ارشيف من :ترجمات ودراسات
لا خيار عسكرياً إسرائيلياً ضد إيران
حسان ابراهيم
يثير حديث الرئيس السابق لجهاز الموساد الاسرائيلي، مائير داغان، وإقراره بان اي معالجة عسكرية لملف ايران النووي غير ذي جدوى، جملة من التساؤلات، وفي مقدمتها، مناسبة الحديث وتكراره خلال اشهر قليلة، على لسان من كان معنيا بالملف وسبل معالجته، طوال السنوات الماضية.
وربطا بتصريحات داغان المتكررة، وبما تبعها من تعليقات اسرائيلية لمقاربة داغان العلنية، الشاجبة منها والمؤيدة، مع ملاحظة الظرف الذي اطلقت فيه وصمت "اسرائيل" الرسمي الملحوظ حيال النووي الايراني في الفترة الاخيرة، يمكّن من توجيه التحليل نحو استكشاف ما يرمي اليه داغان، وما ترمي اليه البيئة الاعلامية التعليقية التي واكبت تصريحاته، في "اسرائيل" تحديدا، للوصول الى الهدف منها، ومن توقيتها ومناسبتها.
في المقدمات، لا بد من الاشارة الى الآتي:
اولا: ان اصل المقاربة العلنية الاسرائيلية، الرسمية تحديدا، هي افهام الاعداء والاصدقاء، ان لدى "اسرائيل" بالفعل خيارا عسكريا ضد ايران، وانها تُبقي هذا الخيار قائما وحيا، بل سوف تستخدمه في حال رأت الظرف مؤاتيا او انها وجدت ضرورة لاستخدامه، إن لم تنفع الخيارات البديلة عن الضربة العسكرية التي يتولاها الغرب. والهدف من هذا التوجه، العلني في معظمه، ردع ايران عن المضي قدما نحو امتلاك سلاح نووي او ما يقرب منه، وردع الاصدقاء والحلفاء على حد سواء، في حال يئسوا او قرروا التوصل الى صيغة تسووية مع ايران، من خلال افهامهم ان الطاولة ستنقلب على رأس الجميع، نحو مواجهة عسكرية، إن تلكأ الغرب في مواجهة ايران ولم يضع العراقيل امام برنامجها النووي.
ثانيا: إن اشارات داغان الاخيرة، اشارات زائدة، ولزوم ما يلزم، خاصة انه اذا كان قد اراد الاعلان عن موقفه الرافض لـ"المواجهة العسكرية مع ايران"، فقد تم له ذلك في السابق، اذ سبق التصريح الاخير، تصريحات اخرى شبيهة، عبر فيها عن موقفه بوضوح وبشكل مباشر، منها تصريح صدر عنه بتاريخ 8 كانون الثاني 2011، جاء فيه: ان ايران لن تمتلك القنبلة النووية قبل منتصف العقد الحالي، اي في العام 2015"، مضيفا "ولو كانت تستطيع لكانت حققت هذهاالهدف منذ فترة طويلة". وشدد في المقابل على وجوب عدم المقاربة العسكرية للملف، وقال "لا حاجة لـ"اسرائيل" للمسارعة الى الهجوم، او الى شن الحرب، الا في حال تعرضها للهجوم، او حين يكون السكين على رقبتها، بل وليس فقط على الرقبة، بل عندما يبدأ السكين بقطع اللحم الحي".
ثالثا: التعليقات الصادرة في "اسرائيل"، وعلى نقيض من التعليقات التي صدرت في اعقاب تصريحات داغان السابقة، جاءت متفاوتة وليست بأكملها شاجبة او منددة، اذ ان جملة من التعليقات جاءت موافقة لما اورده داغان، وتبنت تحذيراته، وشددت على وجوب دراسة التداعيات السلبية على "اسرائيل"، قبل الاقدام على اي ضربة عسكرية اسرائيلية ضد المنشآت النووية الايرانية.
في هذا ا لاطار، يشير الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، وهو احد المعلقين الامنيين الرفيعي المستوى في اسرائيل، وتعليقا على حديث داغان الاخير، الى المعضلة القائمة في الخيار العسكري ضد ايران: " علينا ان نعرف الحقيقة، فالعالم غير قادر على الحؤول بشكل مطلق دون تطوير النووي في ايران، ومَن يطلب القيام بذلك، سَيَكُنْ ملزَماً باحتلال ايران بقوة عسكرية، وبإسقاط النظام وبتأسيس نظام جديد.. ان هذا الخيار غير قائم".
