ارشيف من :ترجمات ودراسات
المؤامرة على القيادة السورية... إضعاف بعد تعذُّر الإسقاط
حسان ابراهيم
الى أي مدى يمكن للغرب ان يتدخل في سوريا؟
سؤال يطرح في ظل اصرار القيادة السورية على خياراتها وثوابتها، وفي ظل اصرار الغرب على الضغط من خلال اثارة الفتنة الداخلية. الاجابة يمكن تلمّسها في الحراك الفعلي للغرب تجاه سوريا، الذي لا يمكن فهمه الا من خلال التصريحات والمواقف الغربية، وايضا من خلال الدراسات التي جرى نشرها في السنوات القليلة الماضية، الباحثة عن انجع السبل في اسقاط سوريا من محور الممانعة والمقاومة لـ"اسرائيل".
وما دام ان اليد الاسرائيلية، كما يتضح من مواقف المسؤولين الاسرائيليين اخيرا، شاركت في الإعداد وفي تواصل واستمرار الاحداث في سوريا، بل وفي التحريض عليها وعلى استمرارها، فيمكن بالتالي ان نتلمس الخطة الموضوعة لهذا البلد، من "اسرائيل" نفسها... وانجح طريقة في فهم ذلك، هي في معاينة الدراسات البحثية الاسرائيلية، التي صدرت في الاونة الاخيرة، ومن بينها دراسة صدرت عن مركز ابحاث الامن القومي في "اسرائيل" (جافي سابقا) للباحث فيه، داني بركوفيتس، التي جاءت شاملة واكثر دقة وجدية من اي دراسة اخرى صدرت في الغرب وفي اسرائيل، وخاصة ان ما تخلص اليه الدراسة من تكتيكات واستراتيجيات، يتوافق تماما مع ما يجري في هذه الفترة حيال سوريا والمنطقة عموما، وصولا الى هدف واحد يهم "اسرائيل" والولايات المتحدة: التخلص من محور المقاومة والممانعة.
داني بروكوفيتس، الباحث في مركز ابحاث الامن القومي في اسرائيل، جهد في الوصول الى ما اسماه افضل وأنجع الطرق، التي تمكّن "اسرائيل" وحلفاءها، من مواجهة حزب الله والمقاومة عموما، سواء باتجاه الاجتثاث او الاضعاف. كتب بركوفيتس دراسته في العام 2007، بعد اشهر من عدوان تموز عام 2006، وبعد ان تبين فشل الجيش الاسرائيلي في انجاز مهمة القضاء على حزب الله عسكريا، تمهيدا للانقضاض على سوريا ومحور الممانعة عموما. صدرت الدراسة باللغتين العبرية والانكليزية، وما زالت الى الان، تلقى رواجا في "اسرائيل"، خاصة ان الخيارات الاخرى ضد سوريا والمقاومة، فشلت جميعها، والدراسة ما زالت محط استشهاد واهتمام كتّاب وباحثين، ربطا بالاحداث الحالية في المنطقة، وتحديدا في سوريا.
احد الافكار الرئيسية التي حاول الكاتب ترويجها لدى صناع القرار في تل ابيب، ولدى الولايات المتحدة والغرب عموما، هي ان "السياسة التي تبنتها إسرائيل والمجتمع الدولي لمواجهة حزب الله، بين تشجيع دمجه في السياسة اللبنانية وبين ممارسة القوة إزاءه، لم تؤدّ إلى إضعافه"، ويقول "يفترض تبني سياسة مغايرة في مواجهة حزب الله، تأخذ بالحسبان قواه الأخرى غير العسكرية، والمسارات والتوجهات في محيطه القريب والبعيد، التي تؤثر على أدائه". ويرى ان احد اهم الشروط الاساسية التي يتوجب القيام بها للتمكن من اضعاف مقاومة "اسرائيل"، بوسائل غير عسكرية ثبت عدم نجاعتها، هي العمل على تغيير السياسة السورية تجاهه، ما دام انها مصدر اساسي من قوّته ومكوّنات هذه القدرة، على ان يكون ذلك من خلال احد اربعة مسارات:
اولا: إسقاط النظام السوري الحالي، بما سيؤدي إلى تغيير الاتجاه السياسي والعقائدي والتحول السياسي لديه.
