ارشيف من :آراء وتحليلات

واشنطن وحربها الاستباقية الجديدة على اليمن!

واشنطن وحربها الاستباقية الجديدة على اليمن!

عقيل الشيخ حسين

رحل علي عبد الله صالح وانتهت المشكلة في اليمن، وعلى الجميع أن يستغلوا هذه الفرصة وأن يعودوا الآن إلى الهدوء ونبذ العنف والمحافظة على الاستقرار والنظام لكي يتمكن اليمن من البحث عن حلول لمشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الخانقة، وعن أموال واستثمارات ضرورية لتلك الحلول. ومنها خصوصاً مشكلة "العطش" التي ركزت عليها، بين مشاكل أخرى من الطراز نفسه، صحيفة واشنطن بوست.

هذا ما يجمع عليه المهتمون بالشأن اليمني، خارجياً، من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي وأتباعهم من الإعلاميين الموكولة إليهم مهمة ترويج سياساتهم. وداخلياً، أحزاب اللقاء المشترك ونائب الرئيس "المسافر" إلى السعودية، بوصفه المرشح المثالي لقيادة اليمن نحو الازدهار الذي ستفضي إليه عودة البلاد إلى الهدوء والتفرغ للبحث عن حلول لمشكلات معيشية تعجز عن حلها، في ظل النظام الاقتصادي الحر والسائد عالمياً، بلدان كالولايات المتحدة (ربع السكان يعيشون تحت خط الفقر) والاتحاد الأوروبي (برامج التقشف)، والشقيقات العربيات العائمات على بحار الغاز والنفط (ضخ الأموال في جيوب المواطنين بهدف صرفهم إلى الاستهلاك وإلهائهم عن المصير الكالح في ظل اهتزاز عرش المال العالمي).

وإذا، لم يُصغ اليمن إلى هذه الإملاءات، فإن علي عبد الله صالح الذي يقال ـ من أجل ترويج هذا المخطط ـ بأنه مصاب بجروح خطيرة يصعب التعافي منها في المدى المنظور، لا يلبث أن يعود إلى كامل صحته ونشاطه، وفق ما تقوله تقارير أخرى ـ بهدف ترويج المخطط نفسه ـ واستعداده للعودة سريعاً إلى اليمن للاضطلاع بمهامه الرئاسية.

لكن هذا الحل الأخير ذا الطابع الابتزازي لا يبدو صالحاً لأكثر من الاستخدام في حرب نفسية صبيانية لا مفاعيل لها إلا في التهويل على أحزاب اللقاء المشترك المصرة على منع صالح من العودة بقدر إصرارها على التعاون مع نائبه عبد ربه منصور هادي المُصر بدوره على النظر بشكل "إيجابي جداً" إلى جون برينان، كبير مساعدي أوباما في ملف مكافحة الإرهاب، وبالإيجابية نفسها إلى سياسات أميركا في اليمن والمنطقة.

يبقى أن المطلوب أميركياً هو تطبيق المبادرة الخليجية التي أوعز أوباما إلى دول الخليج بطرحها لضمان بقاء اليمن جرماً في الفلك الأميركي. لكن شباب الثورة اليمنية يرفضون هذه المبادرة رفضاً كاملاً ويصرون على العمل من أجل تشكيل مجلس وطني انتقالي يتولى قيادة البلاد خلال الأشهر القادمة نحو انتخابات عامة وإصلاحات دستورية تحدد المسار العام للدولة.

مسار بات من الواضح، في ظل الاستياء الشعبي اليمني إزاء مواقف الولايات المتحدة وبلدان الخليج، والسعودية خصوصاً، أنه سيكون بكل بساطة معادياً لسياسات قوى الهيمنة في المنطقة.

من هنا، نفهم إصرار تلك القوى على التمسك بالمبادرة الخليجية كأساس لعودة اليمن إلى ما يسمى بالاستقرار. لكن ذلك الإصرار محفوف بالشك في القدرة على إمرار المبادرة، وهو الأمر الذي يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تجريب أسلوبها الفاشل في الحرب الاستباقية عبر تطبيقه على اليمن.

لكنها تفعل ذلك بطريقتها "اللصوصية" المعروفة: التبني الرسمي للحرب الاستباقية تلك من قبل البنتاغون، في وقت تترنح فيه الأحلاف الدولية والإقليمية في الحروب الممتدة من أفغانستان إلى العراق وليبيا، مروراً بلبنان وغزة، من شأنه أن يثير ردود فعل صاخبة في الغرب حيث، بعد أفغانستان والعراق، ترتفع الأصوات مطالبة بالانسحاب الفوري من حرب ليبيا، وتحجب الموازنات في الكونغرس عن مبادرة أوباما الطائشة في تلك الحرب.

لذا يتحتم أن تأخذ الحرب الاستباقية شكلاً سرياً. بكلام آخر، وبعيداً عن إقحام الجيش الأميركي في الموضوع، يتم إيكال المهمة إلى وكالة الاستخبارات الأميركية وعنصرها الفاعل جون برينان الموثوق به من قبل نائب الرئيس اليمني.

بكلام آخر، يمكن لوكالة الاستخبارات أن تتصرف بعيداً عن الأنظار، وحتى عن الناشطين الحقوقيين وشهود العيان، وأن ترتكب ما تشاء من جرائم يحفل بها تاريخها الأسود، وأن تنسبها إلى هذا أو ذاك من التنظيمات الإرهابية التي تستخدمها واشنطن كذريعة تستمد منها الشرعية لحروبها "العادلة".

وخصوصاً أن الطائرات بلا طيار (السلاح الرئيسي في حروب أميركا اليوم) لا تحتاج إلى طيارين قد يؤدي إسقاطهم إلى خسائر وفضائح في غنى عنها، وتسمح خصوصاً بتنفيذ ذلك النوع من العمليات التي تنسب إلى الجماعات الإرهابية. وهذا يلقي ضوءاً في منتهى الأهمية على تشديد الولايات المتحدة على أهمية تدخلها العسكري في اليمن، ليس فقط ضد تنظيم القاعدة، بل أيضاً ضد من تعتبرهم واشنطن جماعات متطرفة... تشتمل على جميع مناوئيها في اليمن وغير اليمن.

والإشارة ضرورية هنا إلى أن هذه المسألة ليست تهمة إعلامية تساق في الخطاب التحرري المعادي لأميركا وحلفائها. فمسؤولون سياسيون ومحللون أميركيون يعترفون بذلك ويزدهون به على اعتبار أنه ضرب من ضروب الذكاء الاستراتيجي. وهذا الذكاء هو ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار كفاعل أساسي في أحداث من نوع سلاسل الاستثمار في الاغتيالات والتفجيرات هنا وهناك، وفي قصف مقر علي عبد الله صالح... وصولاً إلى الهجمات على نيويورك وواشنطن في أيلول/ سبتمبر 2001.

2011-06-15