رابعا: لا يدّعي احد، في "اسرائيل" وفي خارجها، أن لدى تل ابيب القدرة التنفيذية على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية... قد يتمكن سلاحها الجوي، على تقدير متفائل، ان ينفذ غارة ما على احدى المنشآت المرتبطة بالمشروع النووي الايراني، لكنه غير قادر على تنفيذ غارات بالعشرات، هي لزوم الضربة العسكرية التي يحكى عنها، مع ادراك تل ابيب ان المنشآت النووية الايرانية بعيدة جدا ومتناثرة ومحصنة بشكل جيد، ما يصعّب مهمة تدميرها على اسرائيل بمفردها.
في هذا الاطار ايضا، أكدت مصادر عسكرية اسرائيلية، لوكالة رويترز في العام 2008، على حقائق القدرة الكلية لاسرائيل، والتي لم تتغير الى الان، اذ قال العقيد المتقاعد من سلاح الجو الاميركي، سام غاردينر، الذي يعمل حاليا مع العديد من الهيئات الحكومية الاميركية بصفة خبير عسكري، ان "الولايات المتحدة تفكر بالخيار العسكري ضد ايران من خلال ضربة شاملة تشنها الف طائرة هجومية، في حين ان "اسرائيل" تفكر في ضربة تشنها مئة طائرة" هي ما لديها كطائرات هجومية قادرة على الوصول الى ايران وتنفيذ اغارة، ما يعني ان الخيار العسكري الاسرائيلي، غير متاح.
بناءً على المقدمات الاربع، يبرز التساؤل: ما الذي يدفع داغان الى استئناف تصريحاته وتكرارها، والتي اعقبتها، هذه المرة، حملة اسرائيلية منددة من جهة، ومؤيدة من جهة اخرى؟.
الاجابة لا تخلو من عودة الى المقاربة الاسرائيلية للملف النووي الايراني. من جهة، على اسرائيل ان تفهم العالم بأن لديها خيارا عسكريا ضد ايران، ومن جهة اخرى، كلما مر الوقت، مع نجاحات ايرانية في مواجهة الحملة الغربية عليها على خلفية الملف النووي، بان اكثر ان اسرائيل غير قادرة على تنفيذ خيارها العسكري المزعوم..
في الفترة الاخيرة، تراجعت حدة التعاطي الغربي مع ايران، على خلفية الثورات العربية وتداعياتها، اذ انصب الاهتمام في كيفية معالجة هذه الثورات والحد منها او العمل على احتوائها وتطويعها، ما رحّل الملف النووي الايراني وسبل معالجته الى الخلف، الامر الذي يصيب "اسرائيل" في المقتل، خاصة انها تشخص القدرة النووية الايرانية، على انها تهديد وجودي لا يمكن إمراره او التغاضي والتعايش معه.
الانطباع الذي تتركه تصريحات داغان، والسجال الدائر في "اسرائيل" حولها، بأن لدى "اسرائيل" بالفعل خيارا عسكريا، لكن النقاش حول فائدته وهل يجب القيام به حاليا، ام يجب تأجيله، هي مسعى من جملة مساعٍ تقوم بها الدولة العبرية في الفترة الاخيرة، للابقاء على الزخم الغربي قائما بوجه ايران، اذ تأمل "اسرائيل" بأن تسهم تصريحات داغان والسجال حولها، بإفهام العدو والصديق، بأن تل ابيب في صدد تنفيذ خيارها العسكري ضد ايران، مع الامل بأن يصوب ذلك الاتجاهات الغربية ضد الجمهورية الاسلامية، من وجهة نظر "اسرائيل".
يعني ذلك، ان "اسرائيل" باتت مكشوفة امام كذبها المتواصل منذ سنوات، وقد جاءت لحظة الاستحقاق، فإما ان تستسلم امام النووي الايراني وتصرح علنا بأنها عاجزة عن الفعل والتصدي، في زمن التراجع الغربي عن مواجهة ايران على خلفية ملفها النووي، وإما ان تجترح اساليب وطرقا، تؤجل الاستحقاق قدر الامكان الى حين تبلور خيارات اخرى.
الاهتمام الغربي بالثورات العربية، بعيدا عن الموضوع النووي الايراني، احد التداعيات السلبية لهذه الثورات على " اسرائيل"، الى جانب تداعيات اخرى، ما يدفع تل ابيب قدر الامكان الى الحد من سلبياتها، وإحداها، افهام الجميع بأنها على وشك ان تنفذ ضربتها ضد ايران... لكن على الضربة ان تكون متاحة قبلا، والا لا ينفع معها التهديد بها، فالتهديد بخيار غير موجود، مع إدراك اعداء "اسرائيل" وأصدقائها بأنه غير موجود، لن يفيد تل ابيب، ولن يغيّر من المعادلات شيئاً.
