ارشيف من :آراء وتحليلات

الحريرية السياسية في أمر اليوم... كل الأسلحة للعودة الى الحكم

الحريرية السياسية في أمر اليوم... كل الأسلحة للعودة الى الحكم
مصطفى الحاج علي

حتى الى ما قبل تأليف الحكومة كان تيار المستقبل وتوابعه في تجمع الرابع عشر من آذار يبشرون الناس بالويل والثبور وعظائم الأمور، وكان الهدف واضحاً، وضع كل العراقيل الممكنة التي من شأنها أن تحول دون إبصار الحكومة النور، وطبعاً لم تكن هذه الجوقة تعزف لحن الموت السوداوي لوحدها، بل كان يقف وراءها المايسترو الأميركي " جيف" وهلم جرا من الكورس الأوروبي، والأممي... الخ.

وما إن شُكلت الحكومة حتى بدا هؤلاء وكأنهم استيقظوا على وقع كابوس مرعب. فهم لم يصدقوا حتى الآن، أن الأكثرية الوطنية الجديدة قد نجحت في تأليف الحكومة، واضعة تحت أقدامها كل رسائل الضغط، وأدوات التهويل والتهديد، ملتفتة فقط الى ما هو مصلحة الوطن والمواطنين في هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة عموماً، والحقيقة أن ما يقوم به "المستقبل" وملحقاته في معراب، وغيرها من الأماكن، يستدعي وقفة خاصة لقراءة خلفياته وأبعاده، ولوضع الرأي العام، أمام حقيقة ما يخطط له هؤلاء، ولفضح حججهم الواهية التي يعملون على حياكتها لتشكل لهم الستارة التي يخفون خلفها نياتهم وأهدافهم الحقيقية، وفي هذا الإطار، يمكن معاينة التالي:

أولاً: كل ما يقوم به فريق المستقبل وتوابعه وأدواته يعكس حال الارتباك الكبير وواقع الصدمة الشديدة، جراء عدم قدرته على استيعاب جملة من الحقائق والوقائع أبرزها أنه بات خارج السلطة فعلياً ولأسباب يتحمل هو مسؤوليتها بالكامل قبل أي أحد آخر، وأنه لم يصدق بعد أن فريق الأكثرية الوطنية نجح في تجاوز كل المطبات وألف حكومة لا يستطيع إلا مغالٍ الحكم عليها بأنها حكومة اللون الواحد.

ثانياً: ان كل سلوكيات هذا الفريق تعكس بأنه يتعاطى مع السلطة، بل الأصح مع وجوده في السلطة، باعتبارها حكما ملكيا مطلقا لا يقبل المشاركة أو العزل، أو الخروج عليه، ولذا دأب على وصف ما جرى بالعملية الانقلابية، في حين ما حدث هو عملية ديموقراطية كاملة الأوصاف.

ثالثاً: ان نزعة الاستئثار والتفرد مستحكمة الى أقصى الحدود في تيار المستقبل، وهي امتداد في الحقيقة، لنزعة الحكم الملكي المطلق في السلطة، وإذا كانت هذه تعني كل اللبنانيين لأنها تمس نظامهم الديمقراطي، فإن الأولى تعني الطائفة السنية الكريمة قبل غيرها من المكوّنات الطائفية في لبنان، وهي خطر عليهم قبل سواهم، لأنها تكشف عن نزعة تريد تدمير كل الطبقة السياسية السنية التي يمكن أن تنافس الحريرية السياسية، أو تقف في وجهها، وترفض بالتالي أن تكون مجرد خادم لديها، وهذا في الحقيقة يناقض التاريخ العريق لهذه الطائفة التي طالما احتضنت في تاريخها بيوتات سياسية وطنية وعريقة، ولعبت أدواراً بارزة في تاريخ لبنان السياسي، هذه النزعة الاحتكارية الطائفية تندرج في سياق عملية خطف السنة من موقعهم الوطني والتاريخي لمصلحة المشروع الاميركي الذي تشكل قاطرته في لبنان الحريرية السياسية، وبما يؤدي تلقائياً الى تحويل السنة الى أدوات في هذا المشروع لا سيما بأبعاده التدميرية المتمثلة بمذهبة الصراعات، وصرفها عن وجهتها الأصلية، أي الصراع مع العدو الاسرائيلي.

