ارشيف من :آراء وتحليلات
لماذا يخافون؟ هذا هو الجواب
عبد الحسين شبيب
لماذا يستغرب البعض اللغة
"المنحطة" التي يبارز فيها "حزب المستقبل" حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ أن أبصرت
النور؟ التبرير بأن هؤلاء فقدوا أعصابهم وطار من لحظتها النوم من عيونهم صحيح الى
حد ما؛ كما إن القول ان هذه المجموعة تعيش هذه الايام على احتمال ان هناك صفقة ما
جرت في مكان ما، حيث تُصنّع القرارات السياسية، وأن هناك من باعهم في سوق النخاسة
الدولية بأبخس الأسعار، قد يكون صحيحاً الى حد ما ايضاً، على الاقل باعتقاد
"المستقبليين". لكن جوهر القلق الأكبر يكمن في مكان آخر. انه الخوف من مزيد من
الفضيحة ومن مزيد من تساقط اوراق التوت، ومن اوان الحقيقة التي لا تزال تتم
المتاجرة بها بطريقة خسيسة. فلم يكن خروج سعد الحريري وفريقه من السلطة الا بداية
لكشف الصورة كما هي من دون تجميل. تكفلت وثائق ويكيليكس بكشف جزء كبير من المستور،
وأضاءت على زوايا معتمة كانت تختبئ فيها طبقة من السياسيين لم يعرف لبنان لا في
تاريخه القديم ولا في تاريخه الحديث احداً في وضاعتها باعتراف ابرز اركان هذه
الطبقة، مروان حمادة، الذي قال لضيوفه الاميركيين: "نحن كالعاهرات لا نتذكر الا من
يعطينا المال"؟!!!
الجزء المتبقي من المستور كشفته ممارسات هؤلاء التي ظهرت في السوق اللبنانية السوداء على شكل فضائح لا يمكن في أي مجتمع يدعي التحضر وفي أي دولة تنسب لنفسها سمة الديمقراطية ـ او بعضاً منها ـ أن تمر مرور الكرام. بضع سنوات لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة كانت كافية لكي يفعل هؤلاء في لبنان ما لم تفعله "الوصاية السورية" طيلة ثلاثين عاماً، كما يؤرخون هم وكما يقولون، رغم ان معظمهم كانوا من اركانها او في رتبة ادنى ممن يلعق قِصَع طعامها.
يروى ان احد الرؤساء الراحلين كان يقول لأحد الوزراء الراحلين ايضا انه اذا اردت ان تسرق فليس بهذه الطريقة المباشرة وعلى عينك يا تاجر، وبدل ان تمد يدك الى المال العام هكذا وتغرف منه، فهناك من يمد اليه يده ويغرف منه عن طريق التلاعب بأرقام المشاريع التنموية وغيرها، بحيث لا يمكن تعقبك فيها، واذا حصل التعقب فيمكن التذرع امام الجهات الرقابية اللاحقة بأن ذلك في اسوأ الاحوال سوء تقدير وليس لصوصية. لكن وطيلة الثلاثين سنة الماضية من "العهد السوري" لم يحصل ان فقد من الخزينة العامة 11 مليار دولار (احد عشر) واليوم قيل إنها أصبحت 16 مليار دولار، كما لم يحصل ان فريقا سياسيا رفض ان يذهب الى مجلس النواب ويجري قطعا لحساب الموازنة يقدم فيه ايصالات وبيانات رسمية عن كل قرش أُنفق. لم يحصل ذلك الا مع فريق "حزب المستقبل" الذي لا يريد ان يشرح للبنانيين كيف ذهب من مالهم العام ـ المودع ديناً في ذمة الدولة لتصرفه عليهم ـ هذا المبلغ الذي يساوي ميزانيات بضع دول في العالم. احد عشر مليار دولار ضاعت ولا يريد هؤلاء ان يعرف اللبنانيون من أخذها وكيف؟ فضيحة اخرى نشرتها صحف لبنانية بالوثائق كشفت عن تأسيس شركات وهمية قبضت من مديرية الضريبة على القيمة المضافة مبالغ طائلة بمئات ملايين الدولارات من دون وجه حق. ايضاً الهبة السعودية التي قدمت للبنان بقيمة 500 مليون دولار لاعادة اعمار ما هدمته الحرب الاسرائيلية على لبنان صيف العام 2006 ليس معلوما حتى الآن وجهة انفاقها رغم انها قدمت بعنوان واضح وصريح.