يثير حديث الرئيس السابق لجهاز الموساد الاسرائيلي، مائير داغان، وإقراره بان اي معالجة عسكرية لملف ايران النووي غير ذي جدوى، جملة من التساؤلات، وفي مقدمتها، مناسبة الحديث وتكراره خلال اشهر قليلة، على لسان من كان معنيا بالملف وسبل معالجته، طوال السنوات الماضية.
وربطا بتصريحات داغان المتكررة، وبما تبعها من تعليقات اسرائيلية لمقاربة داغان العلنية، الشاجبة منها والمؤيدة، مع ملاحظة الظرف الذي اطلقت فيه وصمت "اسرائيل" الرسمي الملحوظ حيال النووي الايراني في الفترة الاخيرة، يمكّن من توجيه التحليل نحو استكشاف ما يرمي اليه داغان، وما ترمي اليه البيئة الاعلامية التعليقية التي واكبت تصريحاته، في "اسرائيل" تحديدا، للوصول الى الهدف منها، ومن توقيتها ومناسبتها.
في المقدمات، لا بد من الاشارة الى الآتي:
اولا: ان اصل المقاربة العلنية الاسرائيلية، الرسمية تحديدا، هي افهام الاعداء والاصدقاء، ان لدى "اسرائيل" بالفعل خيارا عسكريا ضد ايران، وانها تُبقي هذا الخيار قائما وحيا، بل سوف تستخدمه في حال رأت الظرف مؤاتيا او انها وجدت ضرورة لاستخدامه، إن لم تنفع الخيارات البديلة عن الضربة العسكرية التي يتولاها الغرب. والهدف من هذا التوجه، العلني في معظمه، ردع ايران عن المضي قدما نحو امتلاك سلاح نووي او ما يقرب منه، وردع الاصدقاء والحلفاء على حد سواء، في حال يئسوا او قرروا التوصل الى صيغة تسووية مع ايران، من خلال افهامهم ان الطاولة ستنقلب على رأس الجميع، نحو مواجهة عسكرية، إن تلكأ الغرب في مواجهة ايران ولم يضع العراقيل امام برنامجها النووي.
ثانيا: إن اشارات داغان الاخيرة، اشارات زائدة، ولزوم ما يلزم، خاصة انه اذا كان قد اراد الاعلان عن موقفه الرافض لـ"المواجهة العسكرية مع ايران"، فقد تم له ذلك في السابق، اذ سبق التصريح الاخير، تصريحات اخرى شبيهة، عبر فيها عن موقفه بوضوح وبشكل مباشر، منها تصريح صدر عنه بتاريخ 8 كانون الثاني 2011، جاء فيه: ان ايران لن تمتلك القنبلة النووية قبل منتصف العقد الحالي، اي في العام 2015"، مضيفا "ولو كانت تستطيع لكانت حققت هذهاالهدف منذ فترة طويلة". وشدد في المقابل على وجوب عدم المقاربة العسكرية للملف، وقال "لا حاجة لـ"اسرائيل" للمسارعة الى الهجوم، او الى شن الحرب، الا في حال تعرضها للهجوم، او حين يكون السكين على رقبتها، بل وليس فقط على الرقبة، بل عندما يبدأ السكين بقطع اللحم الحي".
ثالثا: التعليقات الصادرة في "اسرائيل"، وعلى نقيض من التعليقات التي صدرت في اعقاب تصريحات داغان السابقة، جاءت متفاوتة وليست بأكملها شاجبة او منددة، اذ ان جملة من التعليقات جاءت موافقة لما اورده داغان، وتبنت تحذيراته، وشددت على وجوب دراسة التداعيات السلبية على "اسرائيل"، قبل الاقدام على اي ضربة عسكرية اسرائيلية ضد المنشآت النووية الايرانية.
في هذا ا لاطار، يشير الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، وهو احد المعلقين الامنيين الرفيعي المستوى في اسرائيل، وتعليقا على حديث داغان الاخير، الى المعضلة القائمة في الخيار العسكري ضد ايران: " علينا ان نعرف الحقيقة، فالعالم غير قادر على الحؤول بشكل مطلق دون تطوير النووي في ايران، ومَن يطلب القيام بذلك، سَيَكُنْ ملزَماً باحتلال ايران بقوة عسكرية، وبإسقاط النظام وبتأسيس نظام جديد.. ان هذا الخيار غير قائم".
