ارشيف من :آراء وتحليلات

فيلتمان: كل شيء لمحاصرة سوريا من لبنان

فيلتمان: كل شيء لمحاصرة سوريا من لبنان
فرع المعلومات يحتل وزارة الاتصالات: من يغتال الدولة؟

مصطفى الحاج علي

شهد لبنان مؤخراً حركة زيارات ديبلوماسية كان أبرزها زيارة كل من معاون وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان، ومعاون وزير الخارجية الايراني محمد رضا شيباني، الى بيروت، ولم يكد الانشغال السياسي بمتابعة دلالات توقيت هاتين الزيارتين يتحرك، حتى جاءت حادثة وزارة الاتصالات لتخطف الاهتمام اليها، نظراً لما حملته من مؤشرات ودلالات سياسية بالغة الخطورة، وكل ذلك وسط استمرار حالة الفراغ السياسي القائمة بين رئيسين للحكومة: الأول، يصرّف غيابياً الأعمال، والثاني، يمارس تمارين التأليف من دون أن يصل الى نتائج نهائية.

لم تأت زيارة فيلتمان من فراغ، فهي فرضتها مجموعة تطورات بارزة، شكلت مجتمعة دوافعها وأهدافها، هناك أولاً، خطاب أوباما الذي شرح فيه سياسات بلاده في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، متوقفاً بالخصوص عند الانتفاضات العربية عموماً، وما يجري في سوريا خصوصاً، ثانياً، المواجهات الحدودية مع الكيان الاسرائيلي في لبنان وسوريا، والتي استدعت قلقاً كبيراً لدى الصهاينة، الذين قرأوا فيها رسالة بالغة الدلالة والخطورة، ثالثاً: الوقوف على مآل الأمور داخلياً.

من هنا، لم يكن مفاجئاً، أن يأتي بيان السفارة الاميركية الذي جاء في ختام زيارة فيلتمان بالصورة التي جاء بها، حيث أكد التالي:

أولاً: أن لبنان ما زال تحت نظر الاهتمام الاميركي، وإن من أولويات مختلفة، فبعد أن كانت الأولوية الحاكمة لهذا الاهتمام تتمثل بحماية فريقها فيه، وتزويده بكل ما يلزم للنجاح، الآن باتت الأولويات أمراً آخر.

ثانياً: ان الأولوية الأساسية هي لكيفية تحويل لبنان من منصة في مواجهة العدو الاسرائيلي الى منصة أو جبهة للضغط على سوريا أمنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً واعلامياً، وهذا بالانسجام تماماً مع حملة التصعيد ضد سوريا التي تقودها الولايات المتحدة مؤخراً، والتي أعلنت صراحة بأنها تريد تحويل سوريا الى كوريا شمالية أخرى، وفي هذا السياق، لوح فيلتمان باستخدام العديد من أوراق الضغط لحمل لبنان للاستجابة لمتطلبات الخطة الاميركية الجديدة ضد سوريا، خصوصاً لجهة تحويل الحدود الشمالية مع سوريا الى ملاذات آمنة للذين يقودون مواجهات وحركات تمرد ضد النظام هناك، ما يعني عملياً، ايقاف العمل بكل موجبات اتفاق الطائف الذي نص على علاقات مميزة مع سوريا، وبكل الاتفاقيات الأمنية والسياسية والاقتصادية بين الدولتين، وبالتالي قطع كل ما يربط علاقات لبنان بسوريا.

ثالثاً: الضغط على المواقع الرسمية عموماً، ومؤسسة الجيش تحديداً لجره الى الوقوف في وجه أي محاولات لاستخدام الحدود مع الكيان الاسرائيلي كساحات تعبير سلمية ضد الكيان الاسرائيلي، وذلك تحت وابل من التهويل والإنذار بالويل والثبور.

رابعاً: اعادة التذكير بالشروط ـ العقبات الاميركية التي تحول دون تشكيل الحكومة حتى الآن، ولا سيما أن هذه الشروط يتم ترجمتها الى ضغوط فعلية على موقعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة معاً، مضمون البيان الوزاري ـ تركيبة الحكومة ـ الموقف من المحكمة الدولية.

الهدف المركزي لاميركا هو حماية أدواتها في لبنان من خلال حماية ما انجزوه داخل مؤسسات الدولة وخارجها خدمة للمشروع الاميركي وأهدافه في المنطقة، وبالتالي، فإن واشنطن لن تفرج عن الحكومة الا بضمانات تمنع او تحول دون توجيه ضربات اضافية لهذا المشروع الذي باتت له اظافر في أكثر من موقع من المواقع الرسمية والأجهزة المختلفة.

