ارشيف من :ترجمات ودراسات

كل ما يريدونه من سوريا... إبعادها عن التأثير إقليمياً

كل ما يريدونه من سوريا... إبعادها عن التأثير إقليمياً

حسان ابراهيم

ليس السؤال الاساسي، بما يرتبط بأحداث سوريا، كيف سينتهي المشهد وما سيؤول اليه، سواء وقع ذلك بعد شهر او شهرين او حتى عام. باتت صورة المشهد معلومة لدى المتابعين مسبقا، اذ ان هذا البلد قد تجاوز مرحلة الخطر الابتدائية، التي لاحت بداية الاحداث في سوريا، لكنه في نفس الوقت لم يتجاوز الى الآن، مرحلة التهديد. بين الخطر والتهديد فارق، اذ ان الاول يرتبط بالوجود، بينما الثاني قد لا يتجاوز الازعاج في بعض مراتبه. يعني ذلك ان استقرار الوضع في سوريا يستلزم وقتا، ما دام انه تهديد، وقد يكون مرتبطا بالاساس بمدى اصرار اعداء سوريا على مواصلة التآمر.

من بين ما يمكن أن يُلاحظ في مقاربة اعداء سوريا، وجود نوع من التراجع في الآمال، بعد آمال ابتدائية غابت، ويبدو انها باتت محصورة حاليا، في محاولة تليين وتطويع الموقف السوري، من جملة قضايا، ليس اولها وآخرها الموقف من المقاومة ومحاولة جرها بعيدا عن محور الممانعة، التي تشكل، سوريا، احدى حلقاته الاساسية في المنطقة في وجه المخططات الاميركية والاسرائيلية، كما انها تشكل شوكة في خاصرة محور "الاعتدال" العربي، الذي " كشّر" عن انيابه بشكل فاضح في الفترة الاخيرة.

الآمال الابتدائية لأعداء سوريا كانت واضحة في الفترة التي اعقبت وواكبت بداية الاحداث، اذ اُريد لها ان تكون سريعة وخاطفة وتؤتي أُكلها بغتة ودفعة واحدة وبلا مقدمات، نحو اسقاط النظام، وأن يتولاه موالون جرى الاتفاق معهم مسبقا. جملة من المعطيات والتحليلات اشارت الى ذلك، كما ان الحراك "الاعتدالي" بما يشمل ايضا تركيا، كان واضح المعالم والدلالات، في هذا الاتجاه.

ويبدو ان منعة سوريا وقدرتها على احتواء الاحداث، كما هو واضح حتى الان، وتحديدا احتواء الاحداث الابتدائية قبل ما يقرب من شهرين في درعا وريفها وغيرها من المناطق، ادى الى تراجع الامال وتغيّر في استراتيجيات اعداء سوريا، من اسقاط النظام واستبدال نظام موال لاميركا واسرائيل به، الى محاولة تطويع النظام الحالي، ما دام ان اسقاطه متعذرا.. من جملة امور، بات لدى اعداء سوريا قناعة، رغم عدم الاعلان عنها، ان اسقاط النظام يستلزم وقوع فوضى واحتراب داخلي ـ ومعهما، على فرض حصول ذلك ـ انقساماً وتشظياً سورياً، لن ينجو منه احد، اعداء سوريا وحلفاؤها على حد سواء.

مع ذلك، يدرك اعداء سوريا جيدا، ان مرحلة الخطر على النظام، قد جرى تجاوزها بالفعل، ما يستدعي منهم محاولة تعويض ذلك، كنتيجة لاصرارهم على الايذاء، من خلال عمليات مدروسة جيدا باتجاه التحريض والتزوير واستخدام الاعلام الى حدود غير مسبوقة، طلبا لقلب الحقائق والابقاء على الضغوط قائمة في وجه القيادة السورية. يضاف الى ذلك ما تكشّف اخيرا من دعم مادي لوجستي للمجموعات المسلحة، واحتضانها، في اكثر من بلد قريب من سوريا، كما تركيا وغيرها، ويمكن للمراقب ان يلاحظ ذلك جيدا، كما برز في الفترة الاخيرة، وهي عملية تترقى طردا مع كل نجاح يسجل لمصلحة النظام في سوريا، لجهة المعالجة والاحتواء..

