ارشيف من :خاص

"اسرائيل" والحكومة اللبنانية الجديدة.. خيبة امل بخيارات سقطت

"اسرائيل" والحكومة اللبنانية الجديدة.. خيبة امل بخيارات سقطت
حسان ابراهيم

الأشهر القليلة الماضية، وبرغم أنها كانت ـ وما زالت ـ حبلى بالتغيرات ومشاريع التغيير على مستوى العالم العربي، الا أنها كانت مرضيّة نسبيا، لجهة لبنان من ناحية "اسرائيل". فقد مثلت أزمة تشكيل الحكومة، التي أبصرت النور بعد اشهر من الاخذ والرد وكثير من التشاؤم والتفاؤل بولادتها، خشبة خلاص اسرائيلية، وإن مؤقتة، أملت من خلالها إشغال حزب الله وحرف اولوياته عن الاستعداد لمواجهة "اسرائيل" وتعزيز جهوزيته امام اي احتمال عدائي قد تقدم عليه تل ابيب.

ولطالما كان مطلب إشغال المقاومة، في شؤون داخلية لبنانية او غيرها، وإبعادها عن مواجهة الاحتلال وعن استكمال الجهوزية العسكرية الكفيلة بصد "اسرائيل" ومواجهة اطماعها، مطلبا اساسيا ومتمركزا في الوعي والجهد الاسرائيلي المتواصل، وتحديدا في الفترة الواقعة ما بين حروب تل ابيب ضد لبنان. اشتد هذا المطلب بشكل آكد في اعقاب حرب عام 2006، وادراك القادة الاسرائيليين بأن الخيارات العسكرية غير متاحة، للتعذر وفقدان القدرة على الوصول الى نتائج حقيقية، ما استلزم التمسك او السعي الى خيارات اخرى، قد توصل الى نتائج الخيارات العسكرية، او ما يقرب منها، او في حد ادنى إشغال المقاومة عن مهمتها.

" رهان اسرائيل هو على عوامل داخلية لبنانية لإشغال المقاومة عنها"
ما بعد فشل "اسرائيل" عام 2006 عسكريا، راهنت تل أبيب كما هو معلوم، على عوامل داخلية لبنانية لإشغال المقاومة عنها، من بينها: تفاعل الخسائر المادية في لبنان وسط جمهور المقاومة، للإضرار بها والحط من مكانتها الدفاعية؛ تأليب وتحريض قوى لبنانية، هي في الاساس تتقاطع في مصلحة ضرب المقاومة مع "اسرائيل"، وهو عامل ما زال قائما الى الان؛ فتنة داخلية واحتراب مذهبي وطائفي وجدت تعابيره وترجمته في السنوات القليلة الماضية، لكن حكمة المقاومة وقادتها وحلفائها احبطت إلى الآن هذا المسعى؛ واخيرا بلا افق واضح، المحكمة الدولية وقراراتها الاتهامية.

إن تاريخ الكيان القريب في مواجهة المقاومة، كان مبنيا على ايجاد خيارات اخرى بديلة عن الخيار العسكري، وهذه حقيقة لا لبس فيها، وكان الامل من هذه الخيارات ان تكون قادرة على مواجهة المقاومة، بل وحتى ضربها واجتثاثها، وإن تعذر ذلك فأقل ما يراد منها، هو الاشغال عن اولويات مواجهة الاحتلال، والاستعداد لمواجهته. كما هو معلوم، كل هذه المحاولات والخيارات، فشلت، او انها شقت طريقها نحو الفشل.

كانت رواية اسرائيل وتوصيفها، حول تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية في الاشهر الاخيرة، شبيهة الى حد ما برواية وتوصيف قوى 14 آذار في لبنان، مع سرور مبطّن يشوبه شك بإمكان استمرار المراوحة في لبنان. وبعيدا عن الدوافع، قد يكون الخلاف بين الجانبين، في المقاصد، ففي حين ترتقب قوى 14 آذار فشل تشكيل الحكومة والامل بالعودة الى السلطة، الا ان اسرائيل كانت تأمل استمرار المراوحة لاشغال المقاومة عنها في شأن داخلي.. وكلا الطرفين يهدف، ايضا، في مقاطعة بالمصالح، الى الإضرار بالمقاومة، كلّ على طريقته.

