ارشيف من :خاص

موسكو: حفظ نفوذ... ولعب داخل الدخان

موسكو: حفظ نفوذ... ولعب داخل الدخان
أحمد شعيتو

تقف موسكو اليوم إزاء الاحداث العربية بين حدين: توفير استمرارية نفوذها وعدم إغضاب الغرب خوفا على مصالحها الاقتصادية والسياسية والستاتيكو العسكري... لكن بين هذا وذاك تستغل موسكو هامشا من المناورة خبرتها وطالما اتصفت بها وأعطتها اياها خبرتها القديمة في المنطقة إبان زمن الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة... فتستغل حمأة الاحداث والانشغالات الغربية لتلعب بين دخان الثورات الكثيف، لحفظ النفوذ، أو لإنجاز صفقة عسكرية هنا او اقتصادية هناك... وها هي السلطات الصهيونية ـ بحسب الصحف الاسرائيلية ـ تشعر بقلق بالغ بشأن بيع منظومات أسلحة روسية متقدمة إلى كل من سوريا وإيران، مثل مقاتلات من طراز "ميغ ـ 31" الأسرع من الصوت، بالإضافة إلى صواريخ "ياقوت 800" (Yakhont) المضادة للسفن.

النفوذ الروسي في المنطقة موجود عبر النفط.. بيع الاسلحة.. التعاون التقني والصناعي.. هي مصالح اقتصادية طالما حكمت القرارات السياسية الروسية مضافة الى النفوذ والدور السياسي المؤثر.. روسيا تبيع الاسلحة الى دول المنطقة مثل سوريا وايران ودول الخليج، بل كانت حتى الامس القريب تبيعها الى ليبيا التي تقاتل اليوم التدخل الغربي بهذه الاسلحة. فبعد رفع العقوبات الدولية عن ليبيا عام 2004 فُتح الباب امام الاسلحة الروسية وزار معمر القذافي موسكو في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، حيث انجز صفقة اسلحة تاريخية فاشترى 12 مقاتلة متطورة من طراز ميغ 29، و12 من طراز "سوخوي"، ودبابات من طراز تي 90، وغواصتين من طراز 636، كما كانت بعدها صفقة ضخمة بقيمة 2.2 ملياري دولار لشراء أنظمة دفاع جوية روسية.

لعبة الخفاء

تقتنع روسيا بأن الثورات العربية لم تشتغل عبر محركات اميركية لكن هذا لا يعني شيئا ازاء الدخول الاميركي على خط الثورات بعد اندلاعها.. وهذا ما تدركه وتراقبه روسيا.. ليونيد ريشيتنيكوف مدير المعهد الروسى للدراسات الإستراتيجية يكشف عن مكمن القلق: "لا يمكن توجيه الاتهام فى كل ما يحدث إلى المخابرات الأمريكية، لكن هذه المخابرات، تكون حيثما تتوافر امكانية مؤامرات، او في المناطق الساخنة". لكن هل هناك اسخن من الارض العربية اليوم؟ وهل هناك مكان افضل منها للمؤامرة على انجازات الثورات؟ هنا يأتي الايضاح من ريشيتنيكوف بشأن تطور الموقف الاميركي بعد اندلاع الثورات: "وقوف الولايات المتحدة كمتفرج ليس واقع الامر، فالاميركيون يديرون اللعبة فى الخفاء، وهناك أنباء عن وجود عناصر من القوات الخاصة الأمريكية فى ليبيا".

موسكو لم تستخدم حق النقض خلال التصويت على القرار 1973 الذي أجاز تدخلا عسكريا دوليا في ليبيا ضد نظام القذافي... لكننا رأيناها ضد صدور مجرد بيان رئاسي من مجلس الأمن يدين النظام السوري ـ هذا بغض النظر عن طبيعة الوقائع المختلفة على الارض في البلدين المذكورين ـ، فهل هذا التصرف اشارة الى ادراك روسيا للسعي الاميركي لـ"ادارة اللعبة في الخفاء" وتعلمها من الدرس الليبي؟ هنا يمكن الاشارة الى تطور الموقف الروسي: التأني ثم الموقف الوسطي ثم الرفض: فالتحفظ والتأني كان سمة الموقف الروسي بشأن الاحداث التونسية او المصرية مثلا.. ثم كان الموقف الوسطي ازاء القرار 1973، واليوم موقف الرفض للتدخل الغربي في سوريا او العقوبات او حتى الادانة لسوريا.. يقول الخبير الروسي الكسندر فيلونيك "لقد رأت روسيا كل ما حدث في ليبيا ، ويمكن افتراضا منطقيا بأن موقف روسيا من سورية سيكون أكثر صرامة "، اي رأت روسيا ان الامور تطورت بشكل دراماتيكي بعد القرار 1973.. فروسيا ربما لم تُرد ان تغضب الغرب بشأن ليبيا لكنها لم تُرد ان يكون التدخل موسعا لدرجة فاقعة او اتساع التدخل لدرجة ايقاع روسيا خارج النفوذ، او توسع قتل المدنيين بسلاح القرار الدولي.

