ارشيف من :آراء وتحليلات

14 آذار: بين الإحباط وفقدان التوازن

14 آذار: بين الإحباط وفقدان التوازن

بثينة عليق

في التاسع من أيّار/مايو الماضي خرجت وزيرة المالية السابقة ريّا الحسن لتطلق تحذيراً خطيراً بسبب التأخر في تأليف الحكومة.. "إن الدولة لا تستطيع تسديد رواتب المستخدمين والمتقاعدين والأجراء ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة في القطاع العام اعتباراً من الشهر المقبل". والسبب برأي الحسن هو دون أيّ تردّد "تأخّر تأليف الحكومة وعدم وجود قانون للموازنة يجيز لها الاقتراض لتمويل العجز". أطلقت الحسن موقفها الخطير تاركةً الكثيرين في البلد في حال قلق وخوف من المستقبل الغامض الذي ينتظر المواطنين، إذا لم تتألّف الحكومة؟!

لم يكن هذا التصريح هو الأول والأخير من قبل سياسيّي وقيادات ونواب 14 آذار حول الأضرار الكبيرة الناتجة عن تأخّر تشكيل الحكومة، وتكفي إطلالة سريعة على بيانات الأمانة العامة لـ14 آذار لنقرأ مواقف من نفس النوع والمستوى.

في الثامن من حزيران/يونيو تحدّث بيان الأمانة العامة عن "ضرورة وضع رئيس الجمهورية كافة القوى السياسية أمام مسؤوليّتها "وصولاً إلى تشكيل الحكومة". وأضاف البيان بلهجة لا تخلو من الشماتة أن "حزب الله وفريقه فقدوا القدرة على تشكيل الحكومة". وتابع البيان "إن الحلّ الأسرع والفعّال لمنع مصادرة عمل السلطة التنفيذية هو تشكيل حكومة لتقوم كل سلطة بدورها".

في بيانها التالي تنصح الأمانة العامة الرئيس بري "بتوظيف مواهبه لمساعدة فريقه المأزوم على تشكيل الحكومة". أما في البيان الذي سبق فكلام عن أنّ "ما يجري في المنطقة هو الذي يرمي بثقله على موضوع تشكيل الحكومة، وأن الاكثرية الجديدة عاجزة عن تشكيل الحكومة وفقاً للمعايير التي كان طرحها حزب الله". وعلى هامش تلاوة البيان المذكور جزم منسّق الأمانة العامّة لـ14 آذار فارس سعيد أن "14 آذار ستعود الى السلطة وفقاً لمعاييرها هي".

لم يكتفِ هذا الفريق ببيانات الأمانة العامة، فها هي مصادره تتحدّث لصحيفة السياسة الكويتية بتاريخ 26 أيّار عن "القلق لدى اللبنانيين من مغبّة الفراغ الحكومي". وتتابع المصادر مستنكرةً ما اعتبرته استهدافاً لرئيس الجمهورية والرئيس المكلّف من قبل حزب الله. وادّعت أن الحزب يتّهم الرئيسين بالرضوخ للضغوط الأميركية. وقد بدت هذه المصادر متعاطفةً إلى أبعد الحدود مع الرئيس ميقاتي معتبرةً أن استبداله يعني في أحد أوجهه تعطيلاً للمؤسسات الدستورية، كما بدا واضحاً التمييز بين الأكثرية الجديدة والرئيس ميقاتي.

مصادر 14 آذار تحدّثت في نفس الأسبوع لصحيفة المستقبل فاعتبرت أن فريق 8 آذار يؤخّر الحكومة ما يؤدّي إلى "كشف لبنان على المستويات الاقتصادية والمالية والأمنية".

كل هذه التصريحات المستنكرة والرافضة لحالة الفراغ الحكومي تفترض أن الارتياح سيعمّ فريق الرابع عشر من آذار بعد تحققّ ما أراده على مدى الأشهر الاربعة التي عاشها لبنان في ظلّ الفراغ على مستوى سلطته التنفيذية. فالحكومة الجديدة ستمنع بطبيعة الحال الأزمة المالية التي حذّرت منها الوزيرة الحسن، والرئيس بري سمع نصيحة الأمانة العامة واستخدم مواهبه بطريقة خلاقة ومبدعة فقدّم الوصفة العجيبة التي ساهمت في حلحلة العقد المستعصية، وفريق 8 آذار بدا في أحسن حالاته وأبعد ما يكون عن حالة العجز السلبية التي وُسم بها، والرئيس المكلّف ظهر منسجماً مع رئيس الجمهورية ومكوّنات الأغلبية النيابية الجديدة. كما إن تأليف الحكومة سينهي حالة الانكشاف الاقتصادي والأمني والسياسي التي حذّرت منها 14 آذار.

لماذا إذاً هذا الانقلاب على الذات وهذا التناقض الصارخ الذي ظهر في ردود فعل تيّار المستقبل وتوابعه؟ فقد ظهر فارس سعيد كمن يعلن النفير العام وهو يتلو بيان أمانته العامة. وبدا كبقية شركائه في المشروع السياسي مصدوماً ومتفاجئاً ومقهوراً من إنجاز لطالما نادى به واعتبره مدخلاً لاستقرار لبنان.

إنها مرحلة الإحباط وفقدان التوازن داخل هذا الفريق بعد تأليف الحكومة، وعادةً ما ينتج عن هذه الحالة أخطاء سياسية قد تكون مميتة... وما جرى في طرابلس يبدو أوّل الغيث.

2011-06-22