ارشيف من :آراء وتحليلات
ما بعد علي عبد الله صالح...
الثورة اليمنية وتحدي اصطناع حرب أميركية ضد القاعدة!
عقيل الشيخ حسين
أخيراً، تبين أن علي عبد الله صالح قد انتقل إلى السعودية بعد القصف الذي اصاب مسجده الرئاسي وقتل فيه عدد من كبار معاونيه، فيما اقتصر نصيبه على جروح تتراوح، على اختلاف الروايات بين الخطيرة والأقل خطورة.
ولا قيمة للبيان السعودي الذي قال بأنه سيعود إلى اليمن بعد أسبوعين، لأن عودته ليست رهناً بشفائه أو بمدة تطول أو تقصر، بل بمدى صلاحيته لأن يقوم بدور يتلاءم مع مقتضيات السياسة السعودية، وبالتالي الأميركية، في اليمن الذي يبدو أنه قد دخل، منذ ما قبل التطور الأخير، في ما يشبه الحرب الأهلية.
ويبدو أن تمتعه بتلك الصلاحية قد أصبح في حكم ما يصرف عنه الأميركيون والسعوديون أنظارهم، بعد شهور طويلة من عجزه عن الإمساك بزمام الوضع في يمن مؤهل لأن يشكل ـ بموقعه الاستراتيجي بين مدخل البحر الأحمر، ومخرجه في قناة السويس ومينائي العقبة الأردني وإيلات الإسرائيلي، وبفقره وكثافته السكانية بين جيران خليجيين أغنياء بالنفط والمال وفقراء بالديموغرافيا ـ سواء كان مستقراً أو غير مستقر، تهديداً كبيراً لاستقرار الوضع القائم في المنطقة.
من هنا نفهم، بعيداً عن الدعوات الخليجية إلى الحوار والمصالحة، مغزى اللقاءات التي سارع السفير الأميركي في صنعاء، وكبير معاوني الرئيس الاميركي باراك أوباما إلى عقدها مع نائب علي عبد الله صالح، اعتباراً من اللحظة التي أعقبت قصف القصر الجمهوري، وقبل أن يعرف مصير صالح، وما إذا كان قد غادر البلاد أو ما زال فيها.
وبالطبع، لا أحد يعلم بما جرى في تلك اللقاءات، وإن كان من الطبيعي أن تدور حول مسألة انتقال السلطة بالشكل الذي نادت به المبادرة الخليجية ـ الأميركية الفاشلة، والتي باتت مرشحة لتحقيق نجاح باهر بعد إبعاد علي عبد الله صالح عن المسرح.
كما لا يعلم أحد بما ينطوي عليه ذلك الانتقال وبما ستكون عليه إدارة الوضع في اليمن بعد ذلك الانتقال، وإن كان من المعلوم أن الجهد الأميركي والخليجي سينصبّ على إدارته بالشكل الذي يضمن عدم المساس بالثروات النفطية وطرق الملاحة والأنظمة القائمة في شبه جزيرة العرب، وخصوصاً بالشكل الذي يحول دون استمرار ثورة الشعب اليمني وتحولها الممكن إلى نموذج تستلهمه الشعوب العربية الأخرى، بعد أن ظهرت على الثورات العربية أعراض منها ما لا يدفع على التفاؤل بقرب خروجها من حبائل محاولات الاختطاف الأميركية.
لكن تحقيق هذا الغرض في المحافظة على الأوضاع القائمة لم يعد ممكناً بالقدرات المحلية الذاتية في ظل حالة الاهتزاز التي تعاني منها بلدان الخليج والتي تحاول تطويقها بالقمع الدموي، كما في البحرين، وأحياناً في السعودية، أو بسلاح المال وملء الغرائر، كما في حالة جميع بلدان الخليج الأخرى، وفي طليعتها السعودية.