رابعاً: من الواضح، أن هذا الفريق يمارس سياسة أنا أو لا أحد، وهي السياسة الاقصائية التي طالما دمرت لبنان على مدار تاريخه الطويل.

خامساً: لو كان هذا الفريق صادقاً في ما يدعيه، وايجابياً في ممارسته السياسية، بمعنى أنه يخاف على مصلحة اللبنانيين، لكان اختار بدلاً من مسار المواجهة حتى قبل أن تدشن الحكومة تجربتها الخاصة في الحكم، مسلكاً آخر يكشف فيه عن ابداعاته في المعارضة البناءة، والعمل على نقل الأجواء والمناخات من أجواء ومناخات التوتير والتعطيل والمماحكة التي لا تجدي نفعاً، الى موقع المشاركة الفعّالة في الرقابة والشفافية، وبالتالي التحول الى شريك في السلطة من موقع المعارضة، وهي مشاركة قد تكون أفعل في وجوده في السلطة نفسها.

سادساً: من الواضح، أن الحريرية السياسية وتوابعها وأدواتها اختارت المواجهة الهدامة مع الحكومة الجديدة، وهي عندما وجدت أن رهانها على عجز الأكثرية الجديدة عن تشكيل الحكومة قد خاب، رأت نفسها أمام البدائل التالية: إما ايجاد كل الظروف التي تؤدي الى سقوط الحكومة كحد أقصى، وإما ايجاد كل الظروف التي تؤدي الى فشلها في وظائفها التيئيسية، بما يعود عليها بنتيجتين أساسيتين: الأولى، امكان تجيير الرصيد الشعبي لمصلحتها وخصوصاً أن استحقاق ربيع 2013 الانتخابي هو استحقاق مفصلي، والثانية حماية نفوذها ومكتسباتها الخاصة داخل السلطة وفي اداراتها المتنوعة.

ولتحقيق هذه الأهداف عمدت الى الاستراتيجية التالية:

أ ـ الترويج اعلامياً وبكل الوسائل المتاحة لدعوى ان الحكومة الجديدة ستعتمد نهج "الكيدية والثأر"، هذه العبارة التي باتت اللازمة الرئيسية في كلام وخطب ومواقف هذا الفريق وأزلامه، ونحن سنشهد استخداماً متكرراً لها، لضمان تصديقها من جمهور هذا الفريق، وهي بالطبع يراد منها تعبئة هذا الجمهور، تمهيداً لاستخدامه غب الطلب، ولدفع كل المتضررين المحتملين الى التضامن، وقطع الطريق على احتمال ان يجري بعضهم اعادة حساب فينتقل من موقع الى موقع كما جرت العادة في لبنان. في مطلق الأحوال، ان الهدف الرئيسي في هذه الحملة هو تكبيل مسبقاً لأيدي الحكومة بما يحول دون محاسبة المرتكبين والمخالفين وسارقي أموال الناس، ومن أساءوا استخدام السلطة، خصوصاً في القطاعات الحساسة من مالية وأمنية وكذلك في قطاعات القضاء والاتصالات وسواها، اضافة الى التعديات على الأملاك العامة، واغتصاب حقوق اللبنانيين، والمحافظة على مؤسسات الحكم الرديفة التي اقامتها الحريرية في أكثر من وزارة ومؤسسة حساسة على حساب مؤسسات الحكم الأصلية، الى جانب لعبة استنزاف القطاع العام لفرض الخصخصة، وتحويل اللبنانيين الى مجرد زبائن لدى الطغمة المالية لهذا الفريق التي تريد احتكار كل شيء لمصلحتها ومصلحة مشغليها الكبار، ولذا من المتوقع أن يعلو الصراخ والتهويل وصولاً الى دفع الناس الى الشارع لإقامة الاعتصامات والتظاهر، لأن ما هو مطلوب حمايته كبير، وهو يشكل مرتكزات المشروع الاميركي ـ السعودي داخل السلطة واداراتها في لبنان.

