ارشيف من :ترجمات ودراسات

مؤتمر انتاليا... فرَّازة المعارضات السورية!!

مؤتمر انتاليا... فرَّازة المعارضات السورية!!
لؤي توفيق حسن(*)

(والله لئن أرعى الإبل عند يوسف ابن تاشفين خير لي من أرعى الخنازير عند الفونسو) ـ المعتمد بن عبّاد ملك اشبيليا.


يقول الناطق الرسمي باسم "اعلان دمشق" نواف البشير ان الهدف من مؤتمر انتاليا "هو الرد على الرئيس بشّار الاسد لما نفى وجود معارضة سورية... وكذا بعث رسالة للعالم مفادها ان المعارضة لها برامج سياسية واقتصادية..".

اما الهدف من اثبات الوجود فيذكرنا بالمثل الشهير: "العربة الفارغة كثيرة الجلبة". فلو وجدت المعارضة جمهوراً يغنيها عن إثبات الوجود في الداخل لما اقتصر همها على إثبات الوجود من الخارج أو بالخارج. هذا لأن موضوع البرنامج المذكور هو بالأساس آخر انشغالات معظمهم!. والبعض القليل المهتم غير مجمع على رؤية مشتركة.

لكن الحقيقة ان ما يسمى: (المعارضة السورية) ـ باستثناء جماعة "الاخوان المسلمين" ـ هي تكوين غير متجانس وأقرب ليكون مجموعات من الأفراد المعترضين، ولكل أسبابه، ولكل رؤيته، ولكل ارتباطاته إلا القلة القليلة. هذا من باب التوصيف وليس شيئاً آخر، مدركين ان بينهم شخصيات مرموقة، اختلفنا معها او اتفقنا.

الدور التركي

لعل ما سبق ذكره تعرفه حق المعرفة الدولة المضيفة تركيا الساعية للإمساك بخيوط الأزمة.

فهي من جهة تتواصل مع القيادة السورية ناقلة لها الرسائل، ومن جهة أخرى تحتضن جماعات "المعارضة"، والى كل ما يؤهلها لتكون لاعباً مؤثراً، من بين ذلك دور ضابط الارتباط بين سورية والغرب!!!. ووسيطاً بالاحتمال بين السلطة والمعارضة، إذا ما آلت الامور الى حوار بين الطرفين!!.

لا شك بأن لتركيا طموحاً لتبوؤ دور قيادي في منطقة شرق المتوسط يجاري الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. هذه الاستراتيجية التي لم تتغير في الجوهر: "الشرق الأوسط الجديد". لكن فقط تبدل الاسلوب بالاعتماد على " إسلام" (متصالح) معها تشكل تركيا نموذجه، وراعيه... للإمساك بالمنطقة وبأقل التكاليف!!.

انطلاقاً مما سبق فتحت تركيا قبل سنوات قنوات اتصال سرية مع "جماعة الاخوان المسلمين" في سوريا. بدأ ذلك من خلال مخابراتها. والآن بات على نطاق شبه رسمي ومعلن.

لقد أكد مطلعون على ما يجري في الكواليس ان اللقاءات بين انقرة والجماعة المذكورة قطعت شوطاً قبل الوصول الى تصورات سياسية مشتركة!!. وان هذه التصورات لم تأخذ عناءً لكون الجماعة لها بالأساس تاريخ حافل في ( التحالف) مع الغرب!.

لذلك فان مؤتمر اسطنبول آخر نيسان الماضي جاء عملياً محاولة لتكتيل المكونات المتناثرة للمعارضة السورية خلف قيادة "الاخوان المسلمين". وهذا ما أثار حفيظة شخصيات بارزة يسارية، وليبرالية، حتى انسحبت من المؤتمر المذكور، منهم: الدكتور برهان غليون، هيثم منّاع، عمّار القربي. وهؤلاء اعلنوا أنهم لم ولن يحضروا مؤتمر انتاليا ايضاً.

يقول غليون: "الذين يسألونني عن أسباب عدم حضوري مؤتمر انتاليا... اقول انني أتفهم تعطش شباب الثورة الى عنوان سياسي .. لو كان لديّ ثقة ولو قليلة على ان هذا المؤتمر يخدم بالفعل هذه الاسباب..". اما الدواعي بحسب ما ذكرها فهي تختصر كل قول في ماهية ومستوى المؤتمرين في انتاليا التركية. يقول غليون على صفحته في الفايسبوك ان المؤتمر "يجمع بين الكثير ممن يريد ان يستفيد من الثورة ويستغلها لخدمة اجندات خاصة، ومنها اجنبية لسوء الحظ".