ثانيا: تغيير سياسة النظام القائم، في أعقاب اتفاق سلام مع "إسرائيل"، كجزء من رزمة تسوية إقليمية. على ان تلتزم سوريا، عمليا، بانهاء تحالفها مع ايران وحزب الله، كجزء من التسوية نفسها.
ثالثا: تكثيف الرقابة والضغوط الدولية على سوريا، بما يدفع النظام قسرا نحو التخلي عن ارتباطه بايران وحزب الله، أملاً في انهاء الضغوط، او طلباً لاجراء تسوية تنهيها مع دفع ثمنها.
رابعا: ايجاد فجوة أو أزمة في العلاقات البينية بين سوريا وإيران، تؤدي في نهاية المطاف وفي اعقابها، الى قرار سوري بالتخلي عن الحلف معها، ومن ثم التخلي، بطبيعة الحال، عن الحلف مع المقاومة.
بعد عدة سنوات من الجهود الاسرائيلية والاميركية، وبشكل اعم جهود واشنطن وحلفائها القريبين والبعيدين بما يعرف بمحور "الاعتدال" في المنطقة وفي لبنان، يبدو ان استراتيجية مواجهة المقاومة، كمحور، بما يشمل ايران وسوريا وحزب الله وحركة المقاومة في غزة، استقر اخيرا على محاولة نزع الحلقة السورية من هذا المحور، ليس عن طريق التسوية او الاغراءات او ما شابه ذلك، بل عن طريق فرض "اسرائيل" والولايات المتحدة، الموقف المطلوب من القيادة السورية فرضا وقسرا، من خلال الضغوط المفعلة عليها، والناتجة عن ضرب الاستقرار الامني في سوريا، والتهديد بسقوط النظام.
مجريات الاحداث في سوريا، واهداف الغرب من دعمها، اضافة الى سلة الشروط الموضوعة على طاولة الرئيس السوري لانهائها، التي تبين انها تصل تباعا من واشنطن الى دمشق، تشير الى ذلك بشكل لا لبس فيه. المعادلة المطروحة امام القيادة السورية واضحة: فك التحالف مع قوى المقاومة والممانعة، والانقلاب على الثوابت السورية والقومية، مقابل الاستقرار الامني في سوريا.
يعني ذلك، ان صناع القرار في محور "الاعتدال"، بما يشمل "اسرائيل" والولايات المتحدة والغرب عموما، وايضا دول الاعتدال العربي، قد استقر الرأي لديهم، بعد فشل كل محاولاتهم، على ضرب سوريا امنيا وزعزعة الاستقرار فيها، أملاً منهم في تغيير توجهاتها حيال محور الممانعة، التي هي، اي سوريا، جزء اساسي ومحوري فيه.
وسواء كانت استراتيجية الغرب المفعلة حاليا ضد سوريا مستمدة من افكار مركز ابحاث الامن القومي الاسرائيلي، او من كتابات وافكار شريكة في الرأي الاسرائيلي ومبنية عليه، فان فهم هذه الاستراتيجية، بفرصها وتهديداتها، تجاه الغرب وتجاه محور الممانعة، يمكن ان يجري تلمسه في الدراسة نفسها، ويمكن ان يفيد في تحليل الوضع والموقف، واستشراف مآلاته وحدوده المرسومة له ابتداءً.
في اطار عرض افكار الكتاب، نقتبس الآتي:
تغيير سياسة سوريا تجاه حزب الله:
العلاقة بين سوريا وحزب الله (المقاومة في لبنان)، هي علاقة نوعية بالنسبة لحزب الله، والمس بهذه العلاقة، يمكن أن يتم في الظروف التالية:
1ـ إسقاط النظام الحالي، الذي سيؤدي إلى تغيير في الاتجاه السياسي والأيديولوجي وتغيير في السياسة السياسية السورية.