ب ـ الضغط على اللبنانيين نفسياً ومعنوياً لوضعهم بين خيارين لا ثالث لهما: إما خسارة كل شيء، وإما عودتهم الى السلطة، وذلك من خلال التهويل المتصاعد عليهم بالتدخل الخارجي، وبأن هناك ضغوطاً سياسية واقتصادية ومالية كبيرة آتية عليهم، وفي هذا السياق ، يحملون مسؤولية هذه الضغوط الى "مشاركة حزب الله في الحكومة" والى ان "الحكومة الحالية هي حكومة سورية"، والمفارقة هنا، ان ادعاءات هؤلاء لا تنطلي على أحد، خصوصاً وأن مشاركة حزب الله في الحكومة ليس بالأمر الجديد وهو يعود الى العام 2005، فلماذا لم تحمل مشاركة الحزب هذه التداعيات السلبية آنذاك وستحملها الآن، والأمر عينه ينطبق على الدعوى الثانية، والحقيقة أن هؤلاء يقومون بلعبة خطرة وهي اقحام لبنان في صراعات المنطقة لا سيما الاشتباك الدولي مع سوريا في هذه المرحلة، وهم يعمدون الى تحويل معركتهم مع الحكومة الى جزء من معركة الغرب مع سوريا تحديداً، بما يؤدي الى استجلاب الضغط الغربي على حكومة ميقاتي، ويؤدي الى سقوطها تحت تأثيره المباشر، ويفتح الطريق مباشرة لعودة مظفرة للحريرية الى الحكم على حصان هذه الضغوط.

ج ـ اللعب على الوتر الأمني، ودفع اللبنانيين الى الفتنة المذهبية من خلال الامعان في هذا التجييش، وتوظيف ما يجري في سوريا لبنانياً بهذا الاتجاه، وفي هذا الاطار يعوّل الحريريون مجدداً على ورقة القرار الظني لتشنيج البلد مذهبياً وطائفياً، ولإحراج رئيس الحكومة، وتفخيخ الحكومة بلغم دولي كبير، ولغم مذهبي، حيث سيسارع الحريريون الى اتهام ميقاتي بأن حكومته تضم قتلة الحريري الأب، وأنها من الأساس حكومة قامت على أكتاف هؤلاء وما إلى ذلك من معزوفة لاحراجه داخل طائفته، ودفعه الى الاستقالة، اضافة الى أخذ المناخات داخل البلد باتجاه الفتن المذهبية.

يضاف اليها التهويل على اللبنانيين عموماً، والحكومة تحديداً بضغوط خارجية مناسبة اذا لم يتم الاستجابة للقرار الاتهامي والتعاون مع متطلبات تسييسه وأهدافه المعروفة.

د ـ ثمة همس عاد بقوة داخل أوساط الحريريين يبشرهم بأن حربا اسرائيلية قادمة في أيلول/سبتمبر المقبل، وأن الكيان الاسرائيلي بات مستعداً لهذه الحرب، وأنه هذه المرة سيجهز على حزب الله نهائياً، ما سيؤدي الى فرط التوازنات الداخلية الحالية لمصلحة توازنات جديدة تعمل لمصلحة عودة الحريرية الى الحكم تماماً كما كان وصول بشير الجميل الى سدة رئاسة الجمهورية عام 1982، وبمعزل عما اذا كان هذا الهمس هو مجرد تمنيات، ووسيلة لشحذ الهمم، والتحلي بالصبر لأشهر قليلة، أم أنه مبني على معلومات تعوّد هذا الفريق الحصول عليها من مشغليه، فإن هذا الهمس يكشف عمق مأزق هؤلاء، وأين يقفون حقيقة، وما الذي يهمهم فقط؟

وما يتناساه هؤلاء هنا، أن هذه المناورات هي حلقة في مسلسل مستمر سبق للجنة فينوغراد أن أوصت به على إثر هزيمة العدو الاسرائيلي عام 2006، وهي تستهدف رفع ما يسمى "مستوى المناعة الاجتماعية الداخلية"، والتي كشفت وثائق مؤتمر "هريتسرليا" الأخير عن بلوغها أدنى مستوياتها، وبالتالي المطلوب إعادة اشعار الصهاينة بالاطمئنان، وأن جيشهم قادر على حمايتهم... الخ.

خلاصة القول هنا، لقد بات اللبنانييون أمام حقيقة هؤلاء، وبالتالي، مهما بلغت شدة حملات هذا الفريق، وتآمره على المصلحة الوطنية العليا، فلن ينجح في حرف أنظار الاصلاح عن سكّته، وعن رسم مسار جديد لإعادة بناء الدولة القوية القادرة، وتخليص اللبنانيين من المرابين في السياسة والمال معاً.
2011-06-27