رئيس البلد الذي خاض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أكثر من 300 حرب أو تدخل عسكري أو استخباراتي مباشر أو غير مباشر، كلها تهدف إلى التنكيل بالشعوب والنيل من حريتها في أربع أقطار الدنيا، بما فيها تلك التي، كما في البلقان أو ليبيا، تقدم السم تحت غطاء رقيق من الدسم، اختار في خطابه الأخير الشعب السوري ليجود عليه بالحق بالديموقراطية والحرية!

وخيّر الرئيس الدكتور بشار الأسد بين قيادة عملية الانتقال أو التنحي، وإلا فإنه سيتعرض مع نظامه إلى التحدي من الداخل والعزل من الخارج، مكرراً اتهام سوريا بالتبعية لإيران التي تساعده في عملية القمع، في كلام ترجمته الواقعية المعلنة أميركياً أكثر من مرة أن على سوريا أن تقطع مع إيران والمقاومة، وتدخل في العملية الاستسلامية مع الكيان الصهيوني... وعندها سيحظى الرئيس الأسد بالحفاوة الأميركية، ولن يبقى هنالك من مبرر للتظاهرات التي تجري في سوريا.

  أوباما لم يأت بجديد بخصوص القضية الفلسطينية اللهم إلا في ما يخص استياءه من جديدها المتمثل بالمصالحة بين فتح وحماس
فعل ذلك من باب تأييد إدارته للمتظاهرين من أجل الديموقراطية والحرية في العالم العربي بكل ما انطوى عليه ذلك من مفارقات ظهرت في مقاربته للمشكلة الفلسطينية. فما جاد به على الشعب السوري من حقوق بخل به على الشعبين البحريني والفلسطيني.

فالشعب البحريني يتظاهر بأكثريته الساحقة مطالباً حكم آل خليفة ببعض الإصلاحات الديموقراطية، فيأتيه الرد من قبل تحالف بلدان درع الجزيرة قتلاً وأحكاماً بالإعدام وسجناً وحرماناً من العناية الطبية وهدماً منهجياً للمساجد وحرقاً للمصاحف. وإزاء هذا الوضع، لا يجد أوباما ما يطالب به غير الحوار.

أما بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعاني من التشريد والاحتلال منذ عقود طويلة على يد الصهاينة المدعومين من قبل أميركا وحلفائها وامتداداتها في المنطقة، فلا حقوق له بالحرية والديموقراطية والعدل، ولا دعوة للصهاينة إلى الرحيل. بل تطابق كامل مع موقفهم من المشكلة: إنكار لحق العودة، وإصرار على مواصلة تشريد الفلسطينيين من خلال الاعتراف بيهودية الدولة، وصمت بخصوص القدس والاستيطان. واكتفاء بالتلميح المبهم إلى دولة على أساس حدود العام 1967، ما يعني عدم الانسحاب إلى هذه الحدود إلا بالشكل الذي يضمن بقاء المستوطنات التي تغطي معظم أراضي الضفة الغربية وتقطعها إلى أشلاء متناثرة وغير صالحة لأن تقام فوقها دولة قابلة للحياة.

وحتى ذلك الإنسحاب، فإن أوباما الذي لم يحدد له آلية أو جدولاً زمنياً، يريده تدريجياً وعلى مراحل مشروطة بضمان أمن "إسرائيل"، وبكون الدولة الفلسطينية العتيدة منزوعة السلاح، على غرار ما يريده لغزة ولبنان حيث أكد أن " إسرائيل" لن تقبل السلام إلا إذا شعرت بالأمان من طرفهما.

بكلمة، وعلى الرغم من "تفاؤل" المتفائلين بالخطاب، فإن أوباما لم يأت بجديد بخصوص القضية الفلسطينية اللهم إلا في ما يخص استياءه من جديدها المتمثل بالمصالحة بين فتح وحماس، حيث شدد على التمييز بين سياسة التنظيمين، وحرصه على تحذير الفلسطينيين من مغبة أية محاولة لتحصيل اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية أو لعزل الكيان الصهيوني حتى "رمزياً" في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر المقبل.

التغيير الاوبامي كان، على وجه التحديد، تفوقاً في عدوانية سياسته بالقياس إلى سياسة سلفه جورج بوش، في أفغانستان ، وممارسة شكليات النفاق والكذب الذي رأيناه في تبرير غزو العراق،
وفيما يخص القضايا العربية الأخرى، وعد بالعمل على تشجيع الاستثمار في كل من مصر وتونس وبدعمهما بمساعدة مالية هزيلة شبيهة بتلك المساعدات التي لا وظيفة لها غير تشجيع الفساد الذي كان في أساس انهيار نظامي حسني مبارك وزين الدين بن علي.

وإذا كان لا بد من القول بأنه قد جاء بجديد ما، فإن هذا الجديد قد تمثل بالتصريح عن أن الولايات المتحدة ستتعرض لقطيعة عميقة مع العالم العربي، إذا لم يكن هنالك تغيير في مقاربتها للشرق الأوسط. لكن هذا التغيير الذي لم يبرز في خطابه حول القضية الفلسطينية هو من نوع التغيير الذي كان قد جعله شعاراً لحملته الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الأبيض.

فذلك التغيير كان، على وجه التحديد، تفوقاً في عدوانية سياسته بالقياس إلى سياسة سلفه جورج بوش، في أفغانستان التي أرسل إليها ثلاثين ألف جندي إضافي، وفي فلسطين حيث تبنّى مواقف عدوانية إسرائيلية لم تكن مطروحة بشكل علني في عهد سلفه.

إنه تغيير في ممارسة شكليات النفاق والكذب الذي رأيناه في تبرير غزو العراق، والذي تحاول أميركا من خلاله إظهار نفسها كمدافعة عن حقوق الشعوب على طريقة الذئب الذي ينصّب نفسه مدافعاً عن الفريسة والذي لا همّ له غير التهامها.

وتغيير في ارتفاع منسوب الطيش الذي أوقع أميركا بوش في ورطتي أفغانستان والعراق، وهو الطيش الذي يدفع أميركا أوباما إلى الوقوع في المزيد من الورطات في عالم عربي دخل في عصر الثورات التي لا يشبه رهان الأميركيين على اختطافها غير رهان الأحمق على ركوب الأسد.

2011-05-22