اذاً هناك ارقام خيالية مفقودة يريد اللبنانيون من الحكومة الجديدة اجوبة عنها، وهذا هو اكثر ما يرعب اولئك الذين رجموا الناس بالموبقات فتبين انهم على قول مروان حمادة "كالعاهرات"، ومشكلة هؤلاء ليست مع المال العام فقط، بل حتى مع المال الخارجي الذي ادار الانتخابات النيابية الماضية حيث قيل كلام كثير عن سرقات كبيرة قامت بها بعض الرؤس الآذارية "الأرزية". ايضا مبلغ الـ500 مليون دولار الذي تحدث عنه جيفري فيلتمان امام الكونغرس وخصصته الادارة الاميركية لتشويه صورة حزب الله، حتى هذا المبلغ لم يشاهد اللبنانيون اعمالا اعلامية وسياسية تساوي قيمته المادية، ما يرجح ان يكون قد تعرض للسرقة، رغم كونه مالاً حراماً؟!!!!
بهذه الممارسات وغيرها الكثير يتضح للبنانيين انهم امام تجربة فريدة نجحت في فترة قياسية (بضع سنوات لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة) في تحويل الدولة الى ميليشيا، هذا في وقت كان فريق "14 الشهر" يتهم حزب الله بأنه اقام "دولة داخل الدولة" ليصبح هذا الكلام شهادة حسن سلوك من هؤلاء الذين يصفون الحزب بالميليشيا ليتبين ان عمله ومنطقه عمل ومنطق دولة، وهو ما يعترف العدو به، وببراعة الحزب في التنظيم والمأسسة، اما هؤلاء فقد فعلوا بالدولة ما لم تفعله كل الميليشيات اللبنانية بها حتى طيلة الحرب اللبنانية المقيتة، وليست واقعة "احتلال" "فرع المعلومات" لأحد المباني التابعة لوزارة الاتصالات ومنع الوزير المختص من دخولها، وتمرد مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي على السلطات العليا التي يعمل تحت أمرتها، والصور المتلفزة التي عرضت محلياً وفضائياً عن هذا التمرد، الا واحدة من صور انهيار الدولة وتحويلها الى ميليشيا.
الآن وفي وقت يتطلع فيه جزء كبير من اللبنانيين الى لحظات من الهدوء تريحهم من شد الاعصاب والتوتر بعدما تم تشكيل الحكومة الجديدة، اراد هؤلاء "المستقبليون" ان يحولوا الفرصة الى نقمة، وأخرجوا من قواميسهم المتعددة اللغات والجنسيات من العبارات والشتائم والاوصاف ما لا يمكن لأي باحث رصين في علم السياسة ان يحصي مثلها مما تم استخدامه في ادبيات الصراع اللبناني منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1926 وحتى الآن، وهذا ان دل على شيء فانه يدل على ان المستور اعظم، وان ما ظهر لا يكاد يساوي رأس جبل الجليد، والا لماذا هذا الزعيق والسعار من فريق يزعم انه يمثل اغلبية اللبنانيين... ولكن يا للمصادفة فانه يرفض نظام التمثيل النسبي ويرفض خفض سنّ الاقتراع الى 18 سنة، ويرفض كل شيء لأنه يعرف حقيقته وحجمه اكثر من اي طرف آخر...
الجزء المتبقي من المستور كشفته ممارسات هؤلاء التي ظهرت في السوق اللبنانية السوداء على شكل فضائح لا يمكن في أي مجتمع يدعي التحضر وفي أي دولة تنسب لنفسها سمة الديمقراطية ـ او بعضاً منها ـ أن تمر مرور الكرام. بضع سنوات لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة كانت كافية لكي يفعل هؤلاء في لبنان ما لم تفعله "الوصاية السورية" طيلة ثلاثين عاماً، كما يؤرخون هم وكما يقولون، رغم ان معظمهم كانوا من اركانها او في رتبة ادنى ممن يلعق قِصَع طعامها.