في هذا السياق يشير الدكتور ايمن عبد الوهاب الخبير الاستراتيجي المصري في مركز الاهرام لـ"الانتقاد" الى اننا "رأينا ان موقف روسيا من تطورات سوريا مثلا يختلف عن وضع هذا الموقف بالنسبة الى التطورات في ليبيا او في اليمن، وربما تكون هناك حجة تدعم الموقف الروسي في ليبيا هي ان الاوضاع في هذا البلد ازدادت بعد التدخل الغربي تأزما، لذلك رأت موسكو ان خطوة التدخل الغربي في هذا البلد بعد القرار الدولي كانت غير حكيمة، لكن المصلحة الروسية تظل هي الحاكمة في مسألة التعاطي مع الاحداث في المنطقة العربية، بالاضافة الى تأثير علاقاتها التاريخية مع بعض الدول العربية، وهذا ما جعلنا نتوقع تأييدا للموقف السوري اثناء الاحداث اكبر من تأييد موقف النظام الليبي او اليمني او غيره".

ربما يكون من اسباب تنامي الموقف الروسي ايضا وزيادة وضوحه وقوّته بشأن سوريا، ان الموضوع السوري يوصل في النهاية الى الموضوع الاسرائيلي، اي ان روسيا قد تكون مطمئنة الى ان الغرب لا يريد تغيير النظام في سوريا خوفا من تأثر جبهة الجولان او من عدم القدرة على التحكم بمسألة السلام السوري ـ الاسرائيلي.. ويعرب هنا ريشيتنيكوف عن ثقته "بأن واشنطن تدرك ذلك، لذلك تتسم تحركات الأمريكيين وحلفائهم بالحذر فيما يتعلق ببشار الأسد، من المهم لإسرائيل بقاء الاستقرار فى سوريا فى ظل قيادة معروفة لهم"... أي ان اميركا واسرائيل تفضلان الحصول من الاسد على مطالب معينة، على تغيير النظام برمّته والسعي "المتعب" الى نظام بديل وجديد.

القلق الأكبر

وحول مسألة الدخول الاميركي على خط الضغط على الثورات وطاقم الثورات من اجل درء الخسائر وتحقيق المكاسب، يشير الدكتور عبد الوهاب الى التصرف الروسي ازاءها ويقول "لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار في التصرف والمواقف الروسية بشأن التطورات والثورات العربية ان المصالح الروسية هي الحاكمة في هذا الاطار وليس مجرد التأييد او عدم التأييد لهذه الثورات، فروسيا تقرأ مدى إمكانية الضغط الاميركي والاوروبي على الثورات هنا او هناك، لا سيما ان المصالح الروسية قائمة منذ زمن مع بعض البلدان العربية التي تشهد اراضيها احداث الثورات والتي ترى روسيا انها تتعرض للضغوط الغربية في هذه الفترة التي تشهد الاحداث".

القلق الروسي المعلن بشأن الثورات هو من امتداد العدوى الى دول الاتحاد الروسي لا سيما القوقاز، فقد اشار الرئيس بوتين الى انه يخاف من انتقال عدوى الثورات العربية إلى الفضاء الروسي، في مناطق النزاع المتوتر في بلاد القوقاز. لكن القلق المخفي والاكبر مردّه ـ بحسب الدكتور عبد الوهاب ـ الى ان "التطورات والوقائع التي شهدتها الثورات العربية تفتح الابواب أمام سيناريوهات لا تصب في مصلحة المصالح المتوازنة لروسيا في المنطقة، اي بمعنى اوضح ان حركات التغيير اُعلن دعمها بقدر كبير بعد نشوئها، من قبل الجانب الغربي وفي مقدمته الولايات المتحدة الاميركية، ولذا فإن روسيا ترى انه اذا ما مالت التحولات الى جانب الحركات الثورية فذلك قد لا يصب في مصلحة حسن العلاقات مع روسيا التي كانت قائمة قبل الثورات، ولا هو ايجابي بالنسبة الى المصلحة الروسية في هذه البلدان العربية"...

 
2011-06-12