ارشيف من :آراء وتحليلات

الأزمة العراقية... الذهاب الى حافة الهاوية!

الأزمة العراقية... الذهاب الى حافة الهاوية!

 بغداد ـ عادل الجبوري

كانت ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد يوم الجمعة الماضي مسرحاً مصغراً للصراعات المحتدمة بين رئيس الوزراء الحالي وزعيم حزب الدعوة الاسلامية نوري المالكي وغريمه التقليدي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم القائمة العراقية وحركة الوفاق الوطني اياد علاوي. وقد شهدت هذه الساحة تظاهرتين، بدا واضحا ان واحدة مدعومة من قبل المالكي وحزب الدعوة، وشعاراتها تمحورت حول انزال القصاص العادل بمرتكبي جريمة عرس الدجيل التي ارتكبت قبل ستة اعوام في منطقة التاجي شمال العاصمة بغداد. والاخرى مدعومة من قبل علاوي وحركته (حركة الوفاق الوطني العراقي) وقائمته، وتمحورت شعاراتها حول اسقاط الحكومة، ولم تقف الامور عند رفع الشعارات المختلفة لكل من التظاهرتين وانما تطورت الى اشتباكات ومصادمات دامية دلت بوضوح على ان الخلافات بين المالكي وعلاوي سائرة الى منعطفات خطيرة، ولا سيما ان انصار المالكي رفعوا صورا لعلاوي وهو يصافح احد مرتكبي جريمة عرس الدجيل، وقاموا بحرق بعض تلك الصور ورمي بعضها الآخر بالاحذية.

علاوي، خرج بخطاب متلفز ـ عبر عدد من القنوات الفضائية القريبة منه كالشرقية والبغدادية والبابلية ـ وجهه الى الشعب العراقي، حمل فيه بشدة على المالكي وحزب الدعوة، واتهمهم بالديكتاتورية والاستئثار بالحكم والنفاق والكذب والتبعية لايران، وتوعد برفع دعوى قضائية ضده بتهمة القذف والتشهير. وقوبل هذا الخطاب برد عنيف من قبل حزب الدعوة الاسلامية الذي اتهم فيه علاوي بالافلاس السياسي وعرقلة العملية السياسية واحتضان الارهابيين، واعلن انه رفع دعوى قضائية ضده بتهمة التهجم على قادة الحزب.

لم يتفجر الموقف بين المالكي وعلاوي على خلفية أحداث ساحة التحرير الاخيرة، ولكن تلك الأحداث نقلت مستوى التفجير وآثاره الى مديات اوسع واخطر. ولعل الرسائل المتبادلة بين الاثنين والتي تسرب البعض منها الى وسائل الاعلام قبل اسابيع قليلة عكست عمق الأزمة السياسية الخانقة في البلاد، والهوة الكبيرة بين طرفي الأزمة، واستبعاد التوصل الى حلول توافقية تفضي الى رأب الصدع وتهدئة النفوس، وبالتالي تطويق الخلاف.

وكنا قد أشرنا في مقالة سابقة (حرب المالكي وعلاوي... ومسارات الازمة المفتوحة) ـ (الانتقاد 15-5ـ2011) الى انه "لا يحتاج المرء الى كثير من الجهد والتحليل ليكتشف ان حقيقة الأزمة بين علاوي والمالكي هي جزء من ازمة اكبر عنوانها الواسع والعريض "فقدان الثقة".. مضافا اليها بقاء التنافس قائما على أشده، ولا سيما ان الأسس والاتفاقات التي تشكلت على اساسها الحكومة برئاسة المالكي لم تضع اطارا قويا ومتماسكا لمفهوم الشراكة يخرجه من شرنقة المحاصصة، ويجرّده من حالة فقدان الثقة".

والتصريحات الاخيرة للمتحدث باسم القائمة العراقية حيدر الملا تؤكد ذلك هذا الامر، اذ يقول "ان طريقة الاستهداف السياسي التي استخدمها المالكي ضد شركائه، قد اطلق من خلالها رصاصة الرحمة على مفهوم الشراكة الوطنية"، داعيا اياه "الى تغليب المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب العراقي والنظر بمنظار وطني بعيدا عن المصلحة الشخصية والحزبية والفئوية".

