ارشيف من :خاص
لاءات إسرائيلية تسد الطريق أمام التسوية
كتب محرر الشؤون العبرية
حدَّد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو مبادئ مذهبه السياسي لأي تسوية نهائية مع السلطة الفلسطينية، وبدا أنه اعتمد في بلورتها على تكتيك قول "نعم، ولكن"، بدلا من قول "لا" للتسوية في هذه المرحلة، وخاصة أنه يعلم مسبقا بأن السلطة حتى لو كانت تريد وتقبل بتسوية تنطلق من اللاءات التي طرحها، لا لتقسيم القدس، لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب إلى حدود العام 1967، لا للانسحاب من نهر الاردن...، فهي لا تستطيع إعلان ذلك وإمرارها وتسويقها وسط الجمهور الفلسطيني بمن فيهم المؤيدون لها. ويمكن القول إن رئيس الوزراء الاسرائيلي حاول أن يجمع بين صورتين: الرجل المتمسك بالمبادئ اليمينية، والصامد أمام الضغوط حتى لو أتت من واشنطن، وفي الوقت نفسه الشخص المنفتح على محاولات دفع عملية التسوية عبر حديثه عن تنازلات مؤلمة لاقامة دولة فلسطينية "كبيرة بما يكفي"؛ وعن سخائه بمنح السلطة المزيد من الارض لإقامة الدولة، في حال أعلنت موافقتها على القبول بـ"إسرائيل" كدولة يهودية؛ وعن ابداعية وإرادة طيبة" في القدس، لكن كل ذلك تحت سقف الشروط والمبادئ التي أملتها خلفيات ايديولوجية (حديثه عن ارض الاباء والاجداد ووحدة القدس) ومخاطر أمنية محدقة بواقع اسرائيل ومستقبلها.
إلى ذلك، بدا أن نتنياهو صاغ مبادئه السياسية لأي تسوية نهائية، بما يتلاءم (أغلبها على الأقل) مع توجهات الخط المركزي الذي يمكن توفير أغلبية حوله من الجمهور اليهودي في "اسرائيل"، وبالقياس إلى خطاباته عندما كان في المعارضة، بل وإلى خطابه في جامعة بار ايلان، فإن الخطوط الأساسية للاتفاق الدائم قد تقلق اليمين المتطرف سواء في حزبه أو خارجه، خاصة عندما تحدّث عن الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى فقط. (اريئيل ومعاليه ادوميم وكتلة غوش عتسيون). من هنا يصبح مفهوما ما كشفته استطلاعات الرأي عن ارتفاع شعبية نتنياهو بنسبة بلغت 13%، بعد الخطاب الذي ألقاه في الكونغرس الاميركي رغم أنه سدَّ بمواقفه الآمال على دفع عملية التسوية في المرحلة الحالية. مع الإشارة إلى انه عندما يتم الحديث عن مرونة سياسية ما في مواقف نتنياهو (الموافقة على مبدأ اقامة دولة فلسطينية والإشارة الضمنية إلى الاستعداد بالاكتفاء بالكتل الاستيطانية الكبرى كجزء من دولة اسرائيل..) فهي تنطلق من القياس إلى مضمون الفكر اليميني في مراحل سابقة، والى الفكر اليميني المتشدد في المرحلة الحالية، لا من زاوية قرب هذا الموقف من الحد الادنى المطلوب لتحقيق التسوية.
مما يلاحظ على بعض مبادئ نتنياهو، أنه فصل بين الموقف من الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى، والمستوطنات الاخرى. في موقف يوحي بالاستعداد للمساومة على الاخيرة. هذا مع الاشارة إلى أن الاحتفاظ بهذه الكتل ضمن أي تسوية نهائية مع السلطة الفلسطينية يشكل أحد موارد الاجماع القومي اليهودي (أو ما يقرب منه). وحول ذلك كشف المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" "الوف بن" (18/5/2011)، عن أن موقف نتنياهو من الكتل الاستيطانية ليس جديدا، مشيراً إلى أنه "درس إدخاله في خطابه في جامعة بار ايلان قبل سنتين، لكنه قرر أن ذلك سابق لأوانه. وفي ذلك الحين زار معاليه ادوميم واريئيل وغوش عتسيون (اي الكتل الاستيطانية التي اشار اليها نتنياهو) معلناً أن هذه المناطق ستبقى إلى الأبد في يد إسرائيل".
