ارشيف من :آراء وتحليلات

التبشير بالديموقراطية... في زمن الإفلاس الديموقراطي!

التبشير بالديموقراطية... في زمن الإفلاس الديموقراطي!

عقيل الشيخ حسين

هنالك بلا شك أناس ما زالوا يعتقدون، رغم جميع التطورات التي شهدها العالم خلال العقدين المنصرمين، بأن التاريخ قد انتهى مع انتهاء الحرب الباردة، وأن من الطبيعي للعالم، وبالتالي للعالم العربي والإسلامي، أن يلتحق بقطار النيوليبرالية وقاطرته الأميركية.

لكن أكثر أولئك الذين يتم إبرازهم على الشاشات للمناداة بالتغيير والحرية والديموقراطية ـ وأكثرهم يقيمون في أوروبا والولايات المتحدة ويتمتعون بحصانات توفرها لهم ارتباطاتهم بأجهزة الاستخبارات ووزارات الخارجية هناك ـ يفعلون ذلك بناءً على "أوامر مهمات" ينفذونها مقابل تلك الحصانات والتنفيعات. ولو شاء مركز أبحاث أن يحصيهم وأن يتابع ما سيؤول إليه أمرهم في المستقبل القريب جداً لألفاهم بالتأكيد يُسلسون القياد لانتهازيتهم ويتسولون رضا ما يسمونه الآن بالأنظمة الشمولية والقمعية.

وأكثر أولئك الذين يكوّنون أفكارهم ومشاعرهم على ضوء ألاعيب الإعلام والدعايات التي تقدم الغرب وحضارته من خلال مزاعم التنوير والتكنولوجيا الكلِّيةِ القدرة والرفاه العميم، يفتقرون إلى سعة النظر الضرورية لملاحظة الوقائع الصارخة التي تشهد على دخول الغرب في طور الانهيار الحتمي.

والأكيد أن تلك الأنظمة التي لا تزال بحكم المحميات رغم ما تلفقه لنفسها من أسماء بلا سلطان، تمتلك قدرة على الرؤية أكبر بكثير: لجوؤها إلى التعاقد مع شركات أمنية وجيوش من المرتزقة تكل إليها أمر حمايتها هو وليد إحساسها الصائب بعجز أميركا وحلفائها عن تأمين ما كانت تؤمّنه لها من حماية.

فمن حروب أفغانستان والعراق ولبنان وغزة لم تحصد أميركا وحلفاؤها غير الهزائم المرّة رغم الوهم الذي استحكم بالأذهان لبعض الوقت عند انهيار المعسكر الشيوعي.

ومن المؤامرات والضغوط على إيران وسوريا، خرج البَلدانِ أكثر قوة وصلابة من ذي قبل، وفي الوقت نفسه تضعضعت النظم المرتبطة بأميركا، فمنها من سقط ومنها من هو آيل إلى السقوط.

وحتى عندما خُيل لأميركا أن بإمكانها اختطاف الثورات العربية، كما في حالة ليبيا، انكشف المشهد عن معترك من الترددات والعنعنات التي أضافت إلى مشاكل الحلف الأطلسي مشاكل جديدة تدفع به الآن نحو المزيد من التفكك.

أما في اليمن، فإن كل يوم يمر يشهد المزيد من تجذر الثورة مع الارتفاع المتصاعد في منسوب الوعي الشعبي بأن المعركة الحقيقية هي بين الشعب اليمني، من جهة، وأميركا وأصحاب المبادرات المكوكية، من جهة أخرى.

وفي الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على العواصف التي بدأت تهب على أوروبا الغارقة في الديون وبرامج التقشف المفتوحة على ما لا يحصى من توترات اجتماعية وقومية ومناطقية، تتناسى أجهزة الإعلام المرتبطة بأن أميركا تتخبط في أوضاع أشد صعوبة بكثير من أوضاع أوروبا، وبأن العالم مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى تلمس طريق الخلاص الذي لا طريق غيره.

إذ على الرغم من ترليونات الدولارات التي ضخت منذ اندلاع أزمة الرهون العقارية قبل ثلاث سنوات، لم يحصل أي تقدم يذكر على مستوى الخروج من الأزمة، في وقت تعود فيه أزمة الرهون نفسها لتطل برأسها ولتجعل الديون المترتبة على مشتري المساكن أكبر من إيراداتهم، ولتقذف بعشرات الملايين من الأميركيين إلى مهاوي الإدقاع.

وإذا كان من الممكن، قبل ثلاث سنوات، لعمليات الضخ المستندة إلى طباعة الأوراق النقدية أن تسمح للمرهونة أموالهم بمواصلة الاستدانة، فإن ذلك لم يعد ممكناً الآن مع وصول المديونية الأميركية إلى أكثر من 14 ترليون دولار، ومع العجز عن رفع سقف القدرة على المزيد من الاستدانة، بسبب معارضة الجمهوريين في الكونغرس لمساعي أوباما في هذا السبيل.

وإذا ما لبى الكونغرس رغبة أوباما في هذا المجال، وهو واحد من مجالات عديدة تعكس اقتراب أميركا من الإفلاس، فإن ثمن ذلك لن يكون أقل من إجباره على اعتماد خطط تقشف شبيهة بتلك المعتمدة في أوروبا، ما يعني أن عدد المعوزين الذين يزيدون الآن في الولايات المتحدة عن خمسين مليوناً سيتضاعف مرتين أو ثلاثاً، وسيكون من غير الممكن لأوباما، فيما لو أكمل فترة رئاسته الحالية، أن يحلم بولاية ثانية.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تنبؤات عديدة كلها مبني على الوقائع وكلها يقول بقرب انهيار الولايات المتحدة. آخر تلك التنبؤات صدر عن حاكم ولاية كاليفورنيا، جيري براون، الذي نشر مؤخراً كتاباً تنبأ فيه بأن الولايات المتحدة مقبلة على حرب أهلية طاحنة. وبالطبع، فإن أوروبا تواجه المصير نفسه بحكم تشابه المسارات. فهل يكفّ البعض عندنا عن التبشير بمحاسن الغرب وحريته وديموقراطيته ورفاهه، وعن الدعوات للاهتداء بهداه والاقتداء بسننه؟!

2011-06-22