ارشيف من :آراء وتحليلات
موقف فريق الحريري من جلستي جعجع و8 حزيران: عرفتني في الحجاز وأنكرتني في البصرة
حسين حمية
لا أحد ينتظر من السجال القانوني والدستوري الذي فجرته مجموعة 14 آذار حول الجلسة التشريعية العامة في 8 حزيران، أن يتحول إلى نقاش يثري حياتنا القانونية ويفيد منه لبنان في سد النواقص والشوائب الكثيرة التي تعتري هياكله الدستورية وعلاقتها فيما بينها، إنما ما حدث كان متوقعا، وهي أن هذه المجموعة استخدمت تكتيكها المعروف، وهو تجويف هذا السجال من جوهره القانوني والفقهي، ثم شحنه بالهواجس المذهبية والطائفية والتهديد بتفجيره في وجه الجميع، وعندها من سيتابع الاحتكام للآليات الدستورية في ظل منطق "يا قاتل يا مقتول"؟.
لو ينظر اللبنانيون، كيف تعاملت قيادات هذه المجموعة مع ما كشفته وثائق ويكيليكس عن رخصها وخفتها أمام فيلتمان وسائر موظفي السفارة الأميركية، عندها يعرفون بأي عقلية تدير هذه "القيادات" الخلاف حول جلسة 8 حزيران وغيره من الخلافات في البلد، فعوضا من أن تخفف عن اللبنانيين وطأة العار الذي ألحقته ببلدهم، إن بالمحاكمة أو الاستقالة أو أقله الاعتذار والاحتجاب عن الظهور أمام الناس، لقد بلعت هذه "القيادات" كل التهم الموثقة عن عمالتها وخيانتها وخزيها، ثم عادت لتلوكها على شكل اتهام مضاد، ولمن؟ للضحايا التي لم تسقط بنيران العدو فقط في 2006، إنما بنار الحقد الطائفي والمذهبي والذي اتخذ شكل نصائح ومعلومات وتشجيع لإغراء الإسرائيلي على تمديد الحرب وإطالتها أقصى فترة ممكنة.
كل ما استخلصته قوى "14 آذار" من ويكيليكس، هو أن يسأل حزب الله نفسه لماذا هم يكرهونه! بعد هذا الاستخلاص المجرم، ماذا يمكن أن نتوقع من مساجلة هذا الفريق في القانون والدستور والاجتهاد والأعراف والسوابق لتوكيد أحقية وشرعية الرئيس بري بالدعوة لجلسة تشريعية عامة في ظل حكومة تصريف أعمال، في وقت لا تلوح بالأفق (لغاية الآن) تواريخ محددة تلزم الرئيس المكلف إنجاز تأليف الحكومة العتيدة، في حين يرزح البلد تحت وطأة شلل مؤسسات الدولة وتآكل دورها بشكل يتهدد وجود الدولة بحد ذاته، بينما الناس تترك وحدها لتفترسها المشاكل والأزمات والهموم اليومية المتكاثرة.
وبغض النظر عن الويكيليكس، ما الذي نتوقعه من مساجلة هذا الفريق حول القضية المذكورة، عندما نجد في شواهد ليست بعيدة، تأخذه عصبيته المذهبية والطائفية والسياسية إلى تنصيب مدير عام مؤسسة أمنية للبت في خلاف بين مجلس الوزراء ووزير (علما لا وجود لمثل هذا الخلاف)، أو الدفاع عن موظف يتمرد على تعليمات رئيس الدولة ووزيره، أو موظف يستقل بإدارته عن سلطة الوصاية، في حين الشواهد القديمة التي تدلل على القطيعة بين هذه الفريق ومشروع الدولة لا تحصى ولا تعد.
هل من فائدة، تذكير هذا الفريق أن دعوة بري لجلسة 8 حزيران لا تختلف من حيث الشكل والشرعية عن تلك الجلسة التي افلت بموجبها سمير جعجع من عقاب اغتياله الشهيد رشيد كرامي؟ وتبعا لهذا، أليس المتمسك بقانونية وجود جعجع خارج السجن هو الأولى بالدفاع عن شرعية دعوة بري؟ وبالتالي من يطعن بشرعية الجلسة الموعودة هو يمهّد السبل القانونية لإعادة سمير جعجع إلى السجن.
وعلى منطق 14 آذار، لماذا لم يحذر هذا الفريق بري، في جلسة العفو عن قاتل الرئيس كرامي بانعقاد المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى منعا لاستهداف الطائفة السنية، فالتحذير حينها فيه إضافة على جلسة 8 حزيران، ولا ينطلق فقط من الحرص على صلاحيات رئيس الحكومة، إنما أيضا ضرورة معاقبة من يقتل ممثل السنّة الأول في الحكم، ولوأن هذا الكلام ينتقص من الهامة القومية والوطنية الكبيرة للشهيد رشيد كرامي.
وعلى هذا المنطق، تفتدى صلاحيات رئيس الحكومة ودور الطائفة السنية في الحكم على مذبح جريمة جعجع، ولا يتهم بري بإقامة نظام مجلسي بدلا من نظام الطائف، لكن أن تفتدى الدولة من الانهيار والفراغ والشلل، أو مساعدة الناس على التقاط أنفاسهم من المشاكل اليومية التي تنكد عيشهم، أو القيام بتحصين البلد بالحد الأدنى اتقاء للعواصف التي باتت على مرمى حجر من أمنه واستقراره، فكل هذا، لا يستدعي التشبه بسابقة جعجع.
بأي حال، قد تنطلي الحيلة المذهبية البغيضة على السذج والبسطاء، لكن بالعودة إلى طلبات كونيللي وشروطها، وأهمية الفراغ في اللعبة التي تديرها واشنطن في المنطقة، نعلم لماذا يتعامل فريق 14 آذار على طريقة "عرفتني في الحجاز وأنكرتني في العراق"، وماذا عدا حتى بدا.