ارشيف من :آراء وتحليلات

أوباما في خطابيه الأول والثاني: كلام الخميس يمحوه الأحد!

أوباما في خطابيه الأول والثاني: كلام الخميس يمحوه الأحد!

عقيل الشيخ حسين

منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض، في وقت لا يبدي فيه الكيان الإسرائيلي، المستمر في عنجهيته المحرجة لأميركا ولأنظمة الاستسلام، أي استعداد للتصرف بشكل يخفف من أعباء أميركا المتخبطة في أزماتها الاقتصادية وهزائمها في المنطقة، يُتأتئ الأميركيون بما يمكن اعتباره نصائح تدعو هذا الكيان إلى التخفيف من غلوائه نظراً للمستجدات المتعلقة بالتكنولوجيا العسكرية ومنظومات الصواريخ التي باتت قادرة على ضرب كامل الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.

ولا بد من الاعتراف بأن أوباما قد أظهر الكثير من الجرأة عندما مر سريعاً، في خطابه الأول الذي ألقاه الخميس، على هذه المقولة، قبل أن يطلق عبارته الواضحة في تجنب ذكر كلمة "انسحاب" والمبهمة لجهة الحديث عن حل على أساس حدود 1967. ولعلمه بـ "خطورة" ما تفوه به على مستقبله السياسي وربما الوجودي، وازن أوباما تلك العبارة، أو بتعبير أدق، "كفَّر عنها"، بذلك السيل من التطمينات التي قدمها لـ"إسرائيل"، مؤكداً التزام أميركا بأمن " إسرائيل" وتأييد مواقفها المتمسكة بيهودية الدولة بما فيها القدس، والرافضة للانسحاب من الكتل الاستيطانية، ولعودة اللاجئين، ولتسليح الدولة الفلسطينية العتيدة.

لكن الإسرائيليين، وعلى الرغم من التطابق الكامل بين مواقفهم وموقف أوباما من المسائل المطروحة، باستثناء العبارة المبهمة، لم يعجبهم ذلك الاستثناء، مع أن أوباما ترك لهم هامشاً واسعاً للمناورة وللالتفاف على الانسحاب إلى حدود 1967 من باب ما أسماه "تبادل الأراضي".

وعلى الفور هجم بنيامين نتنياهو على باراك أوباما في عقر داره واشنطن لتسوية الحساب معه، وهو كامل الاطمئنان إلى الظفر ببغيته لقوة الأوراق التي يمتلكها في مراكز القرار الأميركي. وهناك التقى أوباما وأكد، وسط التصفيق الحاد، على الموقف الإسرائيلي أمام الكونغرس. فلم يكن من أوباما الذي يعرف مدى قدرة جماعات الضغط الصهيونية الأميركية على إلحاق الأذى بمعركته الانتخابية التي يكرس لها كل حدّه وحديده، سارع إلى إلقاء خطاب ثانٍ يوم الأحد أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية (إيباك).

وحتى قبل أن يبدأ بإلقاء الخطاب كانت النتيجة قد أصبحت معروفة: هل يجرؤ أوباما على الاستمرار في إغضاب " إسرائيل" في مثل ذلك المحفل الذي يجسد احتلالاً صهيونياً لأميركا لا شبيه له غير الاحتلال في فلسطين.

من هنا، كانت حرارة العناق المفعم بالعطف والتعاطف بينه وبين مستقبليه على منبر "إيباك". ومن هنا قوبل هو أيضاً بالتصفيق الحاد وهو يرفع صوته بمهاجمة حماس وبإزالة الغموض عن عبارته المبهمة التي أخذت معناها النهائي لتصبح: "حدود العام 1967 يجب أن لا تكون هي الحدود بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية".

وهكذا، تطابق الموقف الأميركي مع الموقف الإسرائيلي، وبات بإمكان أوباما أن ينام قرير العين، "على أساس" أن زمن القطاف قد بدأ بما يشكل هذا التطابق واحدة من أهم روافع بقائه في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية. كما بات بإمكانه أن ينتقل إلى خطوة ثانية في أوروبا التي يزورها لمدة أسبوع كامل، وهو مطمئن إلى عدم تعكير أجواء الزيارة من قبل مظاهرات قد تخرج لشجب لا ساميته واستهانته بحقوق الشعب اليهودي.

زيارته الأوروبية هذه تندرج أيضاً في إطار معركة الرئاسة. فقد بدأ بإيرلندا (أكثر من ثلث سكان الولايات المتحدة متحدرون من أصول إيرلندية). وأكثر من ذلك، جدته لأمه التي قام بزيارة رمزية هامة للقرية التي عاشت فيها هي أيضاً إيرلندية. رصيد هام لـ "عالمية" أميركا ـ أوباما المخصّبة من أصله الكيني، ومكوثه لبعض الوقت في إندونيسيا، ولون بشرته الذي يقرّب أميركا، في ما يتجاوز تاريخ الاستعباد، من إفريقيا، واسم أبيه الذي يقرّبه أيضاً وأيضاً من الإسلام بصورته "المعدّلة"!

ونتنياهو أيضاً بات بإمكانه أن يعود إلى فلسطين مكللاً بأكاليل الغار وسط زفة إسرائيلية جامعة: لم تبقَ صحيفة أو معلق أو مسؤول سياسي إلا وأبدى إعجابه الشديد بعودة أميركا ـ أوباما، بفضل نتنياهو، إلى جادة الصواب. حتى تسيبي ليفني، معارضته الشرسة، أبدت الاستعداد للانضمام إليه في تآلف حكومي.

وهكذا، وبعد أن تبين مرة بعد مرة أن أميركا هي أميركا في دعمها المطلق للكيان الصهيوني، سواء كانت في ظل أوباما أو غيره، بات بإمكان الصهاينة أن يرفضوا، ليس فقط أية مفاوضات تشارك فيها حماس، بل أن يتمنعوا إزاء مفاوضات يقودها، من الجانب الفلسطيني، محمود عباس. ما يعني أنهم يريدون الآن تشكيلة فلسطينية من النوع الجدير بالدخول في مفاوضات على أساس لاءات نتنياهو. وعليه، فإن الكرة الآن في الملعب الفلسطيني، المطالب بأن يأتي برد مناسب من غير نوع الردود التفاوضية التي سدت أبوابها أميركياً وإسرائيلياً.

وفي الملعب العربي المطالب بأن يعود إلى الالتزام بدوره في صراع لا بد وأن يعود إلى مجراه الطبيعي كصراع وجود "عربي ـ إسرائيلي"، لا مجرد صراع "فلسطيني ـ إسرائيلي" محكوم بأن ينتهي به المطاف إلى هذه الحالة من التردي، في ظل عقلية الاستسلام العربي أمام أميركا والكيان الصهيوني، بالتوازي مع الحمية العربية التي تتفجر في كل مكان تمكن المراهنة فيه على إثارة فتنة طائفية محلية أو إقليمية.

2011-05-25