والمشادات الكلامية والتشابك بالايدي بينه وبين النائب عن دولة القانون كمال الساعدي قبيل بدء جلسة البرلمان الاولى في فصله التشريعي الجديد، دلت أيضاً على ان الازمة انتقلت او على وشك الانتقال الى ساحة البرلمان بعد الشارع والحكومة. في مقابل ذلك يتحدث اعضاء من حزب الدعوة الاسلامية وائتلاف دولة القانون مثل كمال الساعدي وعزت الشابندر وخالد الاسدي وياسين مجيد عن توجهات واضحة لعلاوي لعرقلة أي مساع او جهود للتقارب بين "العراقية" و"دولة القانون"، مؤكدين أن الاكراد يعرفون ذلك بالتفصيل، والوقائع تثبت ذلك، ويتساءلون.. لماذا كان علاوي يؤيد التظاهرات حينما كانت تشهد شتائم واساءات للمالكي، بينما تغير موقفه حينما وجهت له شتائم واساءات مماثلة؟.

ومن دون شك فإن خلفيات الازمة بين الطرفين تعود الى ما قبل انتخابات السابع من اذار/مارس من العام الماضي، لتتسع وتتنامي بعد اعلان نتائج الانتخابات، واحتدام التنافس على منصب رئيس الوزراء، الذي آل الى رئيس ائتلاف" دولة القانون" بعد مبادرة تسوية من قبل رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، وعلى خلاف توقعات البعض بأن الامور سوف تسير سيراً حسناً بعد لقاءات واتفاقات اربيل، فإن حدة التشنج والاحتقان تصاعدت الى حد كبير لتفتح الباب واسعا أمام خيارات عديدة، من بينها تشكيل حكومة أغلبية سياسية، وحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة.

وما عقّد الأزمة ووسع الهوة بين الطرفين هو لجوء كل منهما الى فتح ملفات على الآخر، فهناك أحاديث تدور في الكثير من المحافل والكواليس السياسية عن حركة دؤوبة لعلاوي ودور كبير في التظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة التي انطلقت في شباط/فبراير الماضي وتواصلت بصورة متقطعة، وكذلك كان له دور في الكشف عن قضية هروب ارهابيين من تنظيم القاعدة كانوا معتقلين في احد سجون البصرة بمساعدة مدير مكتب امن المالكي بالمنطقة الخضراء ابو علي البصري. في الوقت ذاته، فإن الكشف عن منفذي جريمة عرس الدجيل وملابسات وظروف تلك الجريمة في هذا الوقت بالذات، وبث صور للمسؤول الاول عن الجريمة ـ فراس حسن فليح ـ مع زعيم القائمة العراقية اياد علاوي، والذي ارتبط ـ أي كشف الجريمة ومنفذيها ـ بانتهاء مهلة المئة يوم، فُهم على انه مخطط محسوب من قبل المالكي لإضعاف علاوي. ولا شك ان هذه المعطيات، ومعطيات أخرى من قبيل التقاطعات في المواقف حول تسمية الوزراء الامنيين، وتنفيذ بنود اتفاقية اربيل، ووضع الهيئات المستقلة وتبعيتها، وانسحاب القوات الاميركية من العراق نهاية العام الجاري او تمديد بقائها لفترة اخرى، كل هذه المعطيات تشير بوضوح الى ان فرص تطويق الازمة ـ او حتى تهدئتها فحسب ـ امر مستبعد جدا في المدى المنظور، لأن الحرب الكلامية وخطط التسقيط المتبادل بين علاوي والمالكي راحت تدفع بالأمور نحو مرحلة خطرة وحرجة، ويوماً بعد آخر تنحسر فرص الحل الحقيقي للأزمة، ولا سيما ان الاتجاه الى اشراك واقحام اطراف اقليمية ودولية فيها يمكن ان يزيدها تعقيدا. ومثلما يقول النائب عن الائتلاف الوطني العراقي فرات الشرع "ان تصاعد حدة الخلاف بين "القائمة العراقية" و"ائتلاف دولة القانون" سيفاقم الوضع الامني والخدمي في البلاد".

وبالفعل فإن ذلك ما هو حاصل، فمهلة المئة يوم التي حددها رئيس الوزراء نوري المالكي لتقويم اداء الوزارات انتهت قبل اسبوع ولم تظهر في الافق أو على أرض الواقع أية مؤشرات أو دلائل على ان تغيراً ملموساً قد طرأ على الواقع الحياتي والخدمي والأمني للعراقيين.

2011-06-15