2ـ تغيير سياسة النظام القائم، في أعقاب اتفاق سلام مع "إسرائيل"، وكجزء من رزمة اتفاقات إقليمية.
3ـ تعزيز الرقابة والضغوط الدولية على سوريا.
4ـ انشقاق أو أزمة في العلاقات بين سوريا وإيران.
والأمل بتغيير سياسة سوريا تجاه حزب الله، أعلى بكثير من الأمل بتغيير سياسة إيران تجاهه. وعلى عكس الحالة الإيرانية، لدى إسرائيل تأثير معين على هذا المسار. ومن المفهوم أن تغيير النظام في سوريا، يمكن أن يشكل عاملاً مركزياً في تغيير السياسة [السورية] تجاه حزب الله، رغم أن ذلك مرتبط بطبيعة الحال بطابع النظام الجديد، علماً أن تغييرا كهذا غير مطروح على جدول الأعمال، وفي نفس الوقت نظام بشار الأسد مستقر. مع ذلك، الإمكانيات الإستراتيجية للخيار السوري، أكثر تنوعاً مما هي لدى إيران. (انتهى الاقتباس).
يظهر ما تقدم ان "اسرائيل"، ومنذ اعوام، تعمل جاهدة على ايجاد وسائل اكراه تجاه سوريا، لعزلها عن محور الممانعة، لكنها كانت تنتظر البيئة الحاضنة لخياراتها، سواء كانت خيارات اكراه او خيارات ترغيب، وهي مطروحة بوضوح ضمن الخيارات الاربعة المساقة اعلاه.
وكما هو معلوم، فان الخيار الثاني والثالث والرابع، هي من الخيارات التي جرى فحصها ومحاولة تطبيقها عمليا في الاعوام القليلة الماضية، لكن نتائج تفعليها كانت غير مُرضية، وفي كل مرة كانت تواجه بصد سوري وتمسك دمشق بخياراتها. لكن ماذا عن الخيار الاول؟.
المعلوم، وكما تشير الدراسة الاسرائيلية، الى ان الخيار الاول، اي اسقاط النظام السوري، لم يكن مطروحا على طاولة البحث ابتداءً، خشية التداعيات التي يمكن ان تنتج عن ذلك، رغم ان هذا الخيار يحمل جملة من الفرص والفوائد لاسرائيل وللغرب عموما، فاسقاط النظام السوري يشكل ضربة موجعة وكبيرة جدا لمحور الممانعة، لكنه في نفس الوقت، يحمل إمكانات متطرفة من ان تتحول سوريا لاحقا، نتيجة إمكانات معقولة جدا، بالاحتراب الداخلي بسقوط النظام، الى دويلات وتشظّ جغرافي، لا يمكن الامساك بها كلها، من قبل الغرب.
ضمن نفس السياق، وضمن نفس الاستراتيجية المفعلة حاليا، يبدو ان هذا المطلب، اي اسقاط النظام السوري، ما زال مستبعدا، اقله في الامد المنظور، ما دام ان التهديدات الكامنة فيه كبيرة جدا وغير متوقعة او يقينية بالكامل... لكن مع فشل كل الخيارات الاخرى البديلة حيال سوريا، على مر السنوات الماضية، كان لا بد من العمل على الخيار الاول، انما بحذر، يحول دون الوصول الى نتائجه السلبية.
في تفصيل ذلك، يمكن الاشارة الى الآتي:
ان الخيار المفعل ضد سوريا حاليا، من خلال افتعال القلاقل والتحريض على العنف وعدم الاستقرار الامني، هي من التكتيكات التي تشير ابتداءً الى ان الاستراتيجية المتبعة هي استراتيجية اسقاط النظام... لكن في التعمق اكثر، فان هذه التكتيكات تفيد ايضا ان الاستراتيجية المتبعة تريد كل "فوائد" اسقاط النظام، من دون اسقاطه...