السؤال الذي يطرح في لبنان، مع انتهاء او بدء اي استحقاق داخلي، واقليمي بل وايضا دولي، وإن كانت بوادره لم تُطل بالكامل الى الان: هل التغيير الجديد في لبنان، مع تشكيل الحكومة ونجاح الاكثرية الجديدة في امتحان الواقع، سيفضي الى مواجهة وعدوان اسرائيلي جديد على لبنان؟ انه سؤال متبع في العادة، لدى بعض المحللين اللبنانيين، مع كل استحقاق جديد.

رغم ان أسئلة كهذه يراد منها الحاق الضرر والإضرار بالحكومة الجديدة مع بدء اعمالها، وهي من جملة الحملة المرتقب ان تشن، كلاميا وعمليا ضدها، الا انها تستأهل الرد لخصوصيتها، رغم ان المتابع للشأن الاسرائيلي، يدرك جيدا ان حدود قوة "اسرائيل" وإمكانياتها والظرف القائم، لا تسمح لها بأن تقوم بمجازفة، هي في الاساس متعذرة.

على ذلك، من المتعذر ان يتغير المشهد بين لبنان و"اسرائيل" باتجاه مواجهة، على خلفية تشكيل الحكومة في لبنان، رغم الرواية الاسرائيلية التي تقول إنها حكومة تابعة لحزب الله، تماشيا وتقاطعا في المصالح والمقاصد، مع رواية "الاعتدال" في لبنان وفي خارجه. تدرك "اسرائيل" جيدا ان موازين القوى العسكرية والامنية بينها وبين المقاومة، لا تشهد تغيرا، يفضي الى تغير في امكانياتها العسكرية، وتسمح لها بشن اعتداء تأمل من خلاله تحقيق نتائج متوخاة ضد المقاومة. تشكيل الحكومة، كحدث داخلي لبناني، من شأنه ان يريح المقاومة، لكنه لن يفضي الى تغير في ميزان القوى البينية. جهوزية المقاومة واستعدادتها الدفاعية، مبنية على خط اخر، وايضا جهوزية "اسرائيل" في المقابل.

" استشراف الفعل الاسرائيلي الاعتدائي على لبنان، مبني على القدرة العسكرية الفعلية لـ"اسرائيل" "
ما منع "اسرائيل" الى الان، منذ عام 2006 عن شن اعتداء على لبنان، هو نفسه الذي يمنعها وسيمنعها كما هو مقدّر، عن شن اعتداء، حتى مع تشكيل الحكومة الجديدة، رغم توصيفها اسرائيليا بأنها تابعة لحزب الله.
 الاساس في قراءة واستشراف الفعل الاسرائيلي الاعتدائي على لبنان، مبني ويجب ان يكون مبنيا، على القدرة العسكرية الفعلية لـ"اسرائيل"، مضافاً اليها، القدرة الفعلية على تحقيق النتائج، وعلى المخارج السياسية لأي اعتداء، وعلى قدرة تل ابيب ومستوطنيها على تحمل نتائج واثمان اي مجازفة ضد لبنان، مع ادراك تل أبيب الحجم والقدرة العسكرية التي باتت لدى المقاومة؛ كما عليها ان تتجاوز موانع مرتبطة بالمخططات الاميركية في المنطقة، الساعية لاحتواء الثورات العربية والحد منها وحرفها عن وجهتها... وأي اعتداء اسرائيلي يجب ان يلاحظ كل ذلك، ما يؤكد على تعذر الاعتداء نفسه في الامد المنظور. ضمن هذا الاطار، فان تشكيل الحكومة اللبنانية مفردة، في سياق جملة من المفردات، لا تقوى بذاتها على ان تكون محرّكا للآلة العسكرية الاسرائيلية، رغم انها تشير الى نجاح المقاومة وحلفائها في لبنان، وتراجع أعدائها.
2011-06-15