في نفس الوقت، تشير المقاربة "الاستكلابية" التي يتبعها اعداء سوريا، وتحديدا اعلاميا، الى نجاح الاستراتيجية السورية في مواجهة المؤامرة. وقد يفضي ذلك الى نوع من المعادلة الرياضية التي تفيد المتابع جيدا: كلما نجحت سوريا في احتواء تآمر، كانت الهجمة الاعلامية وعمليات التزوير اكثر اندفاعا، حتى ولو كانت مبنية على اشباه حقائق، وتزوير للواقع.

قد تصلح هذه القراءة في مقاربة السلوك المتبع، انها توصيف لما يحدث، لكن هذا التوصيف غير كاف إن أُريد تعقّل ما يحدث. بكلمات اخرى، إن اُريد تعقّل الاسباب التي تدفع الخارج، بكثير من الاصرار، على مواصلة التسبب بالاحداث، في هذا البلد. الارجح، ان الاستراتيجية المتبعة من قبل الغرب واسرائيل وقوى الاعتدال العربي، بما يشمل ايضا تركيا، هي محاولة ترسيخ واقع عدم استقرار في سوريا، ما دام ان اسقاط النظام متعذر، الامر الذي يأملون من خلاله ابعاد وفصل سوريا عن التأثير الاقليمي، اي اشغالها عن اولوياتها القومية والوطنية وعن خيار المقاومة والممانعة، باتجاه معالجة احداثها وقلاقلها الداخلية. نفس الاسلوب والاستراتيجية جرى ويجري اتباعها في لبنان ضد المقاومة وحلفائها، حرف المقاومة عن اولوية مواجهة اسرائيل وتطوير جهوزيتها الدفاعية لمنع اسرائيل من فرض ارادتها على لبنان، من خلال اشغالها في الداخل اللبناني بتعقيداته ومشاكله المثارة. هذا التوجه يرضي كل الاطراف المعادية لسوريا، اي اشغالها داخليا، بدءا من قوى "الاعتدال" مرورا باسرائيل، ووصولا الى الولايات المتحدة. إذا كان اسقاط النظام متعذرا، كما بدا ابتداءً، والفوضى بمعنى الاحتراب الداخلي، كما هو الواقع في ليبيا وغيرها، ثقيلة وخطرة على الجميع، لحساسية وضع وجغرافية سوريا، فالاولى اشغالها داخليا عبر احداث متنقلة، وبالتالي إبعادها عن التأثير الاقليمي، خاصة ان ابعاد سوريا عن المعادلة الاقليمية، هو مطلب جميع اعدائها، وما العداء لسوريا اساسا الا نتيجة لمواقفها القومية، من اسرائيل والقضية الفلسطينية والمقاومة، سواء مقاومة الاحتلال الاميركي في العراق والمنطقة، او الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين ولبنان، على حد سواء.

يكفي للدلالة على صوابية هذا التحليل، ان يتخيل المراقب، موقف ومقاربة الغرب و"الاعتدال" العربي، لو ان سوريا كانت قد تخلت عن خياراتها القومية وعن المقاومة.. هل كانت الفضائيات العربية لترى ان احداثا تقع في سوريا، حتى لو وقعت؟.

قد تكون هي المعركة الاخيرة التي تخوضها سوريا في مواجهة المخططات التآمرية عليها.. وكما تجاوزت سوريا مخططات تآمرية في السابق، فانها، كما يبدو واضحا، قادرة على تجاوز المخطط التآمري الحالي، رغم كونه تحديا كبيرا وواسع النطاق وغير مسبوق، هذه المرة.

2011-06-13