بعد ان جرى العمل على كل الخيارات الاخرى، باتت "اسرائيل" والولايات المتحدة، على قناعة تامة بأن نزع سوريا من محور الممانعة، لن يكون خيارا مطروحا وممكنا، من خلال الدفع بالاغراء للنظام السوري، كما انه لن يكون ممكنا من خلال العقوبات ايضا، بل يجب ان يفرض فرضا على القيادة السورية، جراء ايجاد خشية حقيقية لديه من اسقاطه... الهدف الاسرائيلي والغربي لافتعال عدم الاستقرار في سوريا، أنهم يدركون جيدا، بامكان ايقاف كل الاحداث في هذا البلد، بمجرد موافقة سوريا على نزع جلدها والافتراق عن خياراتها القومية ودعم المقاومة...
بمعنى اخر، المعادلة المطروحة امام القيادة السورية حاليا، هي الآتية: تزيد الفتنة والازمة الداخلية في سوريا، على جرعات، من قبل الغرب، وفي كل جرعة يقف الاسرائيلي والغربي وينتظر الموقف السوري، إن كان الجواب سلبيا، اي ان سوريا ما زالت تقف على قدمها وترفض الابتعاد عن خياراتها، فان الجرعات اللاحقة تنمو وتكبر... وهكذا تستمر الجرعات.
هذه هي المعادلة الغربية المفعلة ضد سوريا وضد قيادتها... لكن كما يبدو، فان القيادة السورية تدرك جيدا استراتيجية الغرب وتدرك ايضا امكاناته، كما انها تدرك جيدا كيفية التصدي لهذه الاستراتيجية... ما يساعد القيادة السورية، جملة من العوامل، واهمها عدم استجابة الشعب السوري للمخطط، ووقوفه الى جانب قيادته...
في الاسابيع الاولى للاضطرابات في سوريا، ادرك الغرب، على ما يبدو، ان المسعى قد فشل. لكن في ظل عدم وجود خيارات اخرى، كان لا بد من السير قدما في هذا المخطط... فإن لم يكن بالامكان نزع سوريا عن محور المقاومة، فأقله اضعافها... وهذا هو المسعى الغربي من كل ما يحصل، حاليا، في سوريا.
الى أي مدى يمكن للغرب ان يتدخل في سوريا؟
سؤال يطرح في ظل اصرار القيادة السورية على خياراتها وثوابتها، وفي ظل اصرار الغرب على الضغط من خلال اثارة الفتنة الداخلية. الاجابة يمكن تلمّسها في الحراك الفعلي للغرب تجاه سوريا، الذي لا يمكن فهمه الا من خلال التصريحات والمواقف الغربية، وايضا من خلال الدراسات التي جرى نشرها في السنوات القليلة الماضية، الباحثة عن انجع السبل في اسقاط سوريا من محور الممانعة والمقاومة لـ"اسرائيل".
وما دام ان اليد الاسرائيلية، كما يتضح من مواقف المسؤولين الاسرائيليين اخيرا، شاركت في الإعداد وفي تواصل واستمرار الاحداث في سوريا، بل وفي التحريض عليها وعلى استمرارها، فيمكن بالتالي ان نتلمس الخطة الموضوعة لهذا البلد، من "اسرائيل" نفسها... وانجح طريقة في فهم ذلك، هي في معاينة الدراسات البحثية الاسرائيلية، التي صدرت في الاونة الاخيرة، ومن بينها دراسة صدرت عن مركز ابحاث الامن القومي في "اسرائيل" (جافي سابقا) للباحث فيه، داني بركوفيتس، التي جاءت شاملة واكثر دقة وجدية من اي دراسة اخرى صدرت في الغرب وفي اسرائيل، وخاصة ان ما تخلص اليه الدراسة من تكتيكات واستراتيجيات، يتوافق تماما مع ما يجري في هذه الفترة حيال سوريا والمنطقة عموما، وصولا الى هدف واحد يهم "اسرائيل" والولايات المتحدة: التخلص من محور المقاومة والممانعة.
