ارشيف من :خاص

ديموقراطية الثورات العربية: حل أم مشكلة؟

ديموقراطية الثورات العربية: حل أم مشكلة؟

عقيل الشيخ حسين

يبدي أولئك الذين تمثل الديموقراطية بالنسبة لهم مثال الخير والحق والجمال تخوفاً على الثورات العربية لأنها تفتقر بنظرهم إلى الكثير من المقومات التي تبعث على الأمل بحسن سيرها على طريق الديموقراطية.

ويأتي هذا التخوف محفوفاً بالتناقض لأن هذا التخوف لا يمنعهم من مواصلة التهليل لما يسمونه بـ "ربيع" تلك الثورات التي يدرجونها في سياقات مشابهة لتلك التي جرت فيها التحولات التي افضت إلى انهيار النظام الشيوعي في اوروبا الشرقية والوسطى وقيام أنظمة "ديموقراطية" على أنقاضه.

وقبل أن ينتهي بهم المطاف إلى الاستسلام للتشاؤم مع استحضار ذكرى "تيينان مان" التي وئد معها "ربيع" بكين في المهد من قبل النظام الشيوعي/ الرأسمالي الصيني، يستعرضون ـ كل حسب اختصاصه ـ أسباب ما يعتبرونه مخاطر تحيق بالثورات العربية.

لا يتعرضون مثلاً للأطروحة الشهيرة حول "دونية المرأة" في المجتمعات العربية والإسلامية، ولا لحجابها الذي وصفه نيكولا ساركوزي، رئيس إحدى كبريات الديموقراطيات المنتجة والمصدرة للديموقراطية في العالم، بأنه مؤشر على عبودية المرأة. لأنهم يرون بأم العين تلك الحشود الكثيفة من النساء المحجبات تملأ الساحات وتسهم، ربما أكثر من الرجال، في إسقاط الأنظمة.

ولا يذكرون شيئاً عن الأمية التي تستشري في المجتمعات المذكورة والتي يفترض بها ـ لكونها مرادفة للجهل القاتل للديموقراطية في نظرهم ـ أن تكون عائقاً في طريق الثورة. لأنهم يرون الملايين من الأميين وهم يمنحون الثورة بمشاركتهم فيها عناصر القوة والعزيمة والزخم.

وبالطبع، لا يذكرون رجال الدين الذين كانوا لا يرون فيهم، بالمرجعية إلى رؤاهم العلمانية والوضعية، غير خدم أو، في أحسن الحالات، غير حلفاء لأنظمة الظلامية والاستبداد. فقد اعتادوا، منذ الثورة الإسلامية في إيران، على رؤية أصحاب العمائم، وهم يحتلون مواقع الطليعة في صناعة الثورات في العالم العربي والإسلامي.

لكنهم يقفون مطولاً أمام فجر الثورات الطالع مع التواصل الاجتماعي وسرعة انتقال المعلومة وما يوفره ذلك من قدرات تنظيمية لها الفضل الأكبر في التحولات الكبرى التي يشهدها عالم اليوم، ومنه عالمنا العربي والإسلامي.

غير أن هذا الفجر تعيقه الأمية الالكترونية. فللأسف يظل عدد مستخدمي الحاسوب والانترنت والهواتف النقالة محدوداً بين السكان، ولا حل لهذه المشكلة إلا بدمقرطة استخدام هذه الوسائل أسوة بدمقرطة التعليم. لكن هذا الحل يصطدم بالأوضاع المعيشية الصعبة لغالبية السكان ممن أفقرهم نهب المال العام وفساد الحكومات والأنظمة.

لذا، لا يبقى، في هذا المجال، غير الحل الخيري. فإذا كانت البلدان التي تعد عشرات الملايين من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر عاجزة أو في غير وارد العمل على تحقيق شعار "لكل مواطن حاسوب"، فلماذا لا تستفز الأريحية هذا أو ذاك من أمراء ومشايخ وملوك البلدان العائمة على بحار النفط فيسخى ببعض المليارات لتحقيق هذا الشعار، خصوصاً أنه يجدد حيوية هذه أو تلك من الشركات العاملة في أحد البلدان المنتجة والمصدرة للديموقر اطية ولوسائل الاتصال الحديثة؟

أما المشكلة الأخرى المعيقة لديموقراطية الثورات فتكمن في ضعف مؤسسات المجتمع المدني وهشاشتها الناشئة عن حداثة عهد المجتمعات العربية والإسلامية بها. إذ رغم نجاح الأجهزة الظاهرة والخفية في استنبات المئات والألوف من مؤسسات الناشطين الحقوقيين وصنوف المتدخلين من من أجل رعاية حقوق الأطفال والنساء والمعوقين والحيوانات، أو المكافحين من أجل الترويج لنمط عيش صديق للبيئة، فإن هذه الأعداد الكبيرة من المؤسسات المبتكرة لتقليص صلاحيات الدول، وللاستخدام كجسور لتصدير الديموقراطية من منابعها الأصيلة... تشكو من الكثير من مظاهر الخلل البنيوي والوظيفي !

ولتلافي هذه العوامل السلبية، لا بد من الرهان على عامل الزمن. فالزمن، بنظر هؤلاء، تقدمي بطبيعته، ولا بد له من المسير نحو مآلاته الحتمية المتمثلة بانتصار الحرية والديموقراطية عبر التماهي بنماذجها الظافرة في بلدان الغرب.

بكلام آخر، يقول هؤلاء بأن الثورات العربية تكون ثورات صحيحة بقدر ما تسعى إلى بناء مجتمعات في بلداننا على غرار المجتمعات الديموقراطية في بلدان الغرب. والأكيد، فيما يتجاوز غموض مفاهيم الحرية والديموقراطية والمدنية والمواطنية، أن البحبوحة الاقتصادية التي تتمتع بها تلك البلدان هي عنصر الجاذبية والانسحار الرئيسي الكامن وراء هذه الرؤى.

وبالطبع، فإن الملاحظة ـ من حيث هي مدخل إجباري لكل عملية بحث أو دراسة على طريق المعرفة ـ هي الغائب الأكبر في منهجية مرشدي الثورات التواقة إلى الديموقراطية في بلداننا. إذ إنه لا حاجة إلى التنبؤ بأن ما يجري اليوم في بلدان غربية ـ كاليونان مثلاً ـ قد يكون فاتحة لدخول أميركا وأوروبا وسائر العالم في عصر الثورات العربية.

المجتمعات الغربية، رغم البحبوحة الناشئة لا عن الديموقراطية، بل عن قرون من النهب الاستعماري المتواصل، وعن ثورة صناعية أنتجت هذه الحضارة التي تأكل أبناءها قبل أن يفضي بها المطاف، شأن النار، إلى التهام نفسها، هي ما ينبغي التوقف عنده لفهم الأزمة الوجودية التي تحرك (بين أسباب أخرى) شباب الثورات.



2011-06-19