يروى ان احد الرؤساء الراحلين كان يقول لأحد الوزراء الراحلين ايضا انه اذا اردت ان تسرق فليس بهذه الطريقة المباشرة وعلى عينك يا تاجر، وبدل ان تمد يدك الى المال العام هكذا وتغرف منه، فهناك من يمد اليه يده ويغرف منه عن طريق التلاعب بأرقام المشاريع التنموية وغيرها، بحيث لا يمكن تعقبك فيها، واذا حصل التعقب فيمكن التذرع امام الجهات الرقابية اللاحقة بأن ذلك في اسوأ الاحوال سوء تقدير وليس لصوصية. لكن وطيلة الثلاثين سنة الماضية من "العهد السوري" لم يحصل ان فقد من الخزينة العامة 11 مليار دولار (احد عشر) واليوم قيل إنها أصبحت 16 مليار دولار، كما لم يحصل ان فريقا سياسيا رفض ان يذهب الى مجلس النواب ويجري قطعا لحساب الموازنة يقدم فيه ايصالات وبيانات رسمية عن كل قرش أُنفق. لم يحصل ذلك الا مع فريق "حزب المستقبل" الذي لا يريد ان يشرح للبنانيين كيف ذهب من مالهم العام ـ المودع ديناً في ذمة الدولة لتصرفه عليهم ـ هذا المبلغ الذي يساوي ميزانيات بضع دول في العالم. احد عشر مليار دولار ضاعت ولا يريد هؤلاء ان يعرف اللبنانيون من أخذها وكيف؟ فضيحة اخرى نشرتها صحف لبنانية بالوثائق كشفت عن تأسيس شركات وهمية قبضت من مديرية الضريبة على القيمة المضافة مبالغ طائلة بمئات ملايين الدولارات من دون وجه حق. ايضاً الهبة السعودية التي قدمت للبنان بقيمة 500 مليون دولار لاعادة اعمار ما هدمته الحرب الاسرائيلية على لبنان صيف العام 2006 ليس معلوما حتى الآن وجهة انفاقها رغم انها قدمت بعنوان واضح وصريح.
اذاً هناك ارقام خيالية مفقودة يريد اللبنانيون من الحكومة الجديدة اجوبة عنها، وهذا هو اكثر ما يرعب اولئك الذين رجموا الناس بالموبقات فتبين انهم على قول مروان حمادة "كالعاهرات"، ومشكلة هؤلاء ليست مع المال العام فقط، بل حتى مع المال الخارجي الذي ادار الانتخابات النيابية الماضية حيث قيل كلام كثير عن سرقات كبيرة قامت بها بعض الرؤس الآذارية "الأرزية". ايضا مبلغ الـ500 مليون دولار الذي تحدث عنه جيفري فيلتمان امام الكونغرس وخصصته الادارة الاميركية لتشويه صورة حزب الله، حتى هذا المبلغ لم يشاهد اللبنانيون اعمالا اعلامية وسياسية تساوي قيمته المادية، ما يرجح ان يكون قد تعرض للسرقة، رغم كونه مالاً حراماً؟!!!!
بهذه الممارسات وغيرها الكثير يتضح للبنانيين انهم امام تجربة فريدة نجحت في فترة قياسية (بضع سنوات لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة) في تحويل الدولة الى ميليشيا، هذا في وقت كان فريق "14 الشهر" يتهم حزب الله بأنه اقام "دولة داخل الدولة" ليصبح هذا الكلام شهادة حسن سلوك من هؤلاء الذين يصفون الحزب بالميليشيا ليتبين ان عمله ومنطقه عمل ومنطق دولة، وهو ما يعترف العدو به، وببراعة الحزب في التنظيم والمأسسة، اما هؤلاء فقد فعلوا بالدولة ما لم تفعله كل الميليشيات اللبنانية بها حتى طيلة الحرب اللبنانية المقيتة، وليست واقعة "احتلال" "فرع المعلومات" لأحد المباني التابعة لوزارة الاتصالات ومنع الوزير المختص من دخولها، وتمرد مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي على السلطات العليا التي يعمل تحت أمرتها، والصور المتلفزة التي عرضت محلياً وفضائياً عن هذا التمرد، الا واحدة من صور انهيار الدولة وتحويلها الى ميليشيا.
الآن وفي وقت يتطلع فيه جزء كبير من اللبنانيين الى لحظات من الهدوء تريحهم من شد الاعصاب والتوتر بعدما تم تشكيل الحكومة الجديدة، اراد هؤلاء "المستقبليون" ان يحولوا الفرصة الى نقمة، وأخرجوا من قواميسهم المتعددة اللغات والجنسيات من العبارات والشتائم والاوصاف ما لا يمكن لأي باحث رصين في علم السياسة ان يحصي مثلها مما تم استخدامه في ادبيات الصراع اللبناني منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1926 وحتى الآن، وهذا ان دل على شيء فانه يدل على ان المستور اعظم، وان ما ظهر لا يكاد يساوي رأس جبل الجليد، والا لماذا هذا الزعيق والسعار من فريق يزعم انه يمثل اغلبية اللبنانيين... ولكن يا للمصادفة فانه يرفض نظام التمثيل النسبي ويرفض خفض سنّ الاقتراع الى 18 سنة، ويرفض كل شيء لأنه يعرف حقيقته وحجمه اكثر من اي طرف آخر...