في المقابل، بدت زيارة شيباني في الموقع المضاد تماماً لزيارة فيلتمان:

أولاً: ان تزامن الزيارتين سواء كان صدفة أم مقصوداً فهو عكس رسالتين متباينتين في الشكل والمضمون معاً، فإذا كان الأول اراد القول ان لبنان غير متروك اميركياً، فإن الثاني أراد القول ايضاً ان لبنان في طليعة اهتمام ايران.

ثانياً: اذا كان فيلتمان أظهر اعتراضه الواضح على تشكيل الحكومة، واضعاً العقبات أمامها، فإن الثاني عكس حرص طهران على الاسراع بالتأليف، حماية للبنان من التحديات والأخطار التي تحملها المنطقة.

في هذا المناخ العام، الذي يعكس استمرار وقوع لبنان تحت وطأة التحولات التي تشهدها المنطقة، وما يجري في خضمها من تجاذبات واشتباكات تأخذ اشكالاً متنوعة جاءت حادثة وزارة الاتصالات لتلقي بثقلها على مجمل الوضع الداخلي، نظراً لما حملته صورة ما جرى من مؤشرات ودلالات بالغة المعنى، أبرزها التالي:

أولاً: ان من يدعي الحرص على الدولة ومؤسساتها وأجهزتها انما يستخدم لغة مناقضة، لأنه هو أول من يعمل على اغتيال هذه الدولة ومن داخلها.
ولم يعد يفيد هذا الفريق الذي ظهر كما هو الاختباء خلف منطق ظاهره أنيق وباطنه مزيف، وليس له من وظيفة الا التغطية على تآمر هذا الفريق على الدولة التي يريدها على شاكلته، وعلى حجم مشاريعه المعروفة، وللنيل من الفريق الآخر.

ثانياً: لقد ظهر فرع المعلومات كما هو، أي كميليشيا خاصة لفريق سياسي خاص، ولخدمة مصالح هذا الفريق، والأخطر هنا، ان يتصرف مدير عام مؤسسة عريقة كمؤسسة قوى الأمن الداخلي، تصرفاً أقل ما يقال فيه إنه تمرد على القرار السياسي الذي يفترض أن يخضع له، فإذا كان قادة الأجهزة الأمنية هذا حالهم، فكيف ستكون حال باقي الأجهزة والمؤسسات.

ثالثاً: ان ما جرى كبير وكبير جداً، ولا يعقل أن يتم التعامل معه كحدث عادي أو فردي أو مجرد اعتداء يقوم به مواطن على مواطن آخر، أو على مؤسسة من مؤسسات الدولة.

وبالتالي، يجب على المعنيين تحمل مسؤولياتهم هنا بالكامل اذا كانوا حريصين بالفعل على الحفاظ على ما تبقى من مؤسسة الدولة وهيبتها، وهيبة القيمين عليها.
رابعاً: ما جرى وضع او كاد أن يضع لولا حكمة الوزير نحاس وشجاعته، أجهزة أمن الدولة في مواجهة بعضها البعض الآخر، ما يحوّل الدولة الى أحزمة ومتاريس متقابلة ومتقاتلة.

خامساً: يكاد المريب أن يقول خذوني، اذ ما الذي استدعى هذا الحجم من رد الفعل من قبل اللواء ريفي وجهاز فرع المعلومات، لولا أن وراء الأكمة ما وراءها، وهذه قضية أخرى، يجب فتحها وملاحقتها حتى النهاية.

سادساً: ألا يحمل ما جرى انذاراً مبكراً حول ما يمكن ان تؤول اليه الأمور لاحقاً، في ما لو فكر أي مسؤول تنظيف مؤسسته، أو حتى مجرد إعادة تنظيمها، لتحريرها من الفوضى والعبث والفساد والتبعيات الخاصة... ماذا يمكن ان يحدث؟

وفي مطلق الأحوال، هذه التطورات لا تدع مجالاً للشك، بأن الفراغ السياسي الثقيل الذي يعيشه لبنان، والضغوط الكبيرة التي تحملها مجمل التطورات في المنطقة عليه، يضاف اليه مواصلة حالة الانقسام والتجاذب المعلن أو المكتوم في لبنان ومن حواليه، كلها تؤكد أننا نعيش في عين العاصفة، ما يستوجب اتخاذ كل ما يلزم لتحصين الوضع الداخلي إزاء أية أخطار أو تحديات قادمة.

2011-06-01