ارشيف من :آراء وتحليلات
أجندة مستعجلة للثورات العربية: تجاوز النكستين
عبد الحسين شبيب
ببساطة ومن دون إسهاب في الشرح يمكن قلب السحر على الساحر. لقد فتح باراك اوباما الباب واسعا امام الثورات العربية لكي تقفز مباشرة الى خطابها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية العربية.
على الارجح هي سياسة تلبي النزعة القومية للذين خرجوا الى الساحات وحققوا الحلم العربي الداخلي تمهيدا للحلم القومي. من المنطقي ان لا يكون لعبارة "اولاً" التي صاغها مديرو التخطيط في الخارجية الاميركية مكان في خطاب الثورات العربية. عبارة التقسيم تلك صيغت بعناية وبدهاء ماكرين لكي تشغل اهل كل بلد ببلواهم وتُعرِضُهُم عن قضاياهم المشتركة، فيصبح اهل كل حارة معنيين فقط بشجونهم. ثمة شبهة يتم تسويقها من قبل الذين يحاولون الالتفاف على نتائج عملية التغيير في المنطقة العربية عبر تسويق مقولة ان هذا التغيير يقتصر فقط على السياسة الداخلية، واجندته محض محلية تتعلق بالفساد والحريات والمشاركة السياسية ودمقرطة انظمة الحكم. قطعا هذا الامر غير صحيح، لكن قاعدة الأولى فالأولى هي التي تحكم سلوك الثوريين العرب الذين يشتركون بمختلف جنسياتهم، على اجندة خارجية ستبصر النور في اوانها، والارجح ان اوانها قد حان، وان الرئيس الاميركي نفسه قد مهد لها الطريق من دون ان يدري، لان خطابه الاخير لم يكن سوى محاولة التفاف على الثورات وخطوة في سياق عملية استيعاب نتائجها عبر الايحاء بتبني مشروعها ودعمها، في حين انها هي حكما ضد هيمنة بلاده على العالم. وبما ان الرجل بتذاكيه يُظهر تأييده لمطالب رواد ساحات التغيير التي اسقطت حليفين لاميركا حتى الان، فان ذلك يشكل فرصة لرد الصاع صاعين لأوباما وللادارات الاميركية المتعاقبة التي لم يعرف عنها منذ انخراطها في سياسة شرق اوسطية بُعيد الحرب العالمية الثانية سوى انها تسببت بازهاق ارواح ملايين المواطنين العرب والمسلمين، ودعمت أسوأ الانظمة التي عرفتها البشرية في القرن الماضي وهذا القرن، وكانت وراء عمليات النهب المنظمة التي قادها حكام ـ بمختلف المراتب ـ لم يميزوا بين حساباتهم الشخصية وحسابات الخزينة العامة، وقُدر لهم ان يجمعوا ارقاماً خيالية كأفراد وليس كشركات، تجاوزت السبعين مليار دولار كما هي ثروة عائلة حسني مبارك، فضلا عن ثروة معمر القذافي المجهولة الارقام حتى الآن.
الادارات الاميركية المتعاقبة منذ انخراطها في سياسة شرق اوسطية بُعيد الحرب العالمية الثانية تسببت بازهاق ارواح ملايين المواطنين العرب والمسلمين، ودعمت أسوأ الانظمة التي عرفتها البشرية في القرن الماضي وهذا القرن |
يوجد اليوم والآن امران مستعجلان: قيام ابطال الجيش السوداني باعادة سيطرتهم على منطقة ابيي الغنية بالنفط، واستعداد الشباب الفلسطيني لاحياء جديد لحق العودة في ذكرى نكسة حزيران. وهؤلاء مثلهم مثل ابطال بقية الثورات الحالية كسروا حاجز الخوف وقرروا تحدي التهويلات ورموا تهديدات واشنطن وحلفائها وادواتها وراء ظهورهم، واخذوا زمام المبادرة لاستعادة حقوقهم في لحظة غضب شعبي عربي عارم.
