ارشيف من :خاص

آمال اسرائيلية بإضعاف الرئيس الاسد

آمال اسرائيلية بإضعاف الرئيس الاسد
حسان ابراهيم
برز في كيان العدو خلال الاسابيع القليلة الماضية، تصريحات ومواقف اسرائيلية حيال ما يجري في سوريا، منها ما تحفظ عن اعطاء رأي مباشر، خشية الاضرار بـ"المعارضة السورية"، ومنها ما ادلى برأيه المعبر بطبيعة الحال عن وجهة النظر الاسرائيلية. وزير الحرب ايهود باراك، حاول توصيف ما يجري في سوريا، وتحدث عن مآلات الوضع كما يراه، لكن جاءت اراءه وتقديراته متضاربة، او في حد ادنى غير مستقرة، تعبر بدورها عن عدم يقين اسرائيلي بمآلات الاوضاع في هذا البلد.

خلال الاسابيع القليلة الماضية، ادلى باراك بتصريحين ملفتين مرتبطين بالاحداث. التصريح الاول بتاريخ 06/06/2011، بثته الاذاعة الاسرائيلية في حينه، وجاء فيه الآتي: اعتقد ان الرئيس السوري، بشار الاسد، سيسقط لانه فقد مصداقيته، وربما ما زال قادرا على المحافظة على استقرار نظامه لستة او تسعة اشهر اخرى.. لكن مصيره، كما اعتقد، قد تحدد بالفعل". التصريح الثاني بتاريخ 15/06/2011، ونقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية، جاء فيه الآتي: "أشعر بان بشار فقد شرعيته. لكن كما يبدو فإنّه سيصمد. هذا مؤسف، لكن هذه هي الوقائع". ما يقرب من عشرة ايام، تفصل بين التصريحين. في الاول، يجد باراك ان الرئيس الاسد سيسقط، لكن المسألة ليست الا مسألة وقت. بينما يرى في الثاني انه سيصمد، ويتأسف على ذلك. 
الواقع ان تصريحات باراك المتناقضة، تعبر بالضبط عن واقع الرؤية الاسرائيلية المتذبذبة وغير المؤكدة لمآلات الوضع في سوريا. بين آمال مفرطة بإمكان تغيير البيئة الاستراتيجية لـ"اسرائيل" من بوابة تغير النظام في سوريا، من واقع غير مريح وخطر ومشبع بالتهديد على الدولة العبرية، الى واقع اقل سوءا مع امكانات واسعة جدا على استيعابه وحرف مساراته، في حال نجح المتآمرون على سوريا على تسليك مخططاتهم نحو النجاح واسقاط سوريا من المعادلة الاقليمية.

تصريحات باراك ترجمة  لعدم اليقين حيال سوريا ومآلات احداثها

وزير خارجية اسرائيل، افيغدور ليبرمان، لم يكتف بالتوصيف وتقدير المآلات، بل حدد مكمن المصلحة الاسرائيلية وطالب باجراءات فورية لاسقاط النظام، محذرا من ان صمود الرئيس الاسد ونظامه، يشكل مشكلة "مريعة" لـ"اسرائيل". طالب ليبرمان (هآرتس 14/06/2011)، بتدخل دولي واضح في سوريا، شبيه بالتدخل الدولي الواقع في ليبيا، مشيرا الى ان "ليس مقبولا ما نراه في سوريا، واترقب رؤية خطوات حقيقية على الارض ضد النظام، ونأمل ان تسحب اوروبا سفراءها من هناك"، واضاف "انا قلق من الوضع في سوريا.. توجد اشارات سيئة جدا في حال نجح الرئيس (بشار الاسد) في البقاء.. يجب على الاسرة الدولية ان تستخدم كل الوسائل، لانه اذا نجح الاسد... في قمع التغيير والحرية، فهذا تطور مريع".
في نفس السياق، جهد رئيس الكنيست الاسرائيلي، رؤفين رفلين، في التحريض على سوريا، وأكد امام السفير الروسي في "اسرائيل"، بيتر ستاغني، كما اشارت "يديعوت احرونوت" 09/06/2011، على "وجوب ان تتخذ روسيا موقف ضد النظام السوري، والعمل على ادانته في مجلس الامن، باتجاه إقرار عقوبات جديدة ورادعة ضد نظام بشار الاسد".

