ارشيف من :آراء وتحليلات

معسكر الحلفاء في الحرب الليبية... بداية التصدع!

معسكر الحلفاء في الحرب الليبية... بداية التصدع!

عقيل الشيخ حسين

انتقلت استراتيجية أوباما في الحرب على ليبيا من حماية المدنيين إلى إسقاط القذافي. لكن تحقيق هذا الهدف، هو غير منسجم أصلاً مع مضمون القرار 1973، ويبدو أن تحقيقه صعب.

فالقاصي والداني بات يعلم، بعد تجارب عديدة كتجربة الحرب التي شنها حلف الأطلسي على صربيا عام 1999، وتلك التي شنها الجيش الإسرائيلي على لبنان صيف العام 2006، أن الضربات الجوية، مهما كانت كثيفة لا تكفي لتحقيق أهداف الحرب.

وبهذا الصدد، كتب المحلل كون كوغلن في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الإشارات التي تدل على أن القذافي لن يتزحزح من السلطة عن طريق الضربات الجوية وحدها هي في ازدياد مستمر.

لا بد إذاً من اللجوء إلى استخدام القوات البرية، لكن هذا الخيار هو بالضبط ما يستبعده قادة التحالف الغربي ـ العربي في الحرب على ليبيا لعلمهم بأن النتيجة ستكون من نوع الهزيمة التي حلت بقوات التحالف في كلّ من أفغانستان والعراق، وبالهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة.

هنالك إذاً باب مسدود. وهو يزداد انسداداً في ظل ما تمتلكه كتائب القذافي من قدرات دفاعية وهجومية فعالة رغم سيطرة طيران الأطلسي على الأجواء. وكذلك في ظل تطاول أمد الحرب وحالة السأم التي باتت تثيرها التصريحات المكرورة عن الانهيار الوشيك لنظام القذافي.

وأمام الباب المسدود، ينفتح على مصراعيه باب الخلافات بين أركان الأطلسي. فمنذ البداية، امتنعت ألمانيا عن التصويت في مجلس الأمن لمصلحة التدخل في ليبيا. وإذا كان أوباما قد طلب مؤخراً إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن تقوم بدور أكثر فعالية في جهود تغيير السلطة في ليبيا، فإن وزير حربه روبرت غيتس ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قام بتقريع ألمانيا لتمسكها بالالتزام بالأهداف الإنسانية للقرار 1973.

ولم يقتصر هجوم غيتس على ألمانيا وحدها، بل تجاوزها إلى سائر البلدان الأوروبية في كلام يذكر بكلام سلفه دونالد رامسفيلد، عن "أوروبا العجوز"، في أجواء عجز الأوروبيين عن القيام بدور فعال في حربي العراق وأفغانستان، وخصوصاً في حروب البلقان.

وأعرب غيتس عن استيائه إزاء ما اسماه فشل الحكومات الأوروبية في إصلاح قواتها المسلحة بالشكل الذي يجعلها مفيدة على جبهة القتال، معرّضاً بتقاعسها عن إمداد جبهة باكستان بـ 25 إلى 45 ألف جندي، إضافة إلى النقص في الإمدادات والأعتدة العسكرية الأخرى.

وبعد أن سخر غيتس من استنفاد الحلفاء لمخزونهم من القنابل والصواريخ في الحرب الليبية، انتقل إلى التهديد بإمكانية قيام الولايات المتحدة بترك الحلف الأطلسي لمصيره لأن القادة الأميركيين قد يصلون إلى الاقتناع بأن عوائد الاستثمار الأميركي في هذا الحلف لا تساوي التكلفة!

هكذا، وبكل بساطة، تصبح العائدات والتكاليف هي ما يحكم سياسات أميركا وحلفائها، وتتراجع شعارات تصدير الديموقراطية وحماية الشعوب والدفاع عن حقوق الإنسان إلى مؤخر المسرح!

ولا بد من الإشارة هنا، إلى الموقف الأميركي المترجرج منذ البداية إزاء الحرب على ليبيا. فقد تركت واشنطن أعباء هذه الحرب التي تحمست لها باريس ـ ساركوزي بوجه خاص على عاتق الأطلسي، وسحبت قواتها من المتوسط، قبل أن تعود إلى المشاركة في قصف ليبيا بأشكال محدودة، ربما لتشجيع الحلفاء أو لتعميق تورطهم في الحرب لأغراض تتعلق بالمنافسة الضارية داخل صفوف المعسكر الغربي.

كما إن إلحاح الأميركيين على ضرورة إصلاح الجيوش الأوروبية وتعزيزها محفوف بالنيات السيئة: كيف يمكن لأوروبا التي تجبرها أزمتها الاقتصادية على اعتماد سياسات تقشف صارمة تفتح البلاد على أزمات اجتماعية خطيرة، أن ترفع مستوى الإنفاق على التكنولوجيا العسكرية؟

الجواب الأميركي معروف منذ حرب البلقان، وهو ما يصفق له القائمون على صناعة السلاح في أميركا: عليكم أيها الأوروبيون أن تستوردوا خبرات الولايات المتحدة وتقنياتها في مجال التسلح... ولو أدى ذلك إلى اعتماد برامج تقشف أكثر صرامة وإلى ثورات اجتماعية أكثر تدميراً.

ولا بد من التذكير بأن الحرب الليبية لم تفاقم الخلافات داخل الحلف الأطلسي وحده، بل امتدت إلى خلافات داخل الولايات المتحدة: الكونغرس يؤنّب أوباما على تجاوز حدوده عندما انخرط في الحرب من دون الرجوع إليه، ويعطيه مهلة أسبوعين لشرح أهداف الولايات المتحدة من وراء هذه الحرب، مع تحديد مدة المهمة القتالية التي تضطلع بها الولايات المتحدة، والتكلفة التقريبية لهذه المهمة.

ويأتي هذا التطور الذي يعكس التململ الأميركي في مواجهة الحرب الليبية في وقت بدأت ترتفع فيه الأصوات المطالبة بالانسحاب الفوري من هذه الحرب. فقد تقدم النائب عن الحزب الديموقراطي "الحاكم"، دنيس كوسينيتش بمقترح إلى مجلس النواب يقضي بانسحاب واشنطن من الحرب. وقد صوت ضد المقترح 265 نائباً، لكن التصويت لمصلحته من قبل 148 نائباً يعطي فكرة، بعد أقل من أربعة أشهر على بداية الحرب الفاشلة على ليبيا، عن المنزلق الجديد الذي وقعت فيه السياسات الأميركية والغربية على وجه العموم.

2011-06-14