من هنا، لا بد من تدخل عسكري، أميركي أو أميركي ـ دولي، شبيه بالتحالفات الواسعة التي أقيمت لشن الحروب على أفغانستان والعراق وليبيا، لضمان تحقيق ذلك الغرض، أو بالأحرى، لا بد من تعزيز ذلك التدخل العسكري الذي كان قد بدأ قبل سنوات في ظل حكم علي عبد الله صالح، ضد الحوثيين والحراك الجنوبي والقبائل المعارضة... وتنظيم القاعدة.
ولتنظيم القاعدة قصة طويلة. أول فصولها أنك تجده دائماً، أو تسمع بذكره حتى لو لم يكن موجوداً، أو حتى إذا كان وجوده من النوع المثير للشبهات... في الأمكنة المرشحة، من أفغانستان إلى العراق والصومال وغيرها، لأن تكون مجالات للحروب التي يظن الأميركيون وحلفاؤهم بأنهم يتوفرون على حظوظ بخوضها والخروج منها بانتصارات تعوض ما أحاق بهم من هزائم متنوعة خلال السنوات المنصرمة.
وللتنظيم حصة وافرة من تلك الفصول في اليمن بالذات. فعلي عبد الله صالح استعمل فزاعة القاعدة ليستدر الدعم في داخل اليمن ومن خارجه. ويقال بأن أجهزته كانت تقوم بعمليات تنسبها إلى تنظيم القاعدة للغاية المذكورة، إضافة إلى ما يقال عن رعايته المباشرة لهذا التنظيم وتسليحه بغية استخدامه في مشاريعه الفتنوية الداخلية أو التهويلية خارج حدود اليمن.
والواضح أن الولايات المتحدة لم تكن تجد غضاضة في ذلك بقدر ما كان ذلك يسمح لها، عبر تقديم المساعدات العسكرية لنظام صالح، وعبر القصف الجوي لبعض المناطق في اليمن، بتحريك جميع أصابعها في التلاعب بشؤون اليمن الداخلية.
والأكيد أن تهويلات صالح بالقاعدة قد استهوت الأميركيين إلى أبعد الحدود، وذلك لأنهم هم من دشنوا هذه الوسيلة التي أثبتت ناجعيتها في إسباغ الشرعية "الدفاعية" على حروب أميركا على الإسلام والبلدان الإسلامية تحت ستار مطاردة القاعدة ومكافحة الإرهاب.
والآن، وبعد أن ذهب صالح وأوغل اليمن في الطريق المفضي إلى الحرب الأهلية، يلجأ الأميركيون وحلفاؤهم في المنطقة إلى لعبة التخوف من أن يؤدي الفراغ في اليمن إلى تصدعات تسمح لتنظيم القاعدة بالانتشار في اليمن وبتجاوز حدوده نحو بلدان شبه الجزيرة العربية الأخرى.
وهذا التخوف بالذات هو ما يفسر تراجع السلطات اليمنية، بوحي من الأميركيين على الأرجح، عن اتهام آل الأحمر بالمسؤولية عن قصف القصر الرئاسي، لتوجيه الاتهام إلى تنظيم القاعدة... الذي يعتقد مراقبون محايدون بأن الكلام عن وجوده في اليمن مبالغ فيه.
منذ العام 2001، أي منذ ذلك التاريخ الذي يرمز إلى "العدوان الإجرامي" الذي شنه تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة المسالمة والوادعة والجاهزة للدفاع عن حقوق الإنسان وقضايا الشعوب، يقوم تنظيم القاعدة بتوسيع مجال نشاطه في اليمن حيث أصبح وضعه فيها شبيهاً بوضعه في أفغانستان... على ما قاله في سياق أحداث اليمن الأخيرة سفير واشنطن في صنعاء.
وكفى بذلك دليلاً على أن الأميركيين وحلفاءهم يُعدّون لليمن وصفتهم الفاشلة عينها التي جرّبوها في أفغانستان والعراق، والتي يجرّبونها الآن في ليبيا. إذ أياً تكن الملابسات والكبوات، فإن الشعوب العربية ستنتهي لا محالة، بحكم التجربة، وبحكم الاضطرار إلى تعميق الوعي بالعودة إلى مصادر الوعي الحقيقية، إلى تلمس المعالم الصحيحة على الطريق.