كما يبدو، فان الموقف الاسرائيلي حذر في اطلاق "تحليلاته" واسير حالة من عدم اليقين، لكنه في نفس الوقت واضح في آماله، وشبه متفق على وجوب ان تفضي الاحداث في سوريا الى تغيير ما، ليس بالضرورة ان يكون اسقاطا للنظام القائم، لكن يجب ان يؤدي الى تحسين في البيئة الاستراتيجية الاسرائيلية. تصريحات باراك وليبرمان ورفلين، كثلاث عينات لمسؤولين اسرائيليين، تشير الى ذلك: إن لم يكن بالامكان اسقاط النظام، فأدنى ما يمكن ان يرضي "اسرائيل" هو اضعافه، وفرض عقوبات عليه، بل واستخدام كل ما يلزم لتحقيق ذلك.. على امل ان يؤدي ذلك الى اضعاف محور المقاومة، ما يتيح لتل ابيب ان تملي ارادتها السياسية على سوريا ولبنان. اما ان يعود الوضع الى ما كان عليه ونجاح الرئيس الاسد بالتصدي للمؤامرة، بحسب ليبرمان، "فهذا تطور مريع".
في دراسة صدرت اخيرا عن مركز دراسات الامن القومي – جامعة تل ابيب، للباحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، افرايم كام، تناولت ما اسمته "الهزة الارضية التي تضرب حاليا الشرق الاوسط.. وعصر الشك"، حاولت توصيف واقع الاحداث في سوريا، مع تقدير "اولي" لما يمكن ان تؤول اليه، رغم ان الاحداث بدأت منذ اشهر، كدلالة على ان حالة عدم اليقين تنسحب على المراكز البحثية ايضا. بحسب الدراسة، مع الاشارة الى اهمية المركز من ناحية التقدير البحثي الاسرائيلي، فان "نظام الرئيس السوري بشار الاسد ما زال يسيطر على الوضع، رغم ان الغليان ما زال مستمرا"، واشترطت الدراسة كي تؤدي الاحداث الى تهديد النظام، ان تتواصل وتتفاقم، والا فان "النظام سيخرج منها سالما".

بحسب الدراسة، فان الشك سيبقى قائما للفترة الحالية والمقبلة، حيال اي تقدير يتناول مآلات الوضع في سوريا، بل مآلات الوضع في المنطقة عموما، مشيرة الى انه من غير الواضح أي أنظمة ستسقط وأيها ستبقى. 

تشير الدراسة الى ان سقوط النظام في سوريا له دلالات وتأثيرات مهمة حيال الوضع في الشرق الاوسط، اذ "قد يفتح إمكانيات جديدة للحوار مع الولايات المتحدة وربما أيضا مع إسرائيل.. وفي كل الأحوال، من الواضح أن استئناف المفاوضات بين إسرائيل وسوريا لن يُطرح على بساط البحث طالما ان الغليان متواصل في سوريا"، وهي حسنة من وجهة نظر اليمين الاسرائيلي المسيطرة على القيادة السياسية في اسرائيل، اي ان للقيادة الاسرائيلية مصلحة في استمرار الوضع متأزما في سوريا. 

مع ذلك، تحذر الدراسة من ان لا تؤدي "الهزة الإقليمية"، في نهاية المطاف، للاضرار بالنظام الإسلامي في طهران أو بحلفائها في سوريا وفي غزة، مشيرة الى ان ذلك سيضر بـ"اسرائيل" ويتضرر الموقع الاقليمي للولايات المتحدة.

الاهم ما في الدراسة انها تشير الى الآتي: "ليس لدى "إسرائيل" أي قدرة على التأثير على التطورات في الدول العربية.. لكن التطورات في الدول العربية (سوريا) هي في صالح "اسرائيل"، وقد تساعد في المدى البعيد على فتح حوار بين "إسرائيل" والعالم العربي، لكن هذا الهدف ما زال بعيدا وغير مؤكد.

وفي الخلاصة، يمكن القول ان حالة عدم اليقين، والامل بإضعاف سوريا واخراجها من المعادلة الاقليمية، تمهيدا لإملاء ارادة تل ابيب السياسية على دمشق، هي الهدف والأمل الاسرائيليين، حيال الاحداث الجارية في سوريا.
2011-06-23