يعرف الثوار العرب ان الاميركيين قنصوا الجزء الشمالي من السودان، اكبر بلد عربي من حيث المساحة وافضله للزراعة بما يمكنه من توفير الغذاء لجميع العالم العربي، ويعرفون ان تواطؤ انظمة عربية، وبينها نظام حسني مبارك، كان عاملاً مساعداً في تسهيل عملية التقسيم التي حصلت عشية انطلاق الثورات العربية في تونس ثم مصر. ولو تأخر الاستفتاء القذر بضعة أيام لكان بامكان عمر حسن البشير ان يتكئ على الشعوب التي قررت التحرك وان يرفض اجراء الاستفتاء، وان يتمسك بالسودان موحداً، ولتبلّط واشنطن البحر الاحمر ونهر النيل العظيم إن استطاعت، وهذا امر تؤيده فيه كل الثورات العربية التي تعرف ان تقسيم السودان هو اول الغيث الاميركي في مشروع الشرق الاوسط لتفتيت عالمنا الاسلامي. وحتى لا تتكرر النكسة، ويُقسَّم السودان نهائياً فان الكرة الآن في ملعب شباب الثورات العربية لكي يشدّوا على ايدي ضباط وجنود الجيش السوداني الباسل، وقيادته السياسية الشجاعة، ويعلنوا رسمياً تضامنهم معهم وتأييدهم لهذه الخطوة، ورفضهم لأي تدخل اميركي أو أوروبي في الشؤون السودانية، واستعدادهم للانخراط في عملية المواجهة حتى لا يُستفرد بنظام عمر حسن البشر ويؤخذ السودان عنوة من أهله. ليست المسألة مسألة نفط أو موقع استراتيجي لمنطقة أبيي، بل القضية تتعلق بوضع حد لمشروع يواصل الاميركيون محاولة تطبيقه، وامكانية وضع حد له متاحة. فادارة اوباما اليوم اكثر من مربكة، وليس لديها تقدير وضع لليوم التالي، وخططها تتعثر، وقدرتها على المواجهة مع السودان محدودة، بسبب تعثرها في العراق وافغانستان وخسارتها المعلنة فيهما، وهيبتها من الثورات العربية، ورغبتها المضمرة في عدم انزال قوات على الارض، انما في احسن الاحوال تريد ان تقاتل اما بجنود حلفائها الاطلسيين او بمرتزقتها من الدول العربية والاسلامية. وعليه فان خروج التظاهرات في ساحات تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وغيرها كفيل بردع الاميركيين ونصرة الجيش السوداني وتشكيل حاضنة شعبية عربية له بعدما وفر الشمال السوداني حاضنة شعبية كبيرة له. وما دام يُبدي باراك اوباما احترامه لخيارات الشعوب العربية وثوراتها فما عليه الا ان يخرس ويلوذ بالصمت ويكف عن دعمه المتمردين الجنوبيين الذين يريدون اقامة "اسرائيل ثانية" في الشريان الأبهر للوطن العربي. هذا الامر ممكن ومتاح ومطلوب وكل الظروف مهيئة لانجاحه.
الموضوع الثاني على الاجندة الخارجية للثورات العربية يفترض ان يكون مؤازرة ميدانية في الساحات نفسها لشباب الثورة الفلسطينية وشيبها وفتيانها ونسائها، ممن يحلمون بحزم حقائبهم والعودة الى وطنهم الاصلي والحقيقي والوحيد. وبما ان اوباما يحُدّث هذه الايام عن حق تقرير المصير، وحتى لا يقال ان القضية الفلسطينية هي شأن فلسطيني، وبما ان الشارع العربي طالما اعرب بكل السبل عن مرارته من سلوك حكامه في الصراع مع اسرائيل وابدى استنكاره لمنعها اياه من التصدي لها بفعل تواطؤ وعمالة اغلبية هؤلاء الحكام، فان الفرصة الآن سانحة لكي يعبّروا عما يختلج في صدورهم منذ نكبة 1948 وحتى اليوم، وكي يكرروا تجربة الانتصارات التي كرّت بُعيد نصر حزب الله عام 2000. وحيث إن الاستعدادات الجارية لإحياء النكسة بطريقة ثورية، فان ذلك يشكل فرصة لكي تعبّر الثورات العربية عن جدول اعمالها فيما يتعلق بخياراتها تجاه القضايا القومية، وفي طليعتها فلسطين، ويكفي فقط ان يتظاهر الشبان في الساحات نفسها في تونس ومصر واليمن... الخ، حتى يفهم باراك اوباما وقادة اوروبا ومن يعنيهم الامر ان المرحلة التالية هي مرحلة استعادة ما سُلب من حقوق قومية، وأن من يزعم حرصه وتأييده لخيارات الشعوب، فان الخيار الحقيقي والحاسم لرواد ساحات الحرية العرب اليوم هو تحرير فلسطين من محتليها وإعادة اهلها الاصليين اليها، ويعتقد أنه بعد 15 أيار اللبناني والسوري والفلسطيني، فإنه لا عذر لأحد في نصرة حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.