أما فيما يتعلق بمطلب الابقاء على قوات عسكرية للجيش على طول نهر الاردن لمدة طويلة، يلاحظ أن نتنياهو اكتفى بالمطالبة بالإبقاء على قوات عسكرية.. بعدما كان يطالب سابقا بأن تكون منطقة غور الاردن تحت السيادة الاسرائيلية ضمن أي تسوية نهائية. كما استبدل الحديث عن منطقة غور الأردن، بالحديث عن نهر الأردن. ولا يخفى أن خلفية المطالبة والاصرار على إبقاء قوات في تلك المنطقة، يعود إلى الأبعاد الامنية والاستراتيجية التي تنطوي عليها هذه المنطقة، كونها تشكل صلة الوصل بين الدولة الفلسطينية المرتقبة والاردن الذي لا يضمن نتنياهو وغيره ما سيكون مصير النظام فيه، فضلا عن أن القوات الاميركية لا بد أن تنسحب من العراق عاجلا ام آجلا. أما لجهة رفض تقسيم القدس والتأكيد عليها كعاصمة موحدة لـ"اسرائيل"، فلا تخفى الخلفية الايديولوجية والدينية لهذا الموقف، كما إن الإبقاء على الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، يُشكِّل أحد موارد الإجماع القومي اليهودي ايضا. فيما يقتصر التجاذب على بعض الأحياء العربية التابعة للقدس وتحديدا تلك التي تقع على أطرافها لجهة الضفة. أما حول من يتكلم من الشخصيات الإسرائيلية عن تقسيم القدس، فهو يقصد التخلي عن هذه الأحياء تحديدا، التي كانت في العام 1967، عبارة عن قرى فلسطينية تم ضمها إلى المدينة بقرار من بلديتها، لتتحول نتيجة التمدد العمراني والتزايد السكاني إلى أحياء في القدس.. ويهدف هؤلاء (الاسرائيليون) إلى تمكين الدولة الفلسطينية المرتقبة من الإعلان عن قدسها، (بعيدا عن القدس التي تشمل البلدة القديمة والمسجد الاقصى) ولكونها تسمح لـ"اسرائيل" بالتخلص من عشرات الالاف من الفلسطينيين.
من هنا تبرز الخدعة الاعلامية التي يمارسها الاسرائيليون، ويجاريهم فيها بعض العرب والفلسطينيين، وهي ان احدا في الكيان الإسرائيلي لا يطرح شعار تقسيم القدس، بل قد نجد من يدعو إلى تقسيم القدس الشرقية بالمعنى الذي اشرنا اليه. أما لجهة المطالبة باعتراف فلسطيني بإسرائيل على أنها دولة يهودية، فهي منذ أنشئت تقدّم نفسها بهذه الصفة، حتى إن أي عضو كنيست يريد أن يرشح نفسه للانتخابات العامة ينبغي عليه التوقيع على إقرار بأن "إسرائيل" دولة يهودية ديمقراطية، فضلا عن أن الأمم المتحدة اعترفت بها كوطن للشعب اليهودي. وبالتالي فلا حاجة إلى اعتراف ابو مازن أو غيره بذلك. لكن هذا المطلب يهدف، فيما يهدف، إلى قطع الطريق على أي مطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين مستقبلا، ويُقدِّم فلسطينيي الـ 48، كما لو أنهم جالية في بلد أجنبي.
ولا يخفى أن هذا المطلب ينطوي، إلى جانب أبعاده السياسية، على جانب ثقافي وأيديولوجي أساسي، كونه يطالب الطرف الفلسطيني والعربي بالاعتراف بـ"إسرائيل"، ليس انطلاقا من موازين القوى والعجز عن تحرير فلسطين، كما يبرر بذلك أنصار التسوية، بل انطلاقا من أحقية الشعب اليهودي بهذه الارض. مع ما ينطوي ذلك على وصف الفلسطينيين بالمعتدين والغازين لهذه البلاد، وإدانة لكل الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين سقطوا طوال العقود السابقة، على طريق تحرير فلسطين. أما بخصوص رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، فهو مورد اجماع بين كافة القوى السياسية الاسرائيلية اليهودية، سواء كانت محسوبة على معسكر اليمين او الوسط او اليسار، أو على القوى العلمانية او المتدينة. وخاصة أن هذه القضية ذات بعد وجودي بالنسبة لإسرائيل ولطابعها اليهودي.