ارشيف من :آراء وتحليلات

تصفية الحسابات... هل سيكون اللامي أول الغيث؟

تصفية الحسابات... هل سيكون اللامي أول الغيث؟

بغداد ـ عادل الجبوري

قبل نحو شهر تداولت الأجهزة الأمنية العراقية تقارير خاصة تضمنت معلومات شبه موثقة عن نية الجماعات الإرهابية المسلحة الشروع بتنفيذ مخطط لاستهداف شخصيات سياسية ومسؤولين حكوميين مهمين وتصفيتهم جسديا. ومن غير الواضح كيف تعاملت الأجهزة الأمنية مع تلك المعلومات، لكن اغتيال المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة علي فيصل اللامي مساء الاربعاء الماضي على طريق محمد القاسم السريع شرقي العاصمة بغداد بأسلحة مزودة بكاتم الصوت، اشار مرة أخرى الى أن الاجراءات الاستباقية للأجهزة الأمنية والاستخباراتية العراقية ما زالت غائبة أو في أفضل الأحوال ضعيفة ومتلكئة.

ومن الطبيعي جدا ان يطرح لأول وهلة التساؤل التالي.. لماذا تم استهداف اللامي، ومن الجهة المستفيدة من تصفيته؟. ولعل الاجابة على هذا التساؤل تستدعي المرور سريعا على شخصية علي اللامي المعروف بأبي زينب، وهو يعد من الشخصيات التي سجلت حضوراً واضحاً في المشهد السياسي العراقي، وقد أثارت القرارات التي أصدرتها هيئة المساءلة والعدالة بعد أن تولى مسؤوليتها ـ قبيل الانتخابات البرلمانية العامة ربيع العام الماضي ـ جدلا واسعا استمر بضعة شهور، وتسببت بإقصاء نحو 517 مرشحا للانتخابات كان ابرزهم نائب رئيس الوزراء الحالي صالح المطلك والنائب السابق ظافر العاني والقيادي في القائمة العراقية راسم العوادي الذين رفع الاجتثاث عنهم في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه بموجب صفقة تشكيل الحكومة الحالية التي رعاها رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني.

كما شملت قرارات هيئة المساءلة والعدالة التي صدرت في شهر شباط/فبراير من العام 2010 اجتثاث 376 ضابطا كبيراً في الجيش والشرطة، من بينهم 20 قائداً رفيعي المستوى، إضافة إلى مدير الاستخبارات العسكرية، لشمولهم بإجراءات اجتثاث البعث، والمساءلة والعدالة فيما بعد.

وتجدر الاشارة الى ان القوات الأميركية كانت قد اعتقلت اللامي في ايلول/سبتمبر من عام 2008 في مطار بغداد الدولي لدى عودته من لبنان بحجة استخدامه جواز سفر مزورا، واستمر احتجازه مدة عام ونصف العام، ثم أُفرج عنه في آب/اغسطس من عام 2009. ووجهت القوات الاميركية اتهامات لعلي اللامي بأنه قائد بارز في ما تسميه بالمجاميع الخاصة المدعومة من ايران، واعتبرت انه يقف وراء تفجير المركز الاستشاري الأمني في مدينة الصدر، وتصفية 450 شخصاً في العراق.

وكان اللامي قد اكد في تصريحات لبعض وسائل الاعلام في ايار/مايو العام الماضي ان السفارة الأميركية في بغداد تقود مخططا لاغتياله وإلقاء المسؤولية على تنظيم القاعدة، وبيّن أن واشنطن حاقدة عليه بعد تمكنه من "إفشال" مساعيها لإعادة حزب البعث إلى السلطة في العراق عبر القرارات التي أصدرتها هيئته، مطالبا الحكومة العراقية بفتح تحقيق في الموضوع.

وقبيل اغتياله بأيام قلائل قال مدير هيئة المساءلة والعدالة ان الهيئة ما زالت تتصارع مع المصالح السياسية التي تقفز فوق القانون وما زالت مستمرة في سعيها لإمرار وتنفيذ قوانينها بعيدا عن التجاذبات السياسية. وتساءل اللامي في آخر حديث صحفي له عن كيفية إمرار هؤلاء القانون ووجودهم اصلا مخالف للقانون، لافتا الى ان هذا الواقع موجود في الاجهزة الامنية وهو المسبب الرئيسي لتراجع واستمرار تدهور الملف الامني، ولا يمكن تحسين الامن ما لم يتم تنقية هذه المؤسسات الامنية الحساسة من المشمولين بقرارات هيئة المساءلة والعدالة.

