ارشيف من :ترجمات ودراسات
الأبعاد السياسية والإستراتيجية لإحياء ذكرى يوم النكبة
كتب محرر الشؤون العبرية
فاجأت النشاطات الجماهيرية التي رافقت إحياء الذكرى الثالثة والستين لنكبة الشعب الفلسطيني، على الجبهتين اللبنانية والسورية، كيان العدو. وفرض اختراق عشرات الشبان الأسلاك الشائكة في الجولان ودخولهم إلى مجدل شمس ووصول احدهم إلى يافا وسط فلسطين المحتلة، نفسه على الواقع الإسرائيلي لما ينطوي عليه من أبعاد ودلالات تصل بالأمن القومي للكيان الصهيوني، وإزاء ما يمكن أن يلجأ إليه النظام السوري في مواجهة الضغوط التي تمارس عليه.
ما هو منبع القلق الإسرائيلي وإلا ما يؤشر الحدث السوري؟
كما في العديد من المحطات السابقة، منيت الاستخبارات الإسرائيلية بإخفاق جديد تمثل باستبعادها إقدام النظام السوري على ما يشكل خرقا للقواعد السائدة منذ حرب العام 1973، انطلاقا من تقدير مفاده أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يجرؤ على أي خطوة كهذه. وكان لهذا الإخفاق الاستخباري تردداته الداخلية إذ انعكس سجالا بين قيادة المنطقة الشمالية التي حملت الاستخبارات العسكرية مسؤولية ما جرى، فيما اعتبرت الأخيرة أن الفشل كان نتيجة أداء القيادة الميدانية للجيش.
ورغم أن نشاطات إحياء ذكرى النكبة شكلت سابقة وفاجأت العدو لجهة الأسلوب والمدى الذي ذهبت إليه في الجولان، إلا أن منبع القلق الإسرائيلي ليس من نفس ما جرى فقط وانما مما يؤشر إليه هذا الحدث كونه شكل إنذاراً حول إمكانية اعتماد هذا الأسلوب كخيار دائم في مواجهة الاستحقاقات والتطورات التي قد تعصف في المنطقة. بما يمثله من اجتراح جديد على مستوى تكتيكات الصراع القائم تحت سقف معادلات الردع المتبادل بين حزب الله وسوريا من جهة و"إسرائيل" من جهة أخرى.
وتتعزز خطورة اللجوء إلى خيار تأجيج مطلب حق العودة وفرضه كجزء من أدوات الصراع، من منظور قيادة العدو انطلاقا من انه يعطل جانب أساسي من الأهداف الإستراتيجية لأي تسوية نهائية مفترضة، باعتبار أن احد الأثمان التي تفترضها "إسرائيل" لهذه التسوية، هو إعلان "إنهاء النزاع".
وتوضيح ذلك انه ليس للطرف الفلسطيني بعد عقد التسوية النهائية، طرح أي مطالب إضافية، بما فيها حق العودة. في حين أن فرض المطالبة بحق العودة، واعتماد أسلوب الحشد الجماهيري على حدود الكبان الصهيوني كجزء من أدوات الصراع، سيؤدي لاحقا إلى ان تتصدر هذه القضية الاشتباك السياسي بعد حل قضية الأراضي المحتلة عام 1967.
ومن الطبيعي ان تفرض هذه القضية نفسها على جدول الأعمال الدولي، باعتبار انه لم يعد بالامكان تجاوزها والقفز عنها وهو ما يشكل خطرا شديدا على الطابع اليهودي للكيان العبري وأصل وجوده.
وعليه، يتركز اهتمام أجهزة العدو على مراقبة المراحل المقبلة، وما إن كان سيتم اعتماد الحشد الجماهيري كخيار ثابت يتم اللجوء اليه في المحطات السياسية والمناسبات المختلفة. ولعل أكثر ما يخشاه العدو هو أن يتم البناء على ما جرى وتطوير هذا الأسلوب مستقبلا. والكابوس الذي يؤرق كيان العدو ويشعره بالرعب الحقيقي هو السيناريو الذي يحتشد فيه عشرات أو مئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين، وبما السوريين واللبنانيين، تحت شعار المطالبة بحق العودة.
أما فيما يتعلق بالبعد السوري، فقد عززت الأحداث التي جرت في الجولان، بمناسبة ذكرى إحياء يوم النكبة، المخاوف لدى أجهزة كيان العدو من أن يلجأ النظام السوري إلى استخدام الجبهة كإحدى الأوراق التي يمكن أن يواجه من خلالها الضغوط التي تمارس عليه. خاصة وأن ما جرى أكد للمؤسسة الإسرائيلية، بكل عناصرها الاستخبارية والسياسية والعسكرية، أن القيادة السورية تتبنى مبدأ تحريك الجبهة. وبالتالي فقد شكَّل حدث الجولان بالنسبة لـ"إسرائيل" اقرب إلى كونه رسالة من مجرد عملية إحياء مناسبة هامة. خاصة وأنها الأولى من نوعها والأخطر على مستوى الدلالة منذ حرب العام 1973 من خلال جبهة الجولان.
في ضوء ذلك، يمكن القول أن أحداث الجولان جعلت إمكانية لجوء النظام السوري إلى خيار تحريك الجبهة وهزها، أصبح أكثر حضوراً في حسابات القيادة الإسرائيلية ولدى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع كل ما قد يفرضه ذلك من جدية في النظرة والتعامل مع احتمال كهذا.