وحتى لا يظننّ أحد بأننا نبرز الصورة من عين واحدة، نعود الى آخرٍ من المعارضين، بل والعاتبين على غليون مقاطعته المؤتمر، وهو غسان المفلح. هذا الأخير لم يكابر في ان المؤتمر يضم بحسب وصفه "اصحاب أجندات ذاتية، وانتهازية". وهو لم ينكر ربما في لحظة صدق مع نفسه بأنه تردد في حضوره "لأنه يعقد في تركيا، ولهذا اسبابه.. اهمها انني لا اريد ان يدخل اي مؤتمر الى حقل التداخلات الإقليمية".. وهذا بحسب شرحه يتعلق بالعلاقات السورية التركية التي وصفها بأن "فيها من التعقيدات كما فيها من القضايا الحساسة". لكنه يبرر حضوره بحجة ان "غالبية الطيف المشارك كان له رأي آخر"!!.

والحقيقة ان ما اسماه المفلح طيفاً هو بالحقيقة خليط عجيب من الناس: صادق مؤيد العظم أحد اعلام الفكر العربي ـ اتفقنا معه او اختلفنا ـ يبدو وجوده نشازاً الى جانب اسماء مثل: مأمون الحمصي. مافيوزي كبير غني عن التعريف. رضوان زيادة: عميل موساد. ويمكن لمن يرغب بالوقوف على الوثائق الاطلاع على ارشيف جريدة " الحقيقة" التي تولت نشرها. ومثيله عهد الهندي ـ اسمه الحركي في شبكة الموساد جان الأشقر!!ـ ....الأسماء الاخرى لها ـ وإن بكيفية مختلفة ـ تاريخ حافل!. مثل: محمد العبدالله، عبد الاحد سطيفو، عبد الرزاق عيد وغيرهم مما لا يتسع المجال لنبش ملفاتهم السوداء.

أما مصدر تمويل المؤتمر فهو متناسب ونوعية اعضائه. فعلى الرغم من التمويه على حقيقة التمويل بالزعم ان وراءه رجال أعمال سوريين غير انه تسرب عن الجهة الراعية للمؤتمر مؤسسة SETAVE التركية ذات الصلة بالدوائر الامريكية، ان الممول الحقيقي هي مؤسسة "فريدوم هاوس" ذراع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والموساد. ولقد سبق لمديرها مروان معلوف ان اجتمع في بروكسل مع عدد من العملاء: رضوان زيادة. (العبدة اخوان) ـ اصحاب فضائية "بردى"ـ. احمد حسّو ـ العامل في اذاعة كولونيا الالمانية الناطقة بالعربية. وكان محور هذا "اللقاء التشاوري" استمزاج الرأي بشأن مسألتين: "التدخل العسكري الدولي في سوريا"، و"الموقف من اسرائيل فيما لو سقط النظام السوري".

للعلم فإن المذكورين هم من الموقعين على "اعلان دمشق" ما حدا ببعض اركانه مثل: أكرم البني، وفايز ساره للتوضيح بأن أولئك يمثلون أنفسهم وليس "اعلان دمشق". وكذلك كل ما يخص "التمويل من محطة "بردى" الى مؤتمر "انتاليا"!!.

لعبة الأمم

أمام هذا الموقف المتداخل والمضطرب، فان المطالب الاصلاحية دخلت في لعبة الامم. والأمر لا يحتمل اجتهاداً إذا نظرنا للمداخلات في الندوة التي عقدها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حول "الثورات العربية".

يقول المدير التنفيذي للمعهد روبرت ساتلوف: ".. الخطوة الاولى التي سوف تقود الى الاصلاحات الحقيقية في سوريا هي قيام دمشق بتغيير سلوكها الاقليمي عن طريق تخليها عن طهران، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، وحركة الجهاد الاسلامية.. ثم القيام بتحقيق السلام مع اسرائيل، وبعدها سوف يتحقق النجاح في الاصلاحات السورية"!!!.

هذا الكلام لا يحتاج لعناء التفسير. إنه يعني بجملة واحدة: عدم تمكين الرئيس الاسد من الإصلاح حتى تحقيق الشروط الأمريكية المذكورة.

يبدو ان المشهد ازداد تعقيداً مع تداخل حسابات الآخرين في الخارج ورغبة الداخل في الاصلاح. سواءً السلطة، أو المعارضة الشريفة.

أمريكا تريد.. وأوروبا تريد.. و"اسرائيل" تريد وتريد.. اما المعارضة المرتبطة، أو المربوطة! فتشغل دور (البغل) الذي يجر عربة قوى الخارج. فيما المعارضة الشريفة هي أضعف الحلقات في هذه المعادلة والسعي الى ضمها الى مؤتمر انتاليا ليس اكثر من زينة. أو بالأحرى طبقة الكريمة فوق القالب المتعفن.

هذا ما أدركته شخصيات معارضة. وهذا ما يستدعي ملاقاتها.

(*) كاتب من لبنان

2011-05-31