ويبدو ان اهداف ودوافع تصفية اللامي لا تخرج عن خلفيات التجاذبات الحادة بين هيئة المساءلة والعدالة من جهة وعدد من الشخصيات والقوى السياسية من جهة اخرى، قبيل الانتخابات البرلمانية ربيع العام الماضي، وبما ان الذين وضعت الهيئة خطا احمر على ترشحهم للانتخابات، مرتبطون بشكل او بآخر بحزب البعث المنحل، ونفس الشيء بالنسبة لعدد كبير من الضباط في وزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني، وكذلك جهاز المخابرات الوطني. ومعروف ان علي اللامي تعرض لتهديدات وضغوط كثيرة من جهات مختلفة لدفعه الى التراجع عن السياسات والسياقات المتبعة من قبل الهيئة حيال عناصر حزب البعث المنحل الذين تحتوي ملفاتهم على ارقام ومعطيات وحقائق تدينهم.

ولعل عضوي القائمة العراقية ظافر العاني وحيدر الملا كانا واضحين في تصريحاتهما بشأن مقتل اللامي اذ قالا "ان مقتل اللامي دليل على ان العنف لا يجر الا العنف، وليس من باب الشماتة بمقتل اللامي الا ان اغتياله جاء نتيجة طبيعية لسياسة هيئة المساءلة والعدالة".

وبحسب الكثير من المؤشرات فإن الطرف الاكثر استفادة من اختفاء اللامي من المشهد هو حزب البعث المنحل، وبدرجة اقل تنظيم القاعدة، بحكم التداخل والتلاقي في المصالح والاجندات بين الاثنين. ويقول المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة ناظم الجبوري "ان تنظيم القاعدة لم يتبنّ عملية اغتيال المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة علي اللامي، بيد ان طريقة وأداة الاغتيال هي نفس الطريقة والاداة التي يمتلكها تنظيم القاعدة في العراق، حيث نفذت عشرات العمليات الارهابية خلال الاشهر القليلة الماضية، وان اغتيال اللامي دليل على مدى الاختراق الاستخباراتي لهذه الجماعة داخل الحكومة العراقية وحجم القدرة في الحصول على المعلومة المهمة والدقيقة في ذات الوقت.

هذه الملاحظة الاخيرة تبرز جانبا غير قليل من ظروف وملابسات العمليات الارهابية المسلحة التي تنفذ بكواتم الصوت ضد ضباط وموظفين حكوميين في مؤسسات مختلفة، وفي مناطق معينة، وقد يكون طريق محمد القاسم السريع الواصل بين وسط العاصمة بغداد وشرقها المسرح الرئيسي لكواتم الصوت، علما ان هذا الطريق لا يبعد سوى مرمى حجر عن مقر وزارة الداخلية العراقية الكائن في شارع فلسطين، وهذا يعني ان عدم استبعاد فرضية ان تكون هناك بؤر في وزارة الداخلية نفسها ضالعة بطريقة او بأخرى بعمليات الاغتيال، وبمجمل احداث الملف الامني، والمواجهات التي شهدها سجن مكافحة الارهاب في مقر الوزارة قبل اسابيع قلائل، وتسببت باستشهاد عدد من منتسبي ادارة السجن ومقتل عدد من الارهابيين السجناء، ربما تعزز بمقدار ما تلك الفرضية.

وعلى أية حال فإن ملف اغتيال اللامي يمكن ان يفتح ملفات أخرى خطيرة، ولا سيما ان قيادة عمليات بغداد قد اعلنت انها القت القبض على منفذ عملية الاغتيال، وهو ضابط سابق في جهاز مخابرات النظام السابق. واغلب الظن ان فتح الملفات الاخرى سيحرج شخصيات وقوى سياسية عديدة، ويميط اللثام عن زوايا من فساد مؤسسات الدولة العراقية ومدى اختراقها.
2011-06-01