رابعا: لا يدّعي احد، في "اسرائيل" وفي خارجها، أن لدى تل ابيب القدرة التنفيذية على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية... قد يتمكن سلاحها الجوي، على تقدير متفائل، ان ينفذ غارة ما على احدى المنشآت المرتبطة بالمشروع النووي الايراني، لكنه غير قادر على تنفيذ غارات بالعشرات، هي لزوم الضربة العسكرية التي يحكى عنها، مع ادراك تل ابيب ان المنشآت النووية الايرانية بعيدة جدا ومتناثرة ومحصنة بشكل جيد، ما يصعّب مهمة تدميرها على اسرائيل بمفردها.
في هذا الاطار ايضا، أكدت مصادر عسكرية اسرائيلية، لوكالة رويترز في العام 2008، على حقائق القدرة الكلية لاسرائيل، والتي لم تتغير الى الان، اذ قال العقيد المتقاعد من سلاح الجو الاميركي، سام غاردينر، الذي يعمل حاليا مع العديد من الهيئات الحكومية الاميركية بصفة خبير عسكري، ان "الولايات المتحدة تفكر بالخيار العسكري ضد ايران من خلال ضربة شاملة تشنها الف طائرة هجومية، في حين ان "اسرائيل" تفكر في ضربة تشنها مئة طائرة" هي ما لديها كطائرات هجومية قادرة على الوصول الى ايران وتنفيذ اغارة، ما يعني ان الخيار العسكري الاسرائيلي، غير متاح.
بناءً على المقدمات الاربع، يبرز التساؤل: ما الذي يدفع داغان الى استئناف تصريحاته وتكرارها، والتي اعقبتها، هذه المرة، حملة اسرائيلية منددة من جهة، ومؤيدة من جهة اخرى؟.
الاجابة لا تخلو من عودة الى المقاربة الاسرائيلية للملف النووي الايراني. من جهة، على اسرائيل ان تفهم العالم بأن لديها خيارا عسكريا ضد ايران، ومن جهة اخرى، كلما مر الوقت، مع نجاحات ايرانية في مواجهة الحملة الغربية عليها على خلفية الملف النووي، بان اكثر ان اسرائيل غير قادرة على تنفيذ خيارها العسكري المزعوم..
في الفترة الاخيرة، تراجعت حدة التعاطي الغربي مع ايران، على خلفية الثورات العربية وتداعياتها، اذ انصب الاهتمام في كيفية معالجة هذه الثورات والحد منها او العمل على احتوائها وتطويعها، ما رحّل الملف النووي الايراني وسبل معالجته الى الخلف، الامر الذي يصيب "اسرائيل" في المقتل، خاصة انها تشخص القدرة النووية الايرانية، على انها تهديد وجودي لا يمكن إمراره او التغاضي والتعايش معه.
الانطباع الذي تتركه تصريحات داغان، والسجال الدائر في "اسرائيل" حولها، بأن لدى "اسرائيل" بالفعل خيارا عسكريا، لكن النقاش حول فائدته وهل يجب القيام به حاليا، ام يجب تأجيله، هي مسعى من جملة مساعٍ تقوم بها الدولة العبرية في الفترة الاخيرة، للابقاء على الزخم الغربي قائما بوجه ايران، اذ تأمل "اسرائيل" بأن تسهم تصريحات داغان والسجال حولها، بإفهام العدو والصديق، بأن تل ابيب في صدد تنفيذ خيارها العسكري ضد ايران، مع الامل بأن يصوب ذلك الاتجاهات الغربية ضد الجمهورية الاسلامية، من وجهة نظر "اسرائيل".
يعني ذلك، ان "اسرائيل" باتت مكشوفة امام كذبها المتواصل منذ سنوات، وقد جاءت لحظة الاستحقاق، فإما ان تستسلم امام النووي الايراني وتصرح علنا بأنها عاجزة عن الفعل والتصدي، في زمن التراجع الغربي عن مواجهة ايران على خلفية ملفها النووي، وإما ان تجترح اساليب وطرقا، تؤجل الاستحقاق قدر الامكان الى حين تبلور خيارات اخرى.
الاهتمام الغربي بالثورات العربية، بعيدا عن الموضوع النووي الايراني، احد التداعيات السلبية لهذه الثورات على " اسرائيل"، الى جانب تداعيات اخرى، ما يدفع تل ابيب قدر الامكان الى الحد من سلبياتها، وإحداها، افهام الجميع بأنها على وشك ان تنفذ ضربتها ضد ايران... لكن على الضربة ان تكون متاحة قبلا، والا لا ينفع معها التهديد بها، فالتهديد بخيار غير موجود، مع إدراك اعداء "اسرائيل" وأصدقائها بأنه غير موجود، لن يفيد تل ابيب، ولن يغيّر من المعادلات شيئاً.