داني بروكوفيتس، الباحث في مركز ابحاث الامن القومي في اسرائيل، جهد في الوصول الى ما اسماه افضل وأنجع الطرق، التي تمكّن "اسرائيل" وحلفاءها، من مواجهة حزب الله والمقاومة عموما، سواء باتجاه الاجتثاث او الاضعاف. كتب بركوفيتس دراسته في العام 2007، بعد اشهر من عدوان تموز عام 2006، وبعد ان تبين فشل الجيش الاسرائيلي في انجاز مهمة القضاء على حزب الله عسكريا، تمهيدا للانقضاض على سوريا ومحور الممانعة عموما. صدرت الدراسة باللغتين العبرية والانكليزية، وما زالت الى الان، تلقى رواجا في "اسرائيل"، خاصة ان الخيارات الاخرى ضد سوريا والمقاومة، فشلت جميعها، والدراسة ما زالت محط استشهاد واهتمام كتّاب وباحثين، ربطا بالاحداث الحالية في المنطقة، وتحديدا في سوريا.
احد الافكار الرئيسية التي حاول الكاتب ترويجها لدى صناع القرار في تل ابيب، ولدى الولايات المتحدة والغرب عموما، هي ان "السياسة التي تبنتها إسرائيل والمجتمع الدولي لمواجهة حزب الله، بين تشجيع دمجه في السياسة اللبنانية وبين ممارسة القوة إزاءه، لم تؤدّ إلى إضعافه"، ويقول "يفترض تبني سياسة مغايرة في مواجهة حزب الله، تأخذ بالحسبان قواه الأخرى غير العسكرية، والمسارات والتوجهات في محيطه القريب والبعيد، التي تؤثر على أدائه". ويرى ان احد اهم الشروط الاساسية التي يتوجب القيام بها للتمكن من اضعاف مقاومة "اسرائيل"، بوسائل غير عسكرية ثبت عدم نجاعتها، هي العمل على تغيير السياسة السورية تجاهه، ما دام انها مصدر اساسي من قوّته ومكوّنات هذه القدرة، على ان يكون ذلك من خلال احد اربعة مسارات:
اولا: إسقاط النظام السوري الحالي، بما سيؤدي إلى تغيير الاتجاه السياسي والعقائدي والتحول السياسي لديه.
ثانيا: تغيير سياسة النظام القائم، في أعقاب اتفاق سلام مع "إسرائيل"، كجزء من رزمة تسوية إقليمية. على ان تلتزم سوريا، عمليا، بانهاء تحالفها مع ايران وحزب الله، كجزء من التسوية نفسها.
ثالثا: تكثيف الرقابة والضغوط الدولية على سوريا، بما يدفع النظام قسرا نحو التخلي عن ارتباطه بايران وحزب الله، أملاً في انهاء الضغوط، او طلباً لاجراء تسوية تنهيها مع دفع ثمنها.
رابعا: ايجاد فجوة أو أزمة في العلاقات البينية بين سوريا وإيران، تؤدي في نهاية المطاف وفي اعقابها، الى قرار سوري بالتخلي عن الحلف معها، ومن ثم التخلي، بطبيعة الحال، عن الحلف مع المقاومة.
بعد عدة سنوات من الجهود الاسرائيلية والاميركية، وبشكل اعم جهود واشنطن وحلفائها القريبين والبعيدين بما يعرف بمحور "الاعتدال" في المنطقة وفي لبنان، يبدو ان استراتيجية مواجهة المقاومة، كمحور، بما يشمل ايران وسوريا وحزب الله وحركة المقاومة في غزة، استقر اخيرا على محاولة نزع الحلقة السورية من هذا المحور، ليس عن طريق التسوية او الاغراءات او ما شابه ذلك، بل عن طريق فرض "اسرائيل" والولايات المتحدة، الموقف المطلوب من القيادة السورية فرضا وقسرا، من خلال الضغوط المفعلة عليها، والناتجة عن ضرب الاستقرار الامني في سوريا، والتهديد بسقوط النظام.
مجريات الاحداث في سوريا، واهداف الغرب من دعمها، اضافة الى سلة الشروط الموضوعة على طاولة الرئيس السوري لانهائها، التي تبين انها تصل تباعا من واشنطن الى دمشق، تشير الى ذلك بشكل لا لبس فيه. المعادلة المطروحة امام القيادة السورية واضحة: فك التحالف مع قوى المقاومة والممانعة، والانقلاب على الثوابت السورية والقومية، مقابل الاستقرار الامني في سوريا.
يعني ذلك، ان صناع القرار في محور "الاعتدال"، بما يشمل "اسرائيل" والولايات المتحدة والغرب عموما، وايضا دول الاعتدال العربي، قد استقر الرأي لديهم، بعد فشل كل محاولاتهم، على ضرب سوريا امنيا وزعزعة الاستقرار فيها، أملاً منهم في تغيير توجهاتها حيال محور الممانعة، التي هي، اي سوريا، جزء اساسي ومحوري فيه.
وسواء كانت استراتيجية الغرب المفعلة حاليا ضد سوريا مستمدة من افكار مركز ابحاث الامن القومي الاسرائيلي، او من كتابات وافكار شريكة في الرأي الاسرائيلي ومبنية عليه، فان فهم هذه الاستراتيجية، بفرصها وتهديداتها، تجاه الغرب وتجاه محور الممانعة، يمكن ان يجري تلمسه في الدراسة نفسها، ويمكن ان يفيد في تحليل الوضع والموقف، واستشراف مآلاته وحدوده المرسومة له ابتداءً.
في اطار عرض افكار الكتاب، نقتبس الآتي:
تغيير سياسة سوريا تجاه حزب الله:
العلاقة بين سوريا وحزب الله (المقاومة في لبنان)، هي علاقة نوعية بالنسبة لحزب الله، والمس بهذه العلاقة، يمكن أن يتم في الظروف التالية:
1ـ إسقاط النظام الحالي، الذي سيؤدي إلى تغيير في الاتجاه السياسي والأيديولوجي وتغيير في السياسة السياسية السورية.
2ـ تغيير سياسة النظام القائم، في أعقاب اتفاق سلام مع "إسرائيل"، وكجزء من رزمة اتفاقات إقليمية.
3ـ تعزيز الرقابة والضغوط الدولية على سوريا.
4ـ انشقاق أو أزمة في العلاقات بين سوريا وإيران.
والأمل بتغيير سياسة سوريا تجاه حزب الله، أعلى بكثير من الأمل بتغيير سياسة إيران تجاهه. وعلى عكس الحالة الإيرانية، لدى إسرائيل تأثير معين على هذا المسار. ومن المفهوم أن تغيير النظام في سوريا، يمكن أن يشكل عاملاً مركزياً في تغيير السياسة [السورية] تجاه حزب الله، رغم أن ذلك مرتبط بطبيعة الحال بطابع النظام الجديد، علماً أن تغييرا كهذا غير مطروح على جدول الأعمال، وفي نفس الوقت نظام بشار الأسد مستقر. مع ذلك، الإمكانيات الإستراتيجية للخيار السوري، أكثر تنوعاً مما هي لدى إيران. (انتهى الاقتباس).
يظهر ما تقدم ان "اسرائيل"، ومنذ اعوام، تعمل جاهدة على ايجاد وسائل اكراه تجاه سوريا، لعزلها عن محور الممانعة، لكنها كانت تنتظر البيئة الحاضنة لخياراتها، سواء كانت خيارات اكراه او خيارات ترغيب، وهي مطروحة بوضوح ضمن الخيارات الاربعة المساقة اعلاه.
وكما هو معلوم، فان الخيار الثاني والثالث والرابع، هي من الخيارات التي جرى فحصها ومحاولة تطبيقها عمليا في الاعوام القليلة الماضية، لكن نتائج تفعليها كانت غير مُرضية، وفي كل مرة كانت تواجه بصد سوري وتمسك دمشق بخياراتها. لكن ماذا عن الخيار الاول؟.
المعلوم، وكما تشير الدراسة الاسرائيلية، الى ان الخيار الاول، اي اسقاط النظام السوري، لم يكن مطروحا على طاولة البحث ابتداءً، خشية التداعيات التي يمكن ان تنتج عن ذلك، رغم ان هذا الخيار يحمل جملة من الفرص والفوائد لاسرائيل وللغرب عموما، فاسقاط النظام السوري يشكل ضربة موجعة وكبيرة جدا لمحور الممانعة، لكنه في نفس الوقت، يحمل إمكانات متطرفة من ان تتحول سوريا لاحقا، نتيجة إمكانات معقولة جدا، بالاحتراب الداخلي بسقوط النظام، الى دويلات وتشظّ جغرافي، لا يمكن الامساك بها كلها، من قبل الغرب.
ضمن نفس السياق، وضمن نفس الاستراتيجية المفعلة حاليا، يبدو ان هذا المطلب، اي اسقاط النظام السوري، ما زال مستبعدا، اقله في الامد المنظور، ما دام ان التهديدات الكامنة فيه كبيرة جدا وغير متوقعة او يقينية بالكامل... لكن مع فشل كل الخيارات الاخرى البديلة حيال سوريا، على مر السنوات الماضية، كان لا بد من العمل على الخيار الاول، انما بحذر، يحول دون الوصول الى نتائجه السلبية.
في تفصيل ذلك، يمكن الاشارة الى الآتي:
ان الخيار المفعل ضد سوريا حاليا، من خلال افتعال القلاقل والتحريض على العنف وعدم الاستقرار الامني، هي من التكتيكات التي تشير ابتداءً الى ان الاستراتيجية المتبعة هي استراتيجية اسقاط النظام... لكن في التعمق اكثر، فان هذه التكتيكات تفيد ايضا ان الاستراتيجية المتبعة تريد كل "فوائد" اسقاط النظام، من دون اسقاطه...
بعد ان جرى العمل على كل الخيارات الاخرى، باتت "اسرائيل" والولايات المتحدة، على قناعة تامة بأن نزع سوريا من محور الممانعة، لن يكون خيارا مطروحا وممكنا، من خلال الدفع بالاغراء للنظام السوري، كما انه لن يكون ممكنا من خلال العقوبات ايضا، بل يجب ان يفرض فرضا على القيادة السورية، جراء ايجاد خشية حقيقية لديه من اسقاطه... الهدف الاسرائيلي والغربي لافتعال عدم الاستقرار في سوريا، أنهم يدركون جيدا، بامكان ايقاف كل الاحداث في هذا البلد، بمجرد موافقة سوريا على نزع جلدها والافتراق عن خياراتها القومية ودعم المقاومة...
بمعنى اخر، المعادلة المطروحة امام القيادة السورية حاليا، هي الآتية: تزيد الفتنة والازمة الداخلية في سوريا، على جرعات، من قبل الغرب، وفي كل جرعة يقف الاسرائيلي والغربي وينتظر الموقف السوري، إن كان الجواب سلبيا، اي ان سوريا ما زالت تقف على قدمها وترفض الابتعاد عن خياراتها، فان الجرعات اللاحقة تنمو وتكبر... وهكذا تستمر الجرعات.
هذه هي المعادلة الغربية المفعلة ضد سوريا وضد قيادتها... لكن كما يبدو، فان القيادة السورية تدرك جيدا استراتيجية الغرب وتدرك ايضا امكاناته، كما انها تدرك جيدا كيفية التصدي لهذه الاستراتيجية... ما يساعد القيادة السورية، جملة من العوامل، واهمها عدم استجابة الشعب السوري للمخطط، ووقوفه الى جانب قيادته...
في الاسابيع الاولى للاضطرابات في سوريا، ادرك الغرب، على ما يبدو، ان المسعى قد فشل. لكن في ظل عدم وجود خيارات اخرى، كان لا بد من السير قدما في هذا المخطط... فإن لم يكن بالامكان نزع سوريا عن محور المقاومة، فأقله اضعافها... وهذا هو المسعى الغربي من كل ما يحصل، حاليا، في سوريا.