ارشيف من :ترجمات ودراسات
الوجه الاخر لتحذيرات داغان
كتب محرر الشؤون العبرية
رغم أن اغلب الانتقادات التي وجهت لرئيس الموساد السابق مائير داغان، على خلفية تحذيراته المتكررة من قرار يتخذانه الثنائي بنيامين نتنياهو وايهود باراك بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية والتسبب في توريط "إسرائيل" في حرب إقليمية لا تعرف كيف تخرج منها ولا تطيق نتائجها وتداعياتها على جبهتها الداخلية، إلا أن التدقيق فيما قاله قد ينطوي على جانب آخر، مغاير لما كشفه من ضعف إسرائيلي عن خطوة كهذه.. لجهة انه أعاد مسألة إمكانية شن هجوم إسرائيلي في هذا التوقيت السياسي الإقليمي والدولي إلى الواجهة، خاصة وان "إسرائيل" تعرب على الدوام من قلقها إزاء انشغال الدول الكبرى بالتطورات السياسية التي يشهدها العالم العربي، على حساب الاهتمام بالبرنامج النووي الإيراني.
في هذا السياق، ذكر المعلق الأمني في صحيفة "يديعوت احرونوت"، رونين بيرغمان، المعروف بقربه الشديد من رئيس الموساد، أن رجال استخبارات ودبلوماسيين اسرائيليين أشاروا إلى أن نظراءهم الأوروبيين أصبحوا، خلال السنة والنصف الأخيرة، اقل سؤالا لهم عما إذا كانت إسرائيل تنوي قصف المنشآت النووية الايرانية. ولكن الذي حصل بعد تصريحات داغان الأخيرة، بحسب بيرغمان، انه تغير الاتجاه وعادت الاتصالات والأسئلة تتوالى وتوجه إلى ممثلي وزارة الخارجية الإسرائيلية ورجال الموساد عما إذا كان هناك شيء ما جديد على هذا الصعيد. إلى ذلك، لئن كان داغان قد وجه انتقادات حادة لأداء وطريقة تفكير باراك نتنياهو في هذه القضية، وكشفه عن حقيقة محدودية القوة الإسرائيلية، إلا انه أفاد القيادة السياسية للكيان العبري من خلال تحذير الدول الأوروبية بأن عليهم أن لا يطمئنوا بأن "إسرائيل" لن تقدم على مغامرة عسكرية قد تشعل المنطقة. وهو عين ما كان وما زال يحاول كل من نتنياهو وباراك القيام به. ولعل أحدا لا يستطيع أن يعيد انتباه الدول الغربية لهذه القضية بعد التطورات التي شهدها ويشهدها العالم سوى تصريحات من هذا النوع على لسان رجل كمائير داغان. من هنا، يصبح من حقنا، بل من واجبنا، التساؤل عما إذا كان هناك خطة مدروسة تم تطبيقها باحتراف كامل لجهة إعادة طرح البرنامج النووي الإيراني على رأس الاهتمامات العالمية. خاصة وان التحذيرات صدرت على لسان شخصية أمنية بامتياز (رئيس الموساد السابق).
وما قد يعزز هذا الانطباع، هو إقرار داغان نفسه بأن "إسرائيل" غير قادرة على القيام بالمهمة، في الوقت الذي سوف يؤدي تحول إيران إلى دولة نووية يعترف بها العالم، ولو من باب الأمر الواقع، إلى نتائج خطيرة على الأمن القومي الإسرائيلي. وان الطريقة الوحيد لمواجهة هذا التحدي هو عبر إعادة حرف وجهة الاهتمامات الدولية نحو هذه القضية بالذات. والسبيل الوحيد، في ظل العجز العملاني الإسرائيلي، لتحقيق هذه الغاية يمكن فقط وفقط عبر الايحاء لدول العالم بأن هناك في تل ابيب قيادة مغامرة ومجنونة في حساباتها وقد لا تسلم بحقيقة محدودية قدراتها وتفكر في توريط العالم.. وعليه يكون الكلام الذي ادلى به داغان قد حقق المبتغى نفسه الذي يجهد كل من نتنياهو وباراك إلى